"آيات شيطانية" هل هو كتاب ضروري؟
تقول التقارير الطبية إنّ حالة الكاتب البريطاني المولود في الهند، والبالغ 75 عاماً، سلمان رشدي، غير مطمئنة، وإنّه قد يفقد عينا، وإنّ أعصاب ذراعه مقطوعة وكبده متضرّر جراء الطعنات التي وجّهها إليه القاتل.
منذ عام 1989، يعيش رشدي مهدَّداً بالقتل، أي منذ أصدر المرشدُ الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، فتوى بهدر دمه لقاء مكافأة مادية، وهو ما اضطرّه إلى الاختباء والتنقل باستمرار، إذ قيل إنّه بدّل مكان سكنه 56 مرة في الأشهر الستة الأولى. لدى صدور الرواية، عمّت التظاهرات والمسيرات بلداناً إسلامية وغربية، ما أدّى إلى وقوع قتلى وجرحى، قُطعت علاقات دبلوماسية (بريطانيا وإيران)، وتعرّض مترجمو الرواية للتهديد والاعتداء، حتى بلغ الأمر قتل المترجم الياباني طعناً بالسكين، والناشر النرويجي رمياً بالرصاص، وإحراق فندق في تركيا قضى فيه 37 شخصاً على يد متظاهرين نزلوا إلى الشارع ضد المترجم التركي.
لكن، بعيداً عن حمّى الحدث وتطوراته أخيراً، قد يتبادر إلى الذهن سؤالٌ عن حال رشدي إثر خروج الفتوى بحقه وحدوث ما حدث لاحقاً واقترابه من الموت إثر طعنه: أتُراه تساءل إن كانت رواية "آيات شيطانية" ضرورية لتستأهل هذا الضرر والأذى كله؟ ولو أنّه عرف بأنّها ستفضي إلى ما أفضت إليه، هل كان سينشرُها، خصوصاً أنّ التطرّف الإسلامي في وقتها لم يكن قد انتشر كما هو اليوم، ناراً في الهشيم؟ ألا يكون قد فكّر أيضاً، وهو ممدّد على سريره في المستشفى، إن كانت رواية، أيّاً تكن، هي في النهاية من صنع خيال كاتبها وتأليفه مهما استندت إلى الواقع أو خاطبته، تستأهل كلّ هذا الغضب ودعوات القتل التي اجتاحت العالم الإسلامي في غالبيته؟
من يعتبرون أنّ "آيات شيطانية" أساءت إليهم، يجب أن يتذكّروا أنّ كاتبها روائيّ يكتب من خياله، وأنّه ليس وافداً على الثقافة التي يتحدّث عنها، بل هو ابنها وله موقف منها، هو الذي حاول من ثم أن يخفّف من وطأة الرواية، حين عبّر سريعاً للمسلمين، أي في 18 فبراير/ شباط 1989، عن أسفه الشديد، تبع ذلك تأكيد على الفتوى ضده.
ثمة كتب وأفكار وحقائق أدّى نشرها إلى الاقتصاص من أصحابها بالحرق والسحل والقتل تعذيباً والاغتيال. الأسماء كثيرة لا تُحصى، عالميا وعربيا، أمس واليوم. ذلك أن الحقيقة تُخيف، ولا بد أن عمل رشدي على روايةٍ غير رسمية لتراث النبوّة، بعد أن جرى تغييبها لصالح الرواية الرسمية، دقّ ناقوس الخطر. نتذكّر هنا "اسم الوردة" لأمبرتو إيكو حيث يبتلع الراهب العجوز في نهاية الرواية أوراق كتاب أرسطو، "الشعر"، في جزئه الثاني الذي يتحدّث عن الكوميديا، وكان قد خبّأه ولوّثه بالسمّ خوفاً من وقوعه في أيدي الآخرين، ذلك أنّ الضحك يطرد الخوف، ومن لا يخاف الربّ لا يمكنه عبادته.
والحال أنّ ما ينبغي أن يكون عليه رد الفعل على محاولة قتل رشدي، يقوم في عكس السؤال، أو قلبه رأسا على عقب، ليصير: ما الذي أخاف إلى هذا الحدّ، في روايةٍ لم يقرأها حتى مُصدِرُ الفتوى نفسه الذي يُقال إنّه إنّما فعل بعدما نُمي إليه أنّ رشدي يسخر منه شخصياً، ويصوّره في شخصية إمامٍ منافق، أو ما الذي أرعب أولئك الذين ندّدوا وشجبوا ودانوا أو تدفقوا إلى الشوارع، وهم يهدّدون بالانتقام. كان المفكّر السوري صادق جلال العظم من القلائل الذين قرأوا الكتاب، ورأوا أنّ للفتوى خلفية سياسية لا دينية، هي نتيجة احتدام الصراع بين الوهابية وولاية الفقيه، في حين أشار آخرون إلى أنّ الخميني أراد القيام بعرض قوة أخير بعد خروجه خاسراً من حربه مع العراق.
في مطلق الحال، بعد 33 سنة على إطلاق فتوى إهدار دم الروائي الانكليزي وعدم تنفيذها، جاء شابٌ في الرابعة والعشرين لتنفيذها، ذلك أنّ فتاوى القتل، وإن كانت استعراضية، لا تشيخ ولا تموت.