12 يوليو 2024
لبنان: فتنة غبّ الطلب
تبدو الفتنة في لبنان من نوعية استثنائية. هي دائماً غبّ الطلب. استفزاز طائفي من هنا، اشتباك مذهبي - ولو لفظياً - من هناك، إساءة إلى زعيم سياسي/ ديني، جميعها تتحوّل إلى كلمات مفتاحية لإيقاظ الفتنة، فتتنقل بسلاسة بين الأحياء والمناطق المقسّمة مذهبياً وطائفياً في مشهدٍ تكرّر عشرات لا بل مئات المرّات، منذ النهاية المفترضة للحرب الأهلية اللبنانية. تحضّر الفتنة الملعونة في أرقى مطابخ القوى السياسية، وتُلقى في أوجه المواطنين كلما استفحلت أزمات السياسيين فيما بينهم. وهؤلاء أكثر من يجيد التنصّل من مسؤولياتهم ورميها على الآخر، سواء كان طرفاً محلياً أو خارجياً.
خلال اليومين الماضيين، كان لافتاً أن نغمة وجود أطراف محلية تتعاون مع أخرى خارجية لإحداث الفتنة طغت على ما عداها في أحاديث قوى السلطة. وطاولت المحتجين والناشطين والمدونين. حتى إن بيان الجلسة الحكومية ليوم الأربعاء الماضي لم يخلُ من لهجة الاتهام نفسها، لكنها طبعاً لم تلامس السياسيين، ولا المجموعات التي تتبعهم، والتي تتحرّك بأوامرهم ووثّقت الكاميرات شتائمها المذهبية، وتنقلاتها بين المناطق ذات خطوط التماس الطائفية وإشعالها. فهؤلاء لا يمتون إلى الفتنة بصلة من وجهة نظر من يديرهم.
ليس اكتشافاً القول إن لبنان تحكمه اليوم طبقة تشمل أمراء حرب انتقلوا من خنادق القتال إلى مناصب خصّصت لهم في الدولة، ومجموعة أخرى أُقصيت في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، وفي فترة الوجود السوري، ثم عادت لتشارك في الحكم. وجميع هؤلاء متفقون على عدة أمور، مهما كبرت أو صغرت خلافاتهم على تقاسم المناصب، وعلى بعض العناوين السياسية. أولى نقاط تلاقيهم تتمثل بنهب الدولة، من أصغر مؤسسة فيها إلى أكبر مؤسسة مدرّة للأموال. ولديهم الاستعداد التام لحرق البلد من أجل الحفاظ على حصصهم بالتعيينات وتمريرها، حتى لو تطلبت تقديم موعد جلسة وزارية لضمان تمرير ترشيح أحدهم وفقاً لـ"القانون" الذي يحرصون عليه شكلياً. ثانية محطّات توافقهم وأخطرها تتمثل بالقضاء على أي تحرّك أو فعل سياسي من خارج دائرتهم. ولهذا السبب، كانت انتفاضة 17 أكتوبر مربكةً لهم، تحديداً في أيامها الأولى. قلّما شهد لبنان، منذ مرحلة تسعينيات القرن الماضي، حراكاً شعبياً احتجاجياً عابراً للطوائف والانقسامات، وحضرت فيه المطالب الاجتماعية والاقتصادية أولاً، لا مطالب الزعيم ورغباته ومخططاته. لكنهم سرعان ما اجتمعوا وأشهروا في وجهها سلاحهم المفضل، وإلصاق تهمة العمالة بها. ولا داعي للتفكير كثيراً في من استحضر أعداء الانتفاضة. إسرائيل والولايات المتحدة، الكلمتان السحريتان لشيطنة أي تحرّك في البلاد. نجحت هذه التهمة في سحب فئات شاركت في الانتفاضة، ونقلت بعضهم من خانة المقتنع بها إلى المُهاجم لها سياسياً وفعلياً، من خلال الغزوات المنظمة التي استهدفت تجمّعات المحتجين في بيروت وخارجها، عندما تكفل كل زعيم سياسي بـ"منطقته".
