01 أكتوبر 2022
فيلق القدس في كل مكان إلا القدس
توجد قوات "فيلق القدس" التابعة للحرس الثوري الإيراني على أصعب الجبهات، في سورية والعراق واليمن ولبنان، فقط لدينا استثناء صغير: القدس.
لقائد الفيلق، الجنرال قاسم سليماني، أساطير عديدة، كرسالته المتفاخرة إلى هاتف القائد الأميركي باتريوس، أو تركه رسالة اعتذار في منزل مهجور أقام فيه، وله ظهورات عديدة تمتد من حلب إلى الموصل إلى حمص، لكن كل أساطيره وظهوراته غابت عن مكان واحد: القدس.
يرفع الحوثيون في كل لحظة شعاراتهم "الموت الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود"، لكن هذا يحدث على كل حجر في اليمن، لا القدس. أما السيد مقتدى الصدر فقد دعا السعودية إلى "توجيه التحالف الإسلامي إلى القدس فوراً"، لكنه في المقابل لم يخبرنا لماذا لا توجه إيران تحالفها أيضاً إلى القدس؟
على الجانب الآخر، تحدث "خليفة المسلمين"، أبو بكر البغدادي، للمرة الأولى والأخيرة عن فلسطين في 2015، "قريباً باسم الله تسمعون دبيب المجرمين.. وستكون فلسطين مقبرة لكم"، لكن جيوشه وذئابه ظلت تضرب في كل مكان في العالم من فرنسا إلى بلجيكا، ومن أميركا إلى أستراليا، من دون أن تصل إلى القدس.
ينتهي إصدار لتنظيم القاعدة في اليمن بوعد القدس والأقصى بأننا "قادمون"، على الرغم من أن كل أحداث الإصدار تظهر أنهم قادمون إلى تعز أو البيضاء أو عدن، لكن بالتأكيد ليس القدس.
الظاهرة ليست جديدة. دعا معمر القذافي الحجاج المسلمين عام 2000 إلى الزحف نحو القدس، من دون أن يزحف هو معهم بالطبع. أنشأ صدام حسين أيضاً "جيش القدس" في 2001، ونظم استعراضات عسكرية مهيبة لآلاف الجنود الذين لم يحاربوا في القدس أبداً. ما أكثر رافعي قميص القضية. الوصفة سهلة: قُل فلسطين ثم وجه بندقيتك إلى أي اتجاه آخر. الطريق إلى القدس التفافي دائماً، يجب أن يمر عبر بغداد أو القاهرة أو دمشق، لكنه أبداً لا يتبع الطريق المستقيم بزعمهم.
سابقاً كان يُقال إنه لا شعب أو تنظيم يمكنه تحمل الكلفة الفادحة لصدام حقيقي مع إسرائيل، لكن اليوم في ضوء سقوط مئات آلاف القتلى وخراب الدول بالفعل، يتساءل المرء عن سبب الاستعداد لتقبل الثمن الهائل هنا بكل جنون وعبث، بينما يُرفع صوت العقل هناك.
قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس يأتي في إطار السياقات نفسها. صحيح أن السياسة، في التحليل الأخير، هي تعبير عن موازين القوى، والتي تشهد اختلالاً فادحاً بين كل الدول العربية والولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك يشمل القوى العلمية والاقتصادية أيضاً، لكن على جانب آخر مازال بيد جانبنا أوراق ضغط ليست هينة. لكن هذه الأوراق تصاب بالشلل، إذا كان المتحكّم بها يدين بسلطته لأسباب أخرى غير شعبه، أو للخوف من عدو أقرب. هكذا تتردد بلا توقف عبارة "كذا أخطر من إسرائيل"، وهذا الـ "كذا" قد يكون الطائفة المقابلة (الشيعة أو السنة)، أو الدولة المنافسة (السعودية أو إيران)، أو المعارضة السياسية الداخلية، وهكذا تنشغل كل فيالق القدس بأولويات أخرى غير القدس.
ذات يوم، كانت لدينا بذرة لفيالق قدس مختلفة. شباب الربيع العربي الذين تواصلوا من دون تخطيط، وتوحدت مشاعرهم من دون أوامر فوقية وقرارات رئاسية. كان الشباب المصري والسوري واليمني والتونسي يتضامنون ويحلمون. وشهدت مصر في 2011 مظاهراتٍ أدت إلى غلق السفارة الإسرائيلية وغياب السفير عن مصر بعدها نحو أربع سنوات.
كان حلم الديموقراطية العربية كفيلاً بإشراك الشعوب في إيجاد حلول أو أوراق ضغط يُدفع ثمنها تشاركياً، وكانت قدسية الإنسان ستطغى على قدسية الجمادات والشعارات. المنظومة متكاملة ومترابطة، يؤدي الاستبداد إلى الفساد والضعف الاقتصادي والعلمي والعسكري، وبالتالي الضعف السياسي، والعكس صحيح.
وإذا كنا وصلنا إلى هذه المرحلة الفجة من عبث فيالق القدس الرسمية، فهذا دافع أكبر للتمسك بفيالقنا الشعبية، ومحاولة بث الروح فيها، على الرغم من الهزيمة الأليمة للربيع.
وإذا كانت طرق القدس التفافية حقاً، فهي يجب أن تمر عبر الديموقراطية والكرامة الإنسانية. هذا هو طريق فيالق قدسنا الخاصة.
لقائد الفيلق، الجنرال قاسم سليماني، أساطير عديدة، كرسالته المتفاخرة إلى هاتف القائد الأميركي باتريوس، أو تركه رسالة اعتذار في منزل مهجور أقام فيه، وله ظهورات عديدة تمتد من حلب إلى الموصل إلى حمص، لكن كل أساطيره وظهوراته غابت عن مكان واحد: القدس.
يرفع الحوثيون في كل لحظة شعاراتهم "الموت الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود"، لكن هذا يحدث على كل حجر في اليمن، لا القدس. أما السيد مقتدى الصدر فقد دعا السعودية إلى "توجيه التحالف الإسلامي إلى القدس فوراً"، لكنه في المقابل لم يخبرنا لماذا لا توجه إيران تحالفها أيضاً إلى القدس؟
على الجانب الآخر، تحدث "خليفة المسلمين"، أبو بكر البغدادي، للمرة الأولى والأخيرة عن فلسطين في 2015، "قريباً باسم الله تسمعون دبيب المجرمين.. وستكون فلسطين مقبرة لكم"، لكن جيوشه وذئابه ظلت تضرب في كل مكان في العالم من فرنسا إلى بلجيكا، ومن أميركا إلى أستراليا، من دون أن تصل إلى القدس.
ينتهي إصدار لتنظيم القاعدة في اليمن بوعد القدس والأقصى بأننا "قادمون"، على الرغم من أن كل أحداث الإصدار تظهر أنهم قادمون إلى تعز أو البيضاء أو عدن، لكن بالتأكيد ليس القدس.
الظاهرة ليست جديدة. دعا معمر القذافي الحجاج المسلمين عام 2000 إلى الزحف نحو القدس، من دون أن يزحف هو معهم بالطبع. أنشأ صدام حسين أيضاً "جيش القدس" في 2001، ونظم استعراضات عسكرية مهيبة لآلاف الجنود الذين لم يحاربوا في القدس أبداً. ما أكثر رافعي قميص القضية. الوصفة سهلة: قُل فلسطين ثم وجه بندقيتك إلى أي اتجاه آخر. الطريق إلى القدس التفافي دائماً، يجب أن يمر عبر بغداد أو القاهرة أو دمشق، لكنه أبداً لا يتبع الطريق المستقيم بزعمهم.
سابقاً كان يُقال إنه لا شعب أو تنظيم يمكنه تحمل الكلفة الفادحة لصدام حقيقي مع إسرائيل، لكن اليوم في ضوء سقوط مئات آلاف القتلى وخراب الدول بالفعل، يتساءل المرء عن سبب الاستعداد لتقبل الثمن الهائل هنا بكل جنون وعبث، بينما يُرفع صوت العقل هناك.
قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس يأتي في إطار السياقات نفسها. صحيح أن السياسة، في التحليل الأخير، هي تعبير عن موازين القوى، والتي تشهد اختلالاً فادحاً بين كل الدول العربية والولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك يشمل القوى العلمية والاقتصادية أيضاً، لكن على جانب آخر مازال بيد جانبنا أوراق ضغط ليست هينة. لكن هذه الأوراق تصاب بالشلل، إذا كان المتحكّم بها يدين بسلطته لأسباب أخرى غير شعبه، أو للخوف من عدو أقرب. هكذا تتردد بلا توقف عبارة "كذا أخطر من إسرائيل"، وهذا الـ "كذا" قد يكون الطائفة المقابلة (الشيعة أو السنة)، أو الدولة المنافسة (السعودية أو إيران)، أو المعارضة السياسية الداخلية، وهكذا تنشغل كل فيالق القدس بأولويات أخرى غير القدس.
ذات يوم، كانت لدينا بذرة لفيالق قدس مختلفة. شباب الربيع العربي الذين تواصلوا من دون تخطيط، وتوحدت مشاعرهم من دون أوامر فوقية وقرارات رئاسية. كان الشباب المصري والسوري واليمني والتونسي يتضامنون ويحلمون. وشهدت مصر في 2011 مظاهراتٍ أدت إلى غلق السفارة الإسرائيلية وغياب السفير عن مصر بعدها نحو أربع سنوات.
كان حلم الديموقراطية العربية كفيلاً بإشراك الشعوب في إيجاد حلول أو أوراق ضغط يُدفع ثمنها تشاركياً، وكانت قدسية الإنسان ستطغى على قدسية الجمادات والشعارات. المنظومة متكاملة ومترابطة، يؤدي الاستبداد إلى الفساد والضعف الاقتصادي والعلمي والعسكري، وبالتالي الضعف السياسي، والعكس صحيح.
وإذا كنا وصلنا إلى هذه المرحلة الفجة من عبث فيالق القدس الرسمية، فهذا دافع أكبر للتمسك بفيالقنا الشعبية، ومحاولة بث الروح فيها، على الرغم من الهزيمة الأليمة للربيع.
وإذا كانت طرق القدس التفافية حقاً، فهي يجب أن تمر عبر الديموقراطية والكرامة الإنسانية. هذا هو طريق فيالق قدسنا الخاصة.