01 أكتوبر 2022
غزوة "ريجيني المصري"
كم مرّة يجب أن يُلدغ المرء من الجحر نفسه، حتى يتعلم شيئاً؟ ما إن نُشرت صور لجثة شابٍ في مصر عُثر عليها بعلامات تعذيبٍ، حتى اندلعت نيران الإشاعات.
خلال ساعات، نشرت قناة وطن، القناة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين: "ثروت سامح.. شاب مصري تم اعتقاله منذ يومين بمدينة 6 أكتوبر، وتم إخفاؤه وتعذيبه على يد قوات الانقلاب، وعثروا عليه اليوم شهيداً في صحراء الفيوم". ونال المنشور تفاعلاً ضخماً بالآلاف. ونشر مركز ضحايا لحقوق الإنسان، المُقرّب من الجماعة، الرواية نفسه مع إضافة أنها "بحسب أسرته"! انتشر توصيف الشاب بأنه "ريجيني المصري"، الضحية الجديدة لأجهزة الأمن.
فجأةً، ظهر والد الشاب مع أحمد موسى، المذيع المؤيد للنظام، ليحكي روايةً مختلفةً تماماً مفادها بأن ابنه تعرّض لسرقة سيارة كان يعمل عليها، وأنه كان يبحث عن من سرقها، واتصل به يوم الجمعة، ليخبره أنه وجد السيارة في الفيوم، ثم انقطع الاتصال واختفى، وظهرت بعدها الجثة.
وللمفارقة، تكررت الرواية نفسها في اتصالٍ مع قناة الشرق التي تبث من تركيا مع صديق لسامح، والذي أكد أن المستشفى أخبرهم بوجود الجثة لديه منذ يوم السبت، بينما كان هذا الاتصال الأخير يوم الجمعة، ما يعني أن الوفاة حدثت بعد ساعات من المكالمة، سواء في اليوم نفسه أو صباح اليوم التالي.
انقلبت الإشاعة على من أطلقها، وفوراً ظهرت حملة إعلامية هائلة تؤكد كذب (وتلفيق) كل حالات التعذيب التي تتهمون بها الشرطة الطاهرة، والدليل أمامكم!
تكرّر السيناريو نفسه مراراً، كان من أشهرها واقعة الفتاه فاطمة يوسف التي اتصلت بقناه الشرق، لتروي باكيةً واقعة تفصيلية عن اغتصابها، وتذكر اسم ضابط محدّد بالاسم، ثم تظهر لاحقاً لتتراجع، وتقول إن من طلب منها تلفيق هذه الرواية الكاذبة إعلامي إخواني، اتفق معها على هذه الخدعة.
نوع آخر من الالتباس تسببت فيها التنظيمات المسلحة التي خرجت من العباءة الإخوانية. نشر، في مارس/ آذار الماضي، تنظيم "لواء الثورة" إصداره "فرسان الجنة"، والذي احتوى على مشاهد لثلاثة من كوادره، وهم يتلقون تدريباتٍ عسكرية في منطقة صحراوية، وأيضاً وهم يُلقون وصاياهم. ليُفاجأ الجميع أن الشباب الثلاثة هم عبدالله هلال وحسن جلال وأحمد محفوظ، الذين كانت الداخلية أعلنت تصفيتهم بعد اشتباك مسلح، بينما كانت الرواية الإخوانية بمنصّاتهم الإعلامية والحقوقية أنهم شباب بريء قُبض عليهم، واختفوا قسرياً، ثم قُتلوا. بل إن الشاب عبدالله هلال تحديداً، والذي كان يتم التركيز على كونه طالباً في كلية الهندسة يتميز بالتفوق والأخلاق، بما يؤكد استحالة تورّطه بأي شيء، كان هو من ظهر، بينما يُجهز المواد المتفجرّة في مكان أشبه بالمعمل. فوراً استغلت الجبهة المقابلة هذه المشاهد أبشع استغلال. نