بوّابة خليجي 25
يرى مراقبون الحضور الخليجي الشعبي والرسمي في استضافة البصرة خليجي 25 لكرة القدم حدثاً استثنائياً وغير مسبوق منذ عقود طويلة، ويمثل بوابة لانفتاح كامل بين العراق وجيرانه الخليجيين. ولكن هناك من يرى أن شروط تطبيع العلاقات الرسمية والشعبية ما زالت غير متحقّقة بشكلها الأمثل، إلا على مستوى النيات، وقد انعكس هذا في التغطيات الإعلامية التي صاحبت مباريات خليجي 25 ونشاط مواقع التواصل الاجتماعي التي احتفت بالضيوف العرب في البصرة، أو المواقف ومقاطع الفيديو التي ينشرها الزائرون والإعلاميون العرب، ويشكرون فيها كرم البصريين، والعراقيين عموماً.
كان من الواضح، حتى قبل أسابيع من افتتاح مباريات خليجي 25، أن هناك انقساماً داخل ائتلاف إدارة الدولة بين جناحين على الأقل، يتجاذبان توجيه الدفّة في حكومة محمد شياع السوداني المنبثقة من هذا الائتلاف أصلاً. وخشي كثيرون أن جانباً من هذه التجاذبات سينعكس مزايداتٍ في الشارع، وهناك من جزم، استناداً إلى المناخ الذي تهيمن عليه تيارات الإسلام السياسي المقرّبة من إيران، أن هناك نية لتخريب مشهد الفعالية الرياضية الخليجية التي تحتفي بها البصرة، وإنْ على شكل شعاراتٍ ولائيةٍ إيرانية المضمون، أو لافتات فيها استهداف لدول الخليج العربي، أو رفع صور في مدرّجات الملاعب لقادة مليشيات مثلاً. لكن الملفت أن أياً من ذلك لم يحدُث، وها هي الدورة الكروية تشارف على الانتهاء من دون أي مشكلاتٍ، ولا حتى أي رائحةٍ لأنفاس ولائية صريحة، وكأن الجميع قد اتفقوا على إنجاح هذه الفعالية الرياضية، وجعلها مكسباً وطنياً وشعبياً من دون أي خدش لصراعات الأحزاب والأيديولوجيات.
بشكل عام، تجد حكومة السوداني نفسها ملزمةً بمتابعة السير على خطوات حكومة مصطفى الكاظمي السابقة بتعزيز الانفتاح على الإقليم العربي، واستمرار التعاون مع القوى الدولية الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة التي لها أبلغ التأثير في العراق، وتمثّل مظلة حماية لواردات النفط، وضامناً دولياً تجاه مطالبات الدائنين، والشريك الأكبر في الحرب الدولية على الإرهاب، وفق اتفاقيات أمنية ملزمة.
تراجعت فجأة، بعد أن استيقن الولائيون فوزهم في معركتهم السياسية، تلك النبرة العالية تجاه الأميركان، وها هم، مع تراجع سعر صرف الدينار العراقي بشكلٍ مخيف، يحاولون إيجاد لغةٍ أخرى لوصف علاقة العراق مع أميركا، فأميركا مهمة خصماً افتراضياً ينفع في المزايدات السياسية داخل البلد، ولكن ليس كخصم حقيقي، فالذهاب في طريق الخصومة مع أميركا إلى منتهاه يعني عزلة العراق وانهياره اقتصادياً، وهذا لا ينفع شهية زعماء الفصائل والتيارات السياسية المسلحة لمكاسب المال الحرام الآتية من اللعب على واردات النفط العراقي، ولا ينفع إيران التي ترى العراق الرئة الاقتصادية الأساسية التي تتنفس من خلالها لتخفيف ضغط العقوبات الدولية، فإيران لا تريد العراق أن يغرق معها.
على الضفة المقابلة لإيران من الخليج، يبدو أن الدول الخليجية تحاول إيجاد موطئ قدم في العراق، ومن التقاء رغبات قوى الضفتين في الخليج، يمكن أن يكون العراق نقطة التقاء مصالح، وهو رأي يؤمن به معلقون كثيرون، ومنهم سعد سلوم الذي دوّن على صفحته في "فيسبوك": "العراق المستقرّ في مصلحة الجميع".. وأنه يمكن أن "يصبح نقطة تقاطعات مصالح بين قوى الإقليم المجاورة".
وحتى يتمكّن العراق من أن يكون أرضاً لتنسيق تقاطعات مصالح دول المنطقة، والاستفادة من الجميع وإفادة الجميع من دون تهديد أو صراع، يحتاج إلى وعي سياسي براغماتي متقدّم، يعلو على الانقسامات الطائفية والعرقية والإيديولوجية، ويحتاج بنية مؤسسات رصينة، فيها حدّ أدنى من الفساد والانفلات الأمني والقانوني، وتعدّد القوى على الأرض المنافسة لقوّة الدولة والمتقاسمة معها، وهي قوىً تشمل المليشيات وبعض العشائر والمكاتب الاقتصادية للأحزاب، وحتى عصابات الجريمة المنظّمة التي تتغطّى بالمؤسسات الحكومية والأمنية منها.
هناك أطراف داخلية، من داخل الائتلاف الحكومي، وخارجية، أبرزها أميركا، تسعى إلى دفع السوداني إلى خطوات جريئة أكبر في سبيل تعزيز المطالب أعلاه، ويبدو أنه سيجد نفسه في الموقف الذي كان فيه الكاظمي، أمام استحقاقات بناء سلطة مؤسّسات الدولة وتعزيزها، خصوصاً أن شهر العسل الولائي قد شارف على الانتهاء على ما يبدو، مع عودة صلاة الجمعة الصدرية، التي تُؤذن بعودة نشاط الصدريين، وهو أمرٌ سيزيد من الضغط على السوداني، الذي ينعم نسبياً هذه الأيام بهتافات المشجّعين في مدرّجات الملاعب في البصرة، وارتفاع منسوب حالة الحبور الوطني، ولكن قريباً ستنتهي السكرة وتأتي الفكرة.