تكتشف وأنت القادم من حرب ثقبت روحك، معنى آخر للحياة في أوروبا، وينتابك هول المفارقات، يتخطى الأمر الدهشة ليصبح ألما براحا. لكنك في نفس الوقت وأنت ابن الأجداد الذين شيدوا في أوروبا أقدم جامعاتها ربما ستجعلك الحياة تعي أكثر أسباب تلك المسافة الزمنية التي تفصل هذا العالم عن بلادنا، وتعي أكثر الجواب عن سؤالك الدائم والسرمدي: لماذا سبقنا هذا العالم وتركنا نهرول خلفه ولا نصل؟.
هناك العديد من مظاهر الحياة التي تمنحك الخيوط الأولى للإجابة عن قلق السؤال ذاك، ليس من حيث نظام الحياة الاجتماعية ولا الاهتمام بالإنسان كمصدر للثروة، من قبل السياسات الحكومية أو عمل المجالس البلدية في المدن، ولكن من خلال مظاهر أخرى تدخل في خانة القيم الرمزية والثقافية.
ليس أقلها، في مدريد مثلا، بعض الأفكار الرائدة لبلدية المدينة، عندما وضعت في محطات المترو، إلى جانب ماكينات المشروبات الغازية، ماكينة أخرى، هي "المكتبة الآلية"، مما يعكس في عمق الأشياء جوهر الفرق الحضاري، الذي يتعمق يوما بعد يوم، بيننا نحن كعالم عربي وبين العالم الأوروبي، الذي يذهب في اتجاه الاستجابة لحاجيات مواطنيه، بل و"التحايل" على تلك الرغبات وتوفيرها بكل الطرق المتاحة لمواطنيه، في الشارع والجامعة وبناية مكتبة البلدية، وأخيرا، "المكتبة الآلية" التي يدعمها المجلس البلدي. ظاهرة "المكتبة الآلية" تعكس في جوهرها عمق الفجوة الثقافية والمعرفية بين بلداننا وبين هذا العالم الآخر.
هنا في مدريد، كلما اجتزت مسافة أو دخلت أحد الأنفاق لمتابعة مشوارك، ستجد آلة منتصبة أمامك، هي عبارة عن مكتبة حقيقية متنقلة ضمن إمكانيات مذهلة، إذ يكفي من خلال هذه الآلة أن تنقر على خاصية البحث، لتقدم لك الشاشة طبقا من أصناف الكتب موزعة بين الروايات وكتب الشعر والكتب النقدية والسياسية والفلسفية، بالإضافة إلى الكتب العلمية والبحثية في مختلف المجالات.
إذ توجد الكتب المطبوعة باللغة الإسبانية وبالكاتالانية والغاليثية، كما توجد كتب منشورة بالإنجليزية والفرنسية والفارسية والهندية والعربية أيضا، رغم قلتها. وبمجرد الضغط على أحد هذه الكتب الذي تختاره بعد وضع مبلغ زهيد جدا من المال، تقوم هذه الآلة بتقديم الكتاب لك ضمن نسخة ورقية ممتازة وضمن الطباعة الأصلية للكتاب.
القليل جدا من المال ويصبح الكتاب بين يديك، شرط أن تعيده بعد أسبوعين إلى أية آلة مشابهة وفي أي مكان كانت، لذا فإنك لن تستغرب عدد الذين يقضون الطريق إلى عملهم وهم يقرؤون كتابا بين أيديهم، كي لا يضيع هذا الوقت سدى، وربما هذا ما يجعلنا لا نستغرب بل نفهم كم ينقصنا، وكم كنا نتعب كي نجد كتابا لنا به حاجة لدراسة أو لغيرها، أو نستعيره، وذلك لأننا بكل بساطة لم نكن نملك ثمنه، وسنعرف أيضا كم تنقصنا ثقافة القراءة بحد ذاتها.
يمضي الناس أوقاتهم في الثرثرة حول الآخرين أو عن حياتهم، ويخسرون دائما فرصة أن يقرؤوا وأن يفهموا أنفسهم بشكل أعمق. وهذا ما تشير إليه الإحصائيات العالمية، إذ إن الحصيلة الكلية لكل ما ترجم إلى العربية من اللغات الأخرى منذ عصر المأمون وحتى أيامنا هذه، لا يتجاوز العشرة آلاف كتاب، وهذا يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة.
وتفيد الإحصائيات أيضا أن متوسط الكتب المترجمة لكل مليون شخص، وعلى مدى خمس سنوات، يساوي في العالم العربي 4.4، وهذا يعني أقل من كتاب واحد لكل مليون عربي، بينما يكون هذا المتوسط في إسبانيا على سبيل المثال هو تسعمائة وعشرون كتابا في السنة لكل مليون شخص. أما ما يزيد الصدمة، فهو أن نعلم أن العالم العربي كله يصدر حوالي1650 كتابا سنويا، في حين أن هذا العدد يقارب في أي دولة من دول الغرب 85 ألف كتاب.
فهنا أمام إحدى هذه المكتبات الآلية المنصوبة قرب إحدى أهم الجامعات الغربية، وتحمل اسما عربيا "جامعة القلعة"، تمر في ذهنك الكثير من المشاهد المؤلمة، التي يعرفها العالم العربي يوميا، تحس بالأسى، وتتداعى في ذهنك صورة تمثال أبي العلاء مقطوع الرأس، تتأمل الوجوه العابرة من حولك، وتواصل تلمس تنهيدة عميقة تذوب بين الخطى.
إقرأ أيضاً: ألوان لمدينة أحببتها..معرض فني كويتي في البصرة
هناك العديد من مظاهر الحياة التي تمنحك الخيوط الأولى للإجابة عن قلق السؤال ذاك، ليس من حيث نظام الحياة الاجتماعية ولا الاهتمام بالإنسان كمصدر للثروة، من قبل السياسات الحكومية أو عمل المجالس البلدية في المدن، ولكن من خلال مظاهر أخرى تدخل في خانة القيم الرمزية والثقافية.
ليس أقلها، في مدريد مثلا، بعض الأفكار الرائدة لبلدية المدينة، عندما وضعت في محطات المترو، إلى جانب ماكينات المشروبات الغازية، ماكينة أخرى، هي "المكتبة الآلية"، مما يعكس في عمق الأشياء جوهر الفرق الحضاري، الذي يتعمق يوما بعد يوم، بيننا نحن كعالم عربي وبين العالم الأوروبي، الذي يذهب في اتجاه الاستجابة لحاجيات مواطنيه، بل و"التحايل" على تلك الرغبات وتوفيرها بكل الطرق المتاحة لمواطنيه، في الشارع والجامعة وبناية مكتبة البلدية، وأخيرا، "المكتبة الآلية" التي يدعمها المجلس البلدي. ظاهرة "المكتبة الآلية" تعكس في جوهرها عمق الفجوة الثقافية والمعرفية بين بلداننا وبين هذا العالم الآخر.
هنا في مدريد، كلما اجتزت مسافة أو دخلت أحد الأنفاق لمتابعة مشوارك، ستجد آلة منتصبة أمامك، هي عبارة عن مكتبة حقيقية متنقلة ضمن إمكانيات مذهلة، إذ يكفي من خلال هذه الآلة أن تنقر على خاصية البحث، لتقدم لك الشاشة طبقا من أصناف الكتب موزعة بين الروايات وكتب الشعر والكتب النقدية والسياسية والفلسفية، بالإضافة إلى الكتب العلمية والبحثية في مختلف المجالات.
إذ توجد الكتب المطبوعة باللغة الإسبانية وبالكاتالانية والغاليثية، كما توجد كتب منشورة بالإنجليزية والفرنسية والفارسية والهندية والعربية أيضا، رغم قلتها. وبمجرد الضغط على أحد هذه الكتب الذي تختاره بعد وضع مبلغ زهيد جدا من المال، تقوم هذه الآلة بتقديم الكتاب لك ضمن نسخة ورقية ممتازة وضمن الطباعة الأصلية للكتاب.
القليل جدا من المال ويصبح الكتاب بين يديك، شرط أن تعيده بعد أسبوعين إلى أية آلة مشابهة وفي أي مكان كانت، لذا فإنك لن تستغرب عدد الذين يقضون الطريق إلى عملهم وهم يقرؤون كتابا بين أيديهم، كي لا يضيع هذا الوقت سدى، وربما هذا ما يجعلنا لا نستغرب بل نفهم كم ينقصنا، وكم كنا نتعب كي نجد كتابا لنا به حاجة لدراسة أو لغيرها، أو نستعيره، وذلك لأننا بكل بساطة لم نكن نملك ثمنه، وسنعرف أيضا كم تنقصنا ثقافة القراءة بحد ذاتها.
يمضي الناس أوقاتهم في الثرثرة حول الآخرين أو عن حياتهم، ويخسرون دائما فرصة أن يقرؤوا وأن يفهموا أنفسهم بشكل أعمق. وهذا ما تشير إليه الإحصائيات العالمية، إذ إن الحصيلة الكلية لكل ما ترجم إلى العربية من اللغات الأخرى منذ عصر المأمون وحتى أيامنا هذه، لا يتجاوز العشرة آلاف كتاب، وهذا يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة.
وتفيد الإحصائيات أيضا أن متوسط الكتب المترجمة لكل مليون شخص، وعلى مدى خمس سنوات، يساوي في العالم العربي 4.4، وهذا يعني أقل من كتاب واحد لكل مليون عربي، بينما يكون هذا المتوسط في إسبانيا على سبيل المثال هو تسعمائة وعشرون كتابا في السنة لكل مليون شخص. أما ما يزيد الصدمة، فهو أن نعلم أن العالم العربي كله يصدر حوالي1650 كتابا سنويا، في حين أن هذا العدد يقارب في أي دولة من دول الغرب 85 ألف كتاب.
فهنا أمام إحدى هذه المكتبات الآلية المنصوبة قرب إحدى أهم الجامعات الغربية، وتحمل اسما عربيا "جامعة القلعة"، تمر في ذهنك الكثير من المشاهد المؤلمة، التي يعرفها العالم العربي يوميا، تحس بالأسى، وتتداعى في ذهنك صورة تمثال أبي العلاء مقطوع الرأس، تتأمل الوجوه العابرة من حولك، وتواصل تلمس تنهيدة عميقة تذوب بين الخطى.
إقرأ أيضاً: ألوان لمدينة أحببتها..معرض فني كويتي في البصرة