واللافت أن نغمة العمالة استُعيدت، على نحو مباشر وسريع، مع عودة التحرّكات إلى الشارع في الأيام الأخيرة، ما يعني أن الطبقة السياسية تستشعر الخطر عليها. يغلي اللبنانيون وهم يراقبون الانهيار الاقتصادي، وعجزهم حتى عن التكيف معهم، مع تسجيل سعر الليرة انخفاضاً دائماً أمام الدولار، وبلوغها أرقاماً قياسية. يدرك الجميع أن الآتي أسوأ. لن يكون لبنان مطلقاً بعيداً عن تداعيات قانون قيصر لمعاقبة النظام السوري، ولا سيما أنه يشمل حلفاءه أينما كانوا، بما في ذلك لبنان. كما أن خطة الجمهوريين في الكونغرس الأميركي لفرض عقوباتٍ على إيران ستطاول، إذا ما مرّرت بصيغتها الحالية، لبنان حكماً. وهذه المرّة لن يقتصر الأمر على حزب الله، بل سيكون حلفاؤه في مقدمة المستهدفين، ما يزيد شعور الحزب، ومن معه، بالخطر، وما يرجّح أن ردات فعلهم على أي تحرّك في الشارع في الأيام المقبلة ستكون أكثر تفلتاً بعد بروفا إيقاظ الفتنة التي أجروها أخيراً.
ليس اكتشافاً القول إن لبنان تحكمه اليوم طبقة تشمل أمراء حرب انتقلوا من خنادق القتال إلى مناصب خصّصت لهم في الدولة، ومجموعة أخرى أُقصيت في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، وفي فترة الوجود السوري، ثم عادت لتشارك في الحكم. وجميع هؤلاء متفقون على عدة أمور، مهما كبرت أو صغرت خلافاتهم على تقاسم المناصب، وعلى بعض العناوين السياسية. أولى نقاط تلاقيهم تتمثل بنهب الدولة، من أصغر مؤسسة فيها إلى أكبر مؤسسة مدرّة للأموال. ولديهم الاستعداد التام لحرق البلد من أجل الحفاظ على حصصهم بالتعيينات وتمريرها، حتى لو تطلبت تقديم موعد جلسة وزارية لضمان تمرير ترشيح أحدهم وفقاً لـ"القانون" الذي يحرصون عليه شكلياً. ثانية محطّات توافقهم وأخطرها تتمثل بالقضاء على أي تحرّك أو فعل سياسي من خارج دائرتهم. ولهذا السبب، كانت انتفاضة 17 أكتوبر مربكةً لهم، تحديداً في أيامها الأولى. قلّما شهد لبنان، منذ مرحلة تسعينيات القرن الماضي، حراكاً شعبياً احتجاجياً عابراً للطوائف والانقسامات، وحضرت فيه المطالب الاجتماعية والاقتصادية أولاً، لا مطالب الزعيم ورغباته ومخططاته. لكنهم سرعان ما اجتمعوا وأشهروا في وجهها سلاحهم المفضل، وإلصاق تهمة العمالة بها. ولا داعي للتفكير كثيراً في من استحضر أعداء الانتفاضة. إسرائيل والولايات المتحدة، الكلمتان السحريتان لشيطنة أي تحرّك في البلاد. نجحت هذه التهمة في سحب فئات شاركت في الانتفاضة، ونقلت بعضهم من خانة المقتنع بها إلى المُهاجم لها سياسياً وفعلياً، من خلال الغزوات المنظمة التي استهدفت تجمّعات المحتجين في بيروت وخارجها، عندما تكفل كل زعيم سياسي بـ"منطقته".
واللافت أن نغمة العمالة استُعيدت، على نحو مباشر وسريع، مع عودة التحرّكات إلى الشارع في الأيام الأخيرة، ما يعني أن الطبقة السياسية تستشعر الخطر عليها. يغلي اللبنانيون وهم يراقبون الانهيار الاقتصادي، وعجزهم حتى عن التكيف معهم، مع تسجيل سعر الليرة انخفاضاً دائماً أمام الدولار، وبلوغها أرقاماً قياسية. يدرك الجميع أن الآتي أسوأ. لن يكون لبنان مطلقاً بعيداً عن تداعيات قانون قيصر لمعاقبة النظام السوري، ولا سيما أنه يشمل حلفاءه أينما كانوا، بما في ذلك لبنان. كما أن خطة الجمهوريين في الكونغرس الأميركي لفرض عقوباتٍ على إيران ستطاول، إذا ما مرّرت بصيغتها الحالية، لبنان حكماً. وهذه المرّة لن يقتصر الأمر على حزب الله، بل سيكون حلفاؤه في مقدمة المستهدفين، ما يزيد شعور الحزب، ومن معه، بالخطر، وما يرجّح أن ردات فعلهم على أي تحرّك في الشارع في الأيام المقبلة ستكون أكثر تفلتاً بعد بروفا إيقاظ الفتنة التي أجروها أخيراً.