قاتل غير قلق
حصلت في العراق، الأسبوع الماضي، حادثتا قتل؛ الأولى قُتل فيها طبيب عراقي مشهور في النجف، اسمه فيصل الحويزي. أُلقي القبض على الجاني خلال 24 ساعة، وكانت الجريمة بدافع السرقة. ورغم تداول أخبار الجريمة في مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنّها لم تأخذ الحيّز والمساحة اللتين حازتهما جريمة القتل الثانية لسيّدة مشهورة على موقع تيك توك، تُلقّب "أمّ فهد"، ولم تكشف التحقيقات بعد هويّة قاتلها، ويسود ما يشبه اليقين أنّ هويته لن تُكشف.
لم يلتفت كثيرون من المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي إلى الجريمة في ذاتها، التي توفّر لها تسجيل كاميرا مراقبة، أظهر تصرّف الجاني باحترافيّة عالية، بهدوء واسترخاء، حتّى أنّه قضى بعض الوقت يجمع أغلفة طلقاته النارية الفارغة من على الأرض، ثم غادر على درّاجته النارية من دون قلق أو تأثّر. لم ينشغل هؤلاء بالرعب الذي يُمثّله هذا القاتل الطليق، الذي لم يبدُ يخشى الملاحقة القانونية، وأنّ مصيراً مشابهاً لمصير أمّ فهد قد يطاول آخرين يقرّر القاتل أو من يموّله وضعهم على لائحة الاغتيال، بغضّ النظر عن منطقية أو "عدالة" السبب الداعي إلى القتل. انتصبت أكثر التعليقات تحاكم أمّ فهد، وانتهت إلى أنّها تستحقّ ما جرى لها. وكأنّ القاتل المُحترف الذي أجهز عليها كان يطبّق العدالة أو كأنّه يد العدالة الإلهية، فنفّذ جريمته استجابةً لدعوات من يكرهون أمّ فهد.
لم تكن هذه الاستجابة مفاجئة، لأنّها تكرّرت في أكثر من موقف على مدى 20 سنة ماضية، والدوافع وراء هذا الموقف غير العقلاني عديدة، بعضها يتعلّق بالانحيازات الاجتماعية المُسبقة، ولبعضها سبب نفسي، يحتاج فحصاً وعلاجاً. في الدائرة الواسعة للموضوع، هناك تفاصيل كثيرة تستحقّ الفحص والتحليل في قصّة أمّ فهد، هذه الفتاة المغمورة التي ارتقت بسرعة كي تدخل عوالم التأثير الاجتماعي، فيكون لها مئات ألوف المتابعين، لتدخل، من ثمّ، في كواليس السلطة وأحزابها وتُجّارها ومُسلّحيها، لا لمواهب خاصّة وإنّما لمفاتنها الجسدية فحسب. وعلى الأغلب، فإنّ لمقتلها علاقة بهذه الكواليس. ولأنّ لهذه الكواليس تأثيراً كبيراً في القرار الأمني والسياسي في البلد، فمن المرجّح ألا يُكشف قاتلها وتُقيّد الجريمةُ ضدّ مجهول، مثلما حدث في حوادث اغتيالٍ عديدة لدوافع مشابهة لمقتل أمّ فهد أو لأسباب سياسية أو لقضايا التعبير عن الرأي، كما حدث مع متظاهرين عديدين أو مع الشخصيات النافذة، التي كانت تساند المظاهرات مثل هشام الهاشمي، الذي أُطلق سراحُ قاتله، وطويت القضية كلّها.
قصّة مقتل أمّ فهد، التي لاحقتها كاميرات الهواتف النقّالة حتّى المشرحة تصوّر جسدها العاري، ومقاطع السخرية والتشفّي التي انتشرت حتّى مع شاهدة قبرها، تكشف جوانب الساديّة لدى قطاع من المجتمع العراقي، والاندفاع نحو التشفّي بالضحية لأنّها ليست "مِنّْا" وإنّما من "فئة" أخرى، كما أنّها تكشف شيئاً متعلّقاً بسيكولوجيا مواقع التواصل، حيث غالبية الحسابات بأسماء وهمية تتيح لأصحابها كشف الجانب العدواني والغريزي من شخصياتهم، من دون خشية من محاسبة أو تبعات على أرض الواقع. واستحضر مقتل أمّ فهد معه الصورة الأكبر؛ تزايد حوادث القتل بدوافعها المختلفة، وسجّلت الأشهر الأولى من العام الجاري زيادة في معدّل هذه الجرائم، قياساً على الأشهر المتأخرة من السنة الماضية، رغم إعلان وزارة الداخلية العراقية أنّها تُحقّق إنجازاتٍ في مستوى خفض الجرائم وفرض القانون. لكنّ الوقائع على الأرض تنفي هذه الإنجازات.
تمثّل هذه الصورة من فقدان السيطرة إحراجاً لمساعي حكومة محمد شيّاع السوداني في دفع البلاد نحو التنمية، والإنجاز في البنى التحتيّة، وتعزيز السلم الأهلي الضروري لدفع المشاريع التي تُخطّط لها الحكومة قُدُماً.