سيناريوهات ما بعد الحرب
الحرب الإسرائيلية على غزّة شكل عنيف من أشكال السياسة، كغيرها من الحروب. وأعلنت إسرائيل أن من بين أهدافها القضاء على قوة حركة حماس العسكرية وسلطتها المدنية، وإقامة نظام "مدني"، في ظل سيطرة عسكرية على قطاع غزّة، على غرار سيطرتها على الضفة الغربية، إلا أن تقديرات مراكز أبحاث إسرائيلية وأوساط سياسية دولية تفيد بأنه لا توجد استراتيجية واضحة لتل أبيب بشأن مستقبل قطاع غزّة لما بعد الحرب.
وتجري نقاشات في مراكز أبحاث إسرائيلية ودولية، وفي أوساط سياسية غربية وعربية، بشأن طبيعة النظام السياسي في القطاع في اليوم التالي لانتهاء الحرب فيه، تتناول عدة سيناريوهات لشكل هذا النظام، على افتراض أن إسرائيل ستتمكن من تدمير القوّة العسكرية لحماس وسلطتها المدنية هناك.
السيناريو الأول: أن تسيطر إسرائيل عسكريا كقوة احتلال على قطاع غزّة، إلا أن خطوة كهذه يمكن أن تطلق مقاومة مسلّحة جديدة. وبالإضافة إلى ذلك، تترتّب على قوة الاحتلال التزامات تجاه السكان الخاضعين لها، وفق القانون الدولي، وهذا ما يتجاوز إمكانيات إسرائيل الماليه، بعد الضربة الاقتصادية التي تلقتها في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والكلفة الباهظة لحربها على القطاع، كما أن إسرائيل، وفقا لهذا السيناريو، ستتولى إدارة أضخم معسكر اعتقال في التاريخ.
سيُنظر إلى السلطة الفلسطيينية إذا عادت إلى حكم غزّة على أنها منتفعة من الحرب على حساب أرواح أكثر من 15 ألف شهيد
السيناريو الثاني: عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزّة. تتمثل نقطة ضعف هذا السيناريو في ضعف السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عبّاس، وتدني شعبيّتها بين الفلسطينيين إلى مستويات غير مسبوقة، بسبب الفساد وضعف الأداء، يضاف إلى ذلك افتقار السلطة الفلسطينية الشرعية الديمقراطية، لتعطّل الانتخابات الرئاسية والتشريعية منذ نحو 17 عاما. وبالإضافة إلى ذلك، سيُنظر إلى السلطة الفلسطيينية إذا عادت إلى حكم غزّة (على افتراض انتصار إسرائيل) على أنها منتفعة من الحرب على حساب أرواح أكثر من 15 ألف شهيد، وتدمير أكثر من 80% تدميرا كليا أو جزئيا، للمنازل وللمؤسّسات الصحية والتجارية والبنية التحتية في القطاع، بالإضافة إلى نزوح وتشرد مئات آلاف الأشخاص.
يمكن تطبيق هذا السيناريو إذا انتظمت انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزّة والقدس لاختيار قيادة جديدة، إلا أن ما يقلّل فرص نجاح سيناريو كهذا تعطيل إسرائيل الوحدة الجغرافية والسياسية للأراضي الفلسطينية، ما يستدعي ضغطا من الدول الفاعلة في المجتمع الدولي دوليا، لحملها على الموافقة على الانتخابات..
السيناريو الثالث: إدارة مدنية محلية. تطرحه بعض مؤسّسات الأبحاث الاستراتيجية الإسرائيلية، ويقضي بتشكيل إدارة مدنية فلسطينية، من ممثلين لسكان غزّة من رؤساء البلديات ورموز من المجتمع المدني، مع وجود علاقة لهذه الإدارة مع السلطة الفلسطينية، إلا أن هذا السيناريو سيواجَه بمقاومة من الفلسطينيين، كمقاومتهم روابط القرى التي شكلها رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية مناحيم ملسون في نهاية عقد السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي.
سيناريو تشكيل حكومة أو كيان برئاسة شخصية فتحاوية معارضة للرئيس محمود عبّاس، سترفضه إسرائيل والولايات المتحدة
السيناريو الرابع: إدارة عربية. يعتقد أصحابه أن من شأن تشكيل إدارة مشتركة من عدّة دول عربية (أو من جامعة الدول العربية)، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع مرحليا، إضعاف جماعة الإخوان المسلمين، على اعتبار أن "حماس" ولدت من رحم الجماعة، وتعدّ من أجنحتها. إلا أنه، على ضوء الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزّة بفعل القصف الإسرائيلي العشوائي والدمار الذي لحق بالبنية التحتية فيه، من المستبعد أن تخاطر الدول العربية للعب هذا الدور، لاحتمال فشله ولاحتمال إثارة نقمة الشعوب العربية التي خرجت إلى الشوارع نصرة لغزّة، وقد ترى في هذا الخيار تآمرا على الفلسطينيين..
السيناريو الخامس: نظام سياسي بدعم من "حماس". يفترض هذا السيناريو أن الحركة ستعمل على قطع الطريق على أي مبادرة سياسية ليست هي طرفا فيها. وبالفعل، أبلغت المصريين بأنها مستعدة لنقاش مستقبل الوضع في قطاع غزّة بعد انتهاء الحرب مع أي طرف فلسطيني أو عربي من دون شروط. وبموازاة ذلك، تبحث "حماس" عن شريك من المنشقّين عن حركة فتح، وقد وجدته متمثلا بناصر القدوة، المُقصى من عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، وسمير المشهراوي، نائب رئيس التيار الإصلاحي للحركة، اللذين إجتمع بهما رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، في 22 من الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني) في القاهرة. وجاء في بيان صدر عن الاجتماع: "إنه بحث في الوضع الفلسطيني الداخلي وسبل التعامل مع المتغيرات المصاحبة للحرب العدوانية على شعبنا، وترتيب البيت الفلسطيني على أسس واضحة، وذلك لإفشال مخطّطات الاحتلال وأهدافه، على كل المستويات الميدانية والسياسية ...". إلا أن سيناريو تشكيل حكومة أو كيان برئاسة شخصية فتحاوية معارضة للرئيس محمود عبّاس، مع وجود شخصيات من "حماس" فيها، سترفضه إسرائيل والولايات المتحدة. وعندها هل ستكتفي "حماس" بأن تكون كمن يجلس في المقعد الخلفي للسيارة ويشير للسائق إلى أين يتجه؟