ماري أنطوانيت أردنيّاً
يُحمد لوزارة المالية الأردنية استعانتها بخبرات المستشارة الاقتصادية، ماري أنطوانيت، المتخصّصة في شؤون الجوع، سيما اقتراحها أن يتناول الشعب الفرنسي البسكويت، بديلًا من الخبز الذي لم يكن يقوى على تأمينه جرّاء فقره المدقع.
ولئن كان اقتراح أنطوانيت قد أخفق في القرن السابع عشر؛ لكونه جاء متأخرًا بعض الشيء إثر اندلاع مقدّمات الثورة الفرنسية في القرن السابع عشر، من جهة، ولأن البسكويت نفسه لم يكن متوفرًا آنذاك بأسعار في متناول الشعب الهائج، فإن الاقتراح نفسه لقي ترحيبًا من مسؤولي المال والضرائب في الأردن، لكن مع تعديل طفيف، قوامه خفض الضريبة على البسكويت بمقدار 5%. وبهذا سيكون الشعب الأردني قادرًا على ابتياعه وتناوله، وستسقط حينها سائر حججه وأعذاره المتعلقة بغلاء الأسعار، وضيق ذات الحال.
الأمر ليس طرفة، وإنْ كان يفوق الطرفة، فالقرار اتخذ قبل أيام، بخفض الضرائب على فئات من السلع الكمالية، بغية "تحريك الأسواق" الجامدة منذ أعوام، وإنعاش الاقتصاد، من دون أن تنسى الحكومة، بالطبع، قرن هذه القرارات بكثير من أدوات الطرب الإعلامي، لإظهار حرصها على دعم المواطن المكبّل بالضرائب والفواتير والقروض، وسوء التخطيط، والمحاصر بتداعيات الجائحة التي رفعت نسب الفقر والبطالة إلى أرقام فادحة الخطورة.
لا أحد يعلم كيف يُدار الاقتصاد في الأردن، وعلى أي نظريةٍ يسير، باستثناء نظرية "التخبّط" التي يبدو أنها مبرمجة ومخطط لها لتكون كذلك، فالأردن يكاد يكون البلد الوحيد الذي يعالج الأزمة بالأزمة، فإن ارتفع منسوب الفقر مثلًا، سرعان ما يستحدث "الكينزيّون" الجدد ضريبة جديدة تزيد الأوضاع سوءًا، على غرار ضريبة المبيعات التي جاء توقيتها في ذروة الأزمة التي تلت تعويم الدينار، فعمّقت أزمة الغلاء المستفحل أصلًا. وقبل أقل من بضع سنوات، في عهد حكومة هاني الملقي، فرضت ضرائب خيالية على معظم السلع وأدوات الإنتاج المستوردة، في وقتٍ كان فيه المواطن يختنق حرفيًّا. وعندما وقّع الأردن معاهدة وادي عربة مع إسرائيل، كان أحد الوعود التي تذرّع بها الموقعون قطف ثمار السلام، وإغداق البلد بالاستثمارات والأموال، بما يشبه أيام الطفرة النفطية، ثم اكتشف المواطن لاحقًا أن وضعه المعيشي قبل "السلام" كان أفضل بكثير بعده، وأن المستفيد الوحيد كان الطرف الإسرائيلي الذي وجد سوقًا جديدة لتصريف بضائعه المكدّسة، وأن ميزان الصادرات كان يميل لصالح "أبناء العمومة"، بحكم التطوّر التكنولوجي الذي أفلحت فيه إسرائيل وأخفق فيه العرب.
ثم جاءت الخصخصة عنوانًا اقتصاديًّا جديدًا نادى به أصحاب القرار في الأردن، انسجامًا مع متطلبات العولمة واتفاقيات التجارة الدولية، من دون معرفة حقيقية بالطرق والوسائل الكفيلة بتجنيب البلد أن يكون يتيمًا على موائد اللئام، فكانت الحصيلة كارثة اقتصادية كبرى، هزّت أركان الدولة، وجعلت من مراجعة هذا النهج ضرورةً ملحّة، وهو ما حدث فعلًا، لكن على خجل، وبلا ضجيج، في حين لم يكلّف مسؤولٌ واحدٌ عناء الاعتذار للشعب عن هذه الخطيئة الفادحة التي فاقمت المديونية، وعمّقت الفقر والبطالة، وأجهزت على معظم الطبقة الوسطى.
ومن مفارقات الوضع العيشي في الأردن أن العاطل عن العمل ليس الذي لا يعمل فحسب، بل تشمل البطالة كلّ من يعمل بوظيفة واحدة فقط؛ لأن مردودها المالي لا يؤمّن أساسيات المعيشة الرئيسية، وبات المطلوب من الفرد أن يعمل بوظيفتين أو أكثر ليكتفي ذاتيًّا، وهو متطلّب بالغ الصعوبة في بلد تتآكل فيه فرص العمل يوميًّا.
والآن؛ يأتي حلّ "ماري أنطوانيت" بشأن البسكويت حلًّا سحريًّا جديدًا، برأي السادة في وزارة المالية، فبدل أن يسري تخفيض الضرائب على السلع الأساسية، وعلى المشتقات النفطية، التي لا يعرف حتى فيثاغورس نفسه طريقة تسعيرها الشهريّ، تلجأ الحكومة إلى تخفيض الضريبة على سلع هامشية، أجزم أن المواطن شطبها من قائمة حياته أصلًا، كالبسكويت و"الجاتوه" وغيرهما.
عمومًا، هو اقتراح يستحقّ البحث والتمحيص، وقد ينتظر الأردنيون "ثمار" تخفيض ضريبة البسكويت، كما انتظروا "ثمار السلام" سابقًا، لكن على من يستعينون بنظرية "ماري أنطوانيت" الاقتصادية أن يدرسوا أيضًا مصير صاحبة النظرية عقب نجاح الثورة الفرنسية.