السودان: لا مؤشّرات على نهاية الحرب
بغضّ النظر عن موعد لقاء قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، هذا إن تم أصلاً، لا مؤشّرات على نهاية قريبة للحرب التي دخلت شهرها التاسع في هذه البلد. كل ما يمكن ملاحظته، منذ 15 إبريل/ نيسان الماضي، اتساع نطاق الحرب وتمدّدها بين الولايات. ورغم كل "الانتصارات" التي يتحدّث عنها الجيش، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى خلاف ذلك. وحتى تلك التبريرات التي تُساق عند التطرّق إلى الهزائم، على غرار خسارة ود مدني، وإلقاء اللوم على تخاذل القيادات العسكرية وتهاونها، ما أتاح سيطرة "الدعم السريع" سريعاً عليها، تكاد تكون مستنسخة عن أحداث مشابهة.
يستمرّ البرهان وحميدتي في الحرب. وإذا كانت قناعتهما بإمكانية أي طرفٍ منهما في الحسم النهائي قد تراجعت، فإنها لم تتلاش كلياً، وإلا لكان يمكن حدوث اختراق في مفاوضات جدّة التي كانت تجري تحت الرعاية السعودية، وانهارت مجدّداً مطلع ديسمبر/ كانون الأول الحالي. فمنذ التوقيع على "إعلان جدّة" في مايو/ أيار الماضي، لم يتم الالتزام بأيٍّ من بنوده، سواء ما يتعلق بضمان حماية المدنيين أو السماح بالمرور الآمن لهم، أو حتى احترام القانون الإنساني الدولي واحترام وحماية وسائل النقل الطبي والامتناع عن الانخراط في عمليات الإخفاء القسري والاحتجاز التعسّفي للمدنيين. وحتى المرور السريع للمساعدات الإنسانية وضمان حرية الحركة للعاملين في مجال الإغاثة لم يتحقّق.
كما يبرع الطرفان في وضع شروط متبادلة وغير قابلة للتحقّق في ظل الظروف الراهنة، ما يعقد أي فرصة للتفاهم. يرفع البرهان عدة مطالب، منها "الانسحاب من المناطق السكنية والخدمات، وإفراغ وسط العاصمة من الوجود العسكري، وإخلاء منازل المواطنين العزّل من القنّاصة والاحتلال المسلح"، وهو ما يعني تخلّي حميدتي عن أبرز ما حقّقه منذ بدء الحرب.
في المقابل، يكرّر حميدتي الحديث عن "رؤيته" لوقف الحرب ولقضايا التفاوض، قائلاً إنها يجب أن تشمل "إنشاء وبناء جيش وطني محترف جديد واحد"، "الفترة الانتقالية والحكومة الانتقالية بقيادة مدنية"، و"السلام المستدام الشامل والمنصف"... من دون أي ذكرٍ لمليشياته. ولا تنسى أوساطُه التأكيد على أنه لن يلتقي البرهان إلا بصفته قائداً للجيش فقط، الأمر الذي لا يتوقع أن يقبل به الأخير. وكلما مرّ شهر إضافي على الحرب، تمظهر على نحو أوسع فشل المنظومة الإقليمية (العربية والأفريقية) في أداء دورٍ فاعل لوقفها. وباستثناء بضع عقوبات أميركية وأوروبية وبريطانية، ليس هناك أي ضغط آخر يمارس على الطرفين للجلوس والتفاهم على هدنة لو مؤقتة. وبعدما كان البرهان قد بدا أنه استعاد زمام المبادرة سياسياً، أقله من خلال كسر الحصار عليه في الخرطوم، والخروج منها والانطلاق في جولات داخلية وخارجية في الأشهر الماضية، تراجع زخم تحرّكاته على عكس حميدتي. فالأخير، الذي "تعذّر" حضوره إلى جيبوتي للقاء البرهان، كان يزور أوغندا وإثيوبيا، في اليومين الماضيين.
يربط حميدتي أي حديثٍ عن الوضع الحالي في السودان بأوضاع الناس ومعاناتهم، في الوقت الذي تفتك قوّاته بالمدنيين. وقائمة الانتهاكات تطول وتكاد تكون مكرّرة في كل مدينة يدخلها عناصرُه، من نهب وانتهاكات جنسية وإعدامات ميدانية، ودائما ما يليها حديثٌ عن انتهاكات فردية وتشكيل لجان تحقيق، سرعان ما تتبخّر لتزيد الانتهاكات. الأكيد أن حميدتي غير معنيٍّ بكل ما له علاقة بالمدنيين. يسير على النهج نفسه منذ سنوات، إما تحقيق ما يريده أو حرق الأخضر واليابس. لكنه، بالتأكيد أيضاً، لا يتحمّل بمفرده مسؤولية مآلات الوضع، إذ إن شريكه في جريمة الانقلاب على المدنيين وإضعاف السلطة، كان ولا يزال البرهان. وانتقالهما من موقع الحليفين إلى العدوين لا يغيّر من هذه الحقيقة.