إسرائيل إلهة الغرب والحرب
صنع القدامى آلهة أكلوها حين جاعوا، والغرب يأكُله إلههُ الزّائف حين يجوع. الإلهُ/ البعبع الذي يخرج كلّما يحاول فردٌ له ضمير أن يحتجّ على مجازر إسرائيل، ويعضّ يده، صار وجهه الحقيقي الوحشيّ مرئياً. لذا، حين نسأل متى تتوقّف الحرب؟ أو متى ستضع إسرائيل يديها الملطّخة بالدماء جانباً؟ تعوزنا الأجوبة. فحتّى أكثرنا تشاؤماً لم يتوقّع أن تتواصل الحرب إلى الآن، حين بدأت. لكنّها، الآن، لا تمنحنا أملاً في نهاية قريبة، مع انكشاف تعطّش الحكومة اليمينية المُتطرّفة للدّم الفلسطيني، الذي يفوق كلّ تصور. كنّا نظنّه سعاراً مؤقّتاً، لكن يبدو أنّه كان مُستفحِلاً تحت السطح، ينتظر الفرصة ليخرج على شكل وحشٍ جُوّع طيلة حياته. وها هو، الآن، يركض في الأرض، مُستبيحاً كلّ محرّم، وأولهم دم الأبرياء.
اكتشف العالم حقيقة مُرعبة، كان كثيرون ينكرونها. لكنّ الحقيقة لا تأخذ رأينا لتظهر، فكشفت السيطرة الصهيونية على مقاليد الأمور في العالم، بادئةً بمُبتدأ كلّ شيء، وهو المال، الذي يأتي بالسلطة والنفوذ، ويُؤدّي إلى الاستبداد. وكشف الحصار، الذي يُفرض على المُحتجّين على وحشية إسرائيل، والعقاب والحرمان اللذان يُذكّران بالعصور الوسطى، التي يدّعي الغرب تجاوزها، أنّ إسرائيل مسألة مُقدّسة لا يمكن المساس بها، في مجتمعات تحرّرت، حسب زعمها، من المحظورات، فلا قيد على المسّ بأيّ مُقدّس أو ممنوع، إلا إسرائيل.
أيّ مفارقة أن يصير العقل المُخطّط لفكرة وطنٍ مسلوب إلهَ العالم الحُرّ. وما الإيمان بالألوهية سوى الإيمان بقوّة عظمى لا تُرى، لكنّها تُدرَك بقوّة أثرها مثل الريح. وما أبسط عقل الإنسان حين يتعلّق الأمر بالإيمان. هو الذي اخترع آلهةً كثيرةً منذ بداية التاريخ مثل آلهة الإغريق؛ زيوس وأثينا وبوسيدون، وآلهة أخرى في ثقافات مغايرة لها، آمنت بأنّ لكلّ قوّة إلها، وإلا فلِمَ هي موجودة؟ فلا بدّ من مُوجِد لمَوْجود. مثل الحرب والريح والبحر والنار ...
في الألوهية المصطنعة، كثير من الفانتازيا والغموض اللذين يُستعملان لملء الفراغات وإقناع كلّ مُشكّك. فـ"وجود إلهِ خيرٌ من غيابه، وإله نخلقه خيرٌ من إله لا نعرفه"، ومن يُوجِد وطناً من لا شيء، قادر على التحوّل طاغيةً لاهوتياً، يصنع من الوطن المُستلب إلهاً صغيراً مثيراً للمتاعب، ويُسمّي الأماكن باسمه. وإذا كان الوطنُ فكرة، فالدين عند كثيرين فكرة أيضاً، وعند آخرين إيمانٌ مطلق بقوّة عظمى تقود العالم. وهو إيمان يستغلّه غيرهم، بطرق مختلفة، حسب مرجعيات الأديان السماوية، لصالح الآلهة الزائفة.
في هذه الحرب، اكتشف الغربيُّ الخطر الذي تُمثّله إسرائيل على العالم كائناً وحشياً حاول الغرب لـ76 سنة، تقديمه حملاً وديعاً ظلمه الغرب أيام جاهلية الحرب العالمية، واكتشف أنّه ليس حراً، ولا يعيش في بلاد ديمقراطية، بل في دول مشاركة ومتواطئة في جرائم إبادة.
أما نحن، فلا جديد تحت شمسنا. لأنّ الغرب السياسي، كان جُلّ الوقت، مصدر أذيّة. ابتداءً من حملات اصطياد الأحرار وتقييدهم عبيداً، إلى الاحتلال المباشر، إلى توأمه غير المباشر. باستثناء فترة خفيفة كان يدغدغ فيها عواطفنا، بدفع الأنظمة إلى احترام بعض حقوق مواطنيها، بدل سعيها إلى جعلهم قطعاناً بسَجن المعارضين وقتلهم. وعشنا تحت مظلّة الغرب عقداً كاملاً في التسعينيات، ثمّ أزال المظلّة، وعاش على فوائدها عند الأنظمة مبتزّاً بها إياها، بشعاره الأبدي: أنا، وبعدي الطوفان.
هناك فرق كبير، ننساه أحياناَ، بين الغرب المُؤسّساتي السياسي والاقتصادي، والإنسان الغربي، ربّما لأنّه انهمك في طاحونة المصلحة الخاصّة، التي هي فوق كلّ شيء، في زمن تغوُّل الرأسمالية الاستهلاكية القائمة على تمييع الوعي، لكنّه يظهر في لحظات كهذه، نراها مع نسبة مُهمّة من الأشخاص الذين لهم قدرة على إخراج رؤوسهم من الخيمة الغربية، والنهوض عن وسائدها الوثيرة، ليروا ماذا يحدث في العالم، ويفزعوا.
فالإله الصغير، إسرائيل، ابن الإلهة الصهيونية، آكل البشر، الذي كان محض وعد لتبييض ضميره، صدّق ألوهيته، عضّ صانعيه، وجرّهم خلفه إلى حيث لا يعلمون. المفارقة، أنّه نفسه لا يعلم. ربّما سيفعل حين يشبع ويتوقّف عن الافتراس، فالغريزة من تقوده لا العقل.