هل يشارك أبو الفتوح في الحوار الوطني؟
التقيتُ في فبراير/ شباط 2018 المرشّح الرئاسي المصري السابق عبد المنعم أبو الفتوح، للمرة الأخيرة، في لندن. لا أنسى أبدا مفارقة أنه كان يرفض بشدّة، في ذلك اليوم، وفي لقاءات عدة سابقة شهدتها معه، أي حديث من شباب غاضبين عن مقاطعة التعامل مع الحكومة المصرية.
كان أبو الفتوح دائما ما يشدّد على رؤيته نفسه معارضا من داخل إطار الدولة المصرية، ويفخر أنه يتعاون مع مؤسّساتها طوال عمره. يرى أن بنية مصر الخالية من الانقسام الطائفي أو القبلي تجعل من مؤسّساتها، وفي مقدمتها القوات المسلحة، وطنية بحق، ترى دورها العمل لصالح المصريين، وبالتالي مهما بلغ الخلاف بشأن سياساتها، وجب التعاون معها، لأن المستفيد من أي نجاح هو كل المصريين، وليس السلطة فقط.
حكى أبو الفتوح نماذج عديدة عن تعاونه طوال عهدي أنور السادات وحسني مبارك، رغم سجنه خلالهما، مع وزارات الخارجية والصحة، وأجهزة أمنية مختلفة، في مجالات عديدة مثل الأعمال الخيرية، ومكافحة الإرهاب، واستخدام علاقاته الخارجية كأمين لاتحاد الأطباء العرب. وقال إنه في أشد لحظات القمع سابقا، بقيت دائما قناة اتصال ما بين السياسيين والأجهزة الأمنية لتنسيق أي طارئ، وإن من أسوأ ما حدث في العصر الحالي هو انقطاع قنوات التواصل من جانب السلطة لا المعارضة... وكرّر أبو الفتوح القناعات علنا في ظهوره الإعلامي الأخير مع قناة الجزيرة والتلفزيون العربي، بل قال نصاً إنه لو دعاه الرئيس عبد الفتاح السيسي لأي لقاء معه فسيقبل على الفور.
سألته عن موقفه مما حدث من هجمة شرسة ضد صديق حضر أحد مؤتمرات الشباب التي تنظمها الرئاسة المصرية، فقال، بغضب شديد وصوت مرتفع: من هاجموا المشاركين لا يفهمون شيئاً عن السياسة، فالعبرة بمواقف الإنسان المعلنة، ثم، علينا، نحن المعارضين، أن نبحث عن أي فرصة لتوصيل صوتنا إلى أقرب دائرة للسلطة، وكذلك علينا أن نحاول إيجاد أرضيات مشتركة لتهدئة الصراع... ومن فرط حماسه لذلك الموقف، طلب مني رقم هاتف ذلك الصديق، ففوجئت أنه يتصل به فوريا، ليؤكّد له دعمه التام، وقال إنه لو كان مكانه لفعل مثله، وقال "نحن كأحزاب نتمنّى فرصة كهذه".
لذلك ليس عندي شك في إجابة سؤال، لو كان أبو الفتوح حرّاً اليوم لذهب إلى الحوار الوطني الذي أعلنه الرئيس المصري أخيرا، بل إني لا أشك لحظة في أنه لو أُفرج عنه غداً، فسيلبي تلك الدعوة.
لم يكن اعتقاله فور عودته مفاجئاً على الإطلاق، فوقتها كان قصف إعلامي عنيف قد بدأ يروّج أنه مسافر للقاء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، في رسالة تعمد لإجباره على البقاء في الخارج... سألته عن موقفه من النصائح بألا يعود هذه المرة تحديدا، فلم يفكر لحظة قبل أن يكرّر عبارته: "أفضّل سجنا في مصر على قصر في لندن". قال فصدق.
تعرف الأجهزة الأمنية المصرية قبل غيرها أن عبد المنعم أبو الفتوح، وكذلك رفاقه بالأحكام القاسية في القضية، وهم نجله أحمد ومحمد القصاص نائبه في حزب مصر القوية وعمرو خطاب ومعاذ الشرقاوي وعمرو الحلو، الناشطين السابقين في الانتخابات الطلابية، هم أبعد الناس عن رفع السلاح.
ومن قبيل العبث سرد تاريخ طويل من العداء بين أبو الفتوح وأفراد الجناح الإخواني المحافظ الذي كان يقول عنهم علنا وسرا إنهم "اختطفوا الجماعة"، وإنهم "أدمنوا الكذب في الله"، بل أذاعت السلطات المصرية تسجيلا لأبو الفتوح ضمن مسلسل "الاختيار"، يحذّر فيه من يبدو أنهم قيادات عسكرية أمامه من خطر الإخوان المسلمين، حتى إنه يقول إنه سيمنح صوته للمشير طنطاوي أو أي منهم لو ترشّح في مقابل "الإخوان".
ثمّة تخمينات ونمائم عدة تدور في تفسير موقف السلطة من أبو الفتوح، لكن الأكيد أن إطلاق سراحه ليس فقط هو الموقف الأخلاقي والوطني السليم، بل هو موقف المصلحة السياسية المباشرة للسلطة التي أطلقت الحوار الوطني، أيا كانت الأسباب الدافعة لذلك، وستمثل مشاركة أبو الفتوح، أو إطلاق سراحه على الأقل، رسالة إلى الداخل والخارج بشأن مدى مصداقية ذلك الحوار وجدّية مخرجاته.