واقع الصحافة عربياً
لا جديد عندما تُظهر تقارير رصدية أن دولاً عربية تحتل مراتب متقدّمة في قائمة أسوأ الدول على صعيد حرية الصحافة. ولا جديد أيضاً عندما يتبين أن الصحافة في هذه الدول تشهد تراجعاً في مستواها، وتعاني صعوبات جعلت صحفا ومواقع عديدة تتجه إلى خانة الإفلاس والإقفال. تنقسم معاناة الصحافة في العالم العربي إلى قسمين؛ الأول تُسأل عنه السلطات، فكلما كانت الأنظمة قمعية وديكتاتورية كانت القيود على الصحافة أشد. محاربة الصحافة جزء من سياسات كتم الأصوات وتدجينها. والأمثلة كثيرة، بدءاً من مصر التي تسجل فيها عمليات اعتقال متواصلة للصحافيين، وإلصاق تهم بهم من قبيل "نشر أخبار كاذبة" و"الانضمام إلى جماعة إرهابية"، مروراً بالأردن الذي ابتكر تهمة "إثارة الهلع حول فيروس كوفيد-19"، وهو الذي يشتهر بتهمة "تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية" وربطها بقانون منع الإرهاب، والجزائر التي تُكثر أخيراً من استخدام ذريعة "المساس بالوحدة الوطنية"، و"إضعاف الروح المعنوية للجيش"، تماماً كما في سورية التي تعد من أخطر الأماكن في العالم للعمل الصحافي، ولازمة "وهن نفسية الأمة" الخالدة فيها، وصولاً إلى ما يجري في لبنان، وظاهرة التخوين والتحريض الممنهجة، وابتكار دور جديد لمكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية الذي بات متخصّصاً في استدعاء صحافيين وناشطين، فضلاً عن مزاحمته في هذه المهمة من المحكمة العسكرية واستخبارات الجيش، وليبيا حيث خطف الصحافيين وقتلهم. وطبعاً، لا يمكن إغفال ما يتعرّض له الصحافيون الفلسطينيون من الاحتلال والأجهزة الفلسطينية على حد سواء.
ودائماً ما تحضر فرمانات من قبيل حظر النشر ومضايقات وملاحقات ودعاوى، وحتى اعتقالات. تظن السلطات في الدول العربية أنها بذلك تستطيع منع الوصول إلى المعلومة أو تغطية الحدث، متجاهلة حقيقة أنه في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، وتوسع ظاهرة "المواطن الصحافي"، لا يمكن منع انتشار أي حدثٍ أو حجب المعطيات. والأسوأ أنه بينما لا توفر هذه الأنظمة وسيلةً لكتم أصوات صحافيي الداخل، تسارع بنفسها إلى إعطاء المعلومات والتفاصيل الخبرية لوسائل إعلام أجنبية. ولعل في قضية "فتنة الأمير حمزة" في الأردن في الفترة الأخيرة أفضل مثال على ذلك.
لكن مشكلة الصحافة العربية لا تقتصر على القمع السلطوي. التقييم الواقعي يفرض الحديث أيضاً عن واقع الصحافيين اليوم ودور المال السياسي. وإذا كان التعميم خاطئا، لأنه لا يعكس واقع الحال، إذ يوجد صحافيون يدفعون ثمن إصرارهم على العمل بشفافية وبنزاهة، وهم كثر، وبعضهم يخوض معارك يومية داخل المؤسسات التي يعملون فيها من دون أن يدري عنهم أحد، فإن ذلك لا يمنع من وجود صحافيين مرتهنين، مجرّد أدوات في خدمة سياسيين وسلطات وأحزاب بنوا صحفهم ومواقعهم الإخبارية مقابل رزم من الأموال، يكدّسونها في حساباتهم المصرفية. لسانهم هو لسان حال الحاكم والسياسي، يتحدّثون باسمه، ويهاجمون بأمره، وحتى أنهم يتطوّعون لفعل أكثر مما يطلب من دون أي خجل.
معضلة أخرى لا تقل أهمية. يتملك الصحافة العربية، تحديداً المواقع التي يفترض أنها تشكل مستقبل الصحافة في العالم على حساب الصحافة الورقية، هاجس البقاء. وهو أمر مفهوم في ظل تكاثرها واشتداد المنافسة في ما بينها، لكن الطرق التي تختارها هي المشكلة. تعيش المواقع تحت وطأة هوس الترافيك، تقيس نجاحها بعدد قرائها أولاً، لا مضمون ما تقدّمه وجودته ومصداقيته. ولا شيء يبشّر أن هذه المعادلة ستتغير، بل قد تنتقل إلى مراحل أسوأ، ما يعني مزيداً من الانحدار في واقع الصحافة العربية.