فرصة جديدة للسلام في إثيوبيا
توافق طرفا النزاع في إثيوبيا، يوم الأربعاء، على وقف الأعمال العدائية، بعدما كانت الهدنة الأولى قد انهارت في أواخر أغسطس/ آب الماضي، ولم تدم سوى خمسة أشهر. سيكون التحدّي الأبرز صمود الاتفاق والبناء عليه للانتقال منه إلى مرحلة إرساء السلام. تصريحات الأطراف المعنية تحديداً والبيان المشترك الصادر عن الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، تعطي، في مجملها، أفكاراً أولية عن مضمون الاتفاق الذي لم ينشر كاملاً حتى أمس. ركّز البيان على إسكات المدافع بشكل دائم، ووضع حد لعامين من النزاع في شمال إثيوبيا. لكن حديث كبير مفاوضي تيغراي غيتاتشو رضا ذهب أبعد من ذلك، بإشارته إلى أنه جرى تقديم "تنازلاتٍ مؤلمة". ما لم يفصّله رضا، تولى الإفصاح عنه وسيط الاتحاد الأفريقي الخاص، الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، بإعلانه أن البنود تشمل وقف الأعمال العدائية ونزع الأسلحة بشكل منهجي ومنظّم وسلس ومنسّق، إلى جانب إعادة الخدمات والوصول من دون عوائق إلى المواد الإنسانية، وحماية المدنيين.
لم يكن من الممكن التوصّل إلى اتفاق وقف القتال، لولا توفر عدة عوامل، أولها تبدّل موازين القوى مع تقدّم القوات الإثيوبية في الإقليم، مستعينةً كما في كل مرّة بالقوات الإريترية، على عكس الوضع الذي كان قائماً في أغسطس/ آب الماضي، عندما اقتربت قوات تيغراي من العاصمة أديس أبابا. كما لم يكن باستطاعة الأطراف الوصول إلى هذه اللحظة لولا الضغوط الدبلوماسية المكثفة خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً من الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة. وإذا كان الاتفاق قُدّم على أنه "حل أفريقي لمشكلة أفريقية"، إلا أنه لا يمكن إغفال أن واشنطن قادت محادثات سرّية تمهيدية مع طرفي النزاع. وإن بدت أنها فشلت في مهمتها، كما ذكر تقرير لنيويورك تايمز في الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول الماضي)، إلا أن ثمار ضغوط هذه المحادثات، لو جزئياً، تترجم حالياً، فالانتهاكات بلغت حداً يلامس الإبادة الجماعية مع كل ما تتضمّنه من لائحة فظائع، تشمل التطهير العرقي والاغتصاب والاعدامات الميدانية. وبالتالي، لم يعد استمرارها مقبولاً، خصوصاً أنه كلما طال أمد المعارك، زادت المجازر والأوضاع الإنسانية تردّياً. من بين مواقف كثيرة صدرت تعليقاً على اتفاق وقف الأعمال العدائية، يحمل حديث أوباسانجو خلاصة كل ما جرى، عندما قال إن "هذه اللحظة ليست نهاية عملية السلام إنما بدايتها".
سيكون الاختبار الأول أمام الاتفاق مدى القدرة على وقف المعارك التي كانت مستمرّة حتى أول من أمس في تيغراي. وستكون المسؤولية أكبر على عاتق الحكومة لتسويق الاتفاق داخلياً، نظراً إلى طبيعة المليشيات التي تقاتل إلى جانبها، والتي ترى في نفسها أنها أقصيت عن محادثات السلام. كما سيكون من المهم ترقّب موقف أسمرة من هذا الاتفاق، لأنها تمتلك القدرة على ضمان نجاحه وإفشاله على حد سواء. والاختبار الثاني في سماح السلطات بالدخول الفوري للمساعدات الإنسانية إلى الإقليم، نظراً إلى خطورة الوضع الإنساني الذي تفاقم في الأشهر الأخيرة، بعدما استخدم التجويع سلاحا في هذه الحرب. الاختبار الثالث والأهم يتعلق بتطبيق باقي بنود الاتفاق، تحديداً ما يتعلق بـ"التنازلات المؤلمة" التي تحدّث عنها كبير مفاوضي تيغراي، ويمكن الاستنتاج أنها مرتبطة بنزع سلاح الجبهة ودخول القوات الإثيوبية إلى الإقليم والسيطرة عليه تحت بند "إرساء النظام والقانون". سيكون تحقيق ذلك كله رهناً بالقدرة على إرساء الثقة بأن نزع السلاح لن يقود إلى مرحلة جديدة من الاضطهاد والتنكيل، وإلا فإن العودة إلى الاقتتال تصبح واردة.