فشل المبعوثين الأمميين
مرّ خبر استقالة رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا عبد الله باتيلي من منصبه مرور الكرام، من دون أي أثر يذكر، إذ إنه مشهد مكرّر في هذا البلد الذي يستعصي فهم خريطة المصالح والعداوات بين أطيافه على كثيرين. منذ سنوات، لا يكترث الليبيون للمبعوثين الذين تعاقبوا على محاولة إدارة هذا الملف. يدركون، بحكم خبرتهم وما مرّ عليهم من أزمات سياسية واحتراب عسكري وويلات، أنه لا ينبغي التعويل على اختراقات جدّية يمكن أن يحقّقها هؤلاء، وأن استقالتهم مسألة وقت لا أكثر، ومرتبطة بمدى صبرهم قبل استسلامهم. والقناعة السائدة أن الفشل لا ينبُع من عدم رغبة الأمم المتحدة في الحل أو بسبب أن افتقار مبعوثيها، على تنوّعهم، إلى الخبرة في تسيير الأزمات والتواصل مع الأطراف المنخرطة فيها، بل إن الفشل يرتبط بشكل وثيق بالصراعات الدولية والإقليمية وتأثيراتها على هذا الملفّ. وما العرقلة التي تمارسها الأطراف المحلية في أغلب الأحيان إلا الانعكاس الحتمي لهذا الوضع، ومتى ما اختلفت الظروف ونضج وقت الصفقات، فإن أصعب العقبات يمكن أن يذلل في ساعات.
وإذا كان المشهد في ليبيا تحوّل إلى ممل لكثرة ما تكرر فإن الوضع في بلد عربي آخر لا يبدو مختلفاً. يدور المبعوث الأممي لليمن، هانس غروندبرغ، منذ منتصف عام 2021، تاريخ تعيينه، في الدوامة نفسها من العقبات التي تحول دون التوصّل إلى اتفاق على وقف للنار رغم سريان هدنة غير معلنة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إذ كانت بدأت بشكل رسمي في 2 إبريل/ نيسان 2022، ومدّدت قبل أن يتعذّر تجديدها لكنها استمرّت كحكم أمر واقع من دون أن يمنع ذلك خروقات تترجم بمعارك بين حين وآخر بين القوات الحكومية والحوثيين في عدة جبهات.
لم يحدث الاختراق بفعل جهود غروندبرغ. عملياً لم يكن ذلك ممكناً لولا المفاوضات بين السعودية الحوثيين والتي كانت وصلت إلى مراحل متقدّمة، قبل أن تفضي التطوّرات عقب عملية طوفان الأقصى وبدء الحوثيين تنفيذ هجمات بحرية تستهدف سفناً تابعة لإسرائيل أو متّجهة إليها في تجميد أي تحرّكات في هذا الملف. وإذا كان غروندبرغ يملك من الحظ ما يكفي لأن فترة تعيينه وما تلاها ترافقت مع بوادر تغييرات في المشهدين السياسي والعسكري اليمنيين، ما أتاح له أداء دور ميسّر، تحتاجه مختلف الأطراف، إلا أن الحظ لم يكن حليف من سبقوه، سواء مارتن غريفيث أو إسماعيل ولد الشيخ أحمد أو جمال بن عمر. ومع ذلك، يمكن ملاحظة أن عدد المبعوثين إلى اليمن هو نصف عدد المبعوثين لليبيا التي مرّ عليها ثمانية مبعوثين بانتظار التاسع بعد باتيلي. ويمكن إرجاع السبب إلى اختلاف طبيعة الأزمتين وحدود التدخلات فيهما.
ويمكن التعريج أيضاً على بلد عربي ثالث هو السودان، يحاول المبعوثون الأمميون فيه أداء أدوار لكنهم يصطدمون بعراقيل عدة. وإذا كان التوتر بين بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) والسلطات السودانية قاد إلى إنهاء المهمّة رسمياً أواخر فبراير/ شباط 2024 بعدما سبقتها استقالة رئيسها فولكر بيترس، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لا يزال يعوّل على دور يمكن أن يؤديه مبعوثه الشخصي رمطان لعمامرة وإن كانت الأجواء لا توحي بذلك مع دخول الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع عامها الثاني من دون أي أفق للحل رغم الحراكين، الأميركي والسعودي، لإعادة طرفي الاقتتال إلى طاولة المفاوضات.
خلاصة تجربة المبعوثين الأمميين في اليمن وليبيا والسودان ليست استثناء، فالتمعّن في مهمّات أخرى لمبعوثين أمميين في أزمات أخرى في العالم بعيداً عن الدول العربية، لا يقود إلى نتائج مختلفة، إلا في حالاتٍ نادرة. لكن مقاربة الأمم المتحدة تجاه النزاعات تبدو قائمة على ضرورة عدم إعلان الاستسلام رغم المعرفة المسبقة بصعوبة الإنجازات على قاعدة أن القليل من تزييف الأمل يبقى أفضل بكثير من إعلان صريح بالعجز.