المغرب في مؤشّر التنمية البشرية
احتلّ المغرب المرتبة 120 في مؤشّر التنمية البشرية الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الأسبوع الماضي، متقدّما ثلاث مراتب، إذ كان قد حلَّ في المرتبة 123 في تقرير السنة المنصرمة. ويُعدُّ هذا المؤشّر مرجعاً رئيساً لقياس مدى التطور الاقتصادي والاجتماعي في العالم. ويعتمد في ذلك على متوسّط العمر المتوقع، ومتوسّط سنوات التمدرس المتوقّع، ومتوسّط الدخل الإجمالي للفرد. ومن هنا، يكتسي صدورُه أهمية قصوى، خصوصاً في بلدان الجنوب، التي لا يزال كسب معركة التنمية بالنسبة لها تحدّياً سياسياً ومجتمعياً، فهو يقدّم صورة لما تحقّق وما لم يتحقق على صعيد التنمية. كما أنه يمكن اعتبارُه مصدراً لصياغة السياسات الاجتماعية وإدارة أولوياتها وفق المراتب التي يتم إحرازُها في سلم التنمية البشرية، وبالأخص في قطاعيْ التعليم والصحة، بالنظر إلى أهميتهما المركزية في بناء نماذج تنموية متوازنة تساعد على الاستقرار السياسي والاجتماعي.
لم ينجح المغرب، وفق مؤشّر هذه السنة، في الابتعاد كثيرا عن البلدان التي عادة ما تصنّف الأقلَّ تقدماً، هذا على الرغم من الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة في أكثر من قطاع. وسبق أن رصدت تقارير سابقة، وطنيّة ودولية، الصعوبات التي تجابه الفاعلين المعنيين في تحقيق الحد الأدنى من التنمية البشرية المنشودة. ومن ذلك ''تزايد نسبة الهدر المدرسي، وتدنّي مستوى الدخل والإدماج الاجتماعي للشباب''. كما أن التفاوتات المجالية بين الجهات، وبين الحواضر والمدن والقرى والأرياف، ولا سيّما في قطاعي التعليم والصحة، كان لها أيضاً أثرُها على واقع التنمية البشرية، ذلك أن استمرار غلبة سكان القرى والأرياف على البنية الديموغرافية يساعد على تكريس هذا الواقع، لأنه يعيد إنتاج البنية الاجتماعية والثقافية التقليدية التي تستعصي على التحديث، هذا من دون السهو عما خلّفته جائحة كورونا، منذ 2020، من تداعيات على النمو الاقتصادي وسوق العمل في مناطق ''المغرب غير النافع''، وهي التداعياتُ التي ضاعفت تكاليفَ معركة التنمية، في ظلّ تزامنها مع ظروفٍ إقليميةٍ ودوليةٍ معلومةٍ.
يستدعي ما تقدّم سؤالا في غاية الدلالة: لِمَ أخفق المغرب في معركة التنمية البشرية، بينما نجحت بلدانٌ أخرى، لا تختلف عنه كثيراً في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، في شقِّ طريقها نحو التنمية؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، بالنظر إلى الصعوبات السياسية والاقتصادية المركّبة التي تواجه ورش التنمية في المغرب، لكن المؤكّد أن الحكومات المغربية المتعاقبة أخفقت في تحقيق هذه التنمية، بسبب غياب سياسات عمومية على قدرٍ من الاتساق والتوازن، وليس حزمة تدابير موسمية محكومة بأجنداتٍ حزبية وانتخابية. وقد أبانت الجائحة محدوديةَ التدابير التي تم الأخذُ بها، وضرورةَ وضع سياسات أكثر جرأة في التصدي لمعضلة التنمية البشرية ومعالجتها. فعلى صعيد التعليم، أخفقت هذه الحكومات في إصلاح منظومة التربية والتكوين على الرغم من البرامج الإصلاحية المتبنّاة، إذ ظلّت، في معظمها، قاصرة ومحدودةَ الفاعلية. أما في قطاع الصحة العمومية، فالحاجة باتت ملحّة، أكثر من أي وقت مضى، للنهوض به وتحسين خدماته.
تبدو معضلة التنمية البشرية في المغرب مركّبة، وهو ما يُستشفّ مما سبق أن قاله الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة؛ ففشل النموذج التنموي، كما جاء في أحد خطاباته (2017)، لا يكتسي دلالاته من دون استدعاء سوء توزيع الثروة الذي سبق أن أشار إليه في خطاب العرش (2014)، وغيابِ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي أكّد عليه أيضاً في خطاب العرش (2023)، بما يعنيه ذلك من وجود حاجة ماسّة للأخذ بمبادئ الحكامة الجيدة وإشاعتها داخل مؤسّسات الدولة ومرافقها، وبالتالي الحدّ من تغَوّل الفساد.
تطرح معضلة التنمية نفسها بقوة على السلطة والنخب والمجتمع في المغرب، فسياسة المشاريع الكبرى، على أهميتها الاقتصادية، لا يبدو أنها تُسعِف في حلّ هذه المعضلة والحدّ من تداعياتها في المدى البعيد، ما لم يتم النهوض بالرأسمال البشري وجعله أداةً لتحقيق العدالة الاجتماعية، فلا تنمية ولا تقدُّم بدون رأسمال بشري، فالاستثمارُ فيه يظلُّ المحرّكَ الرئيس لأيّ تنميةٍ منشودة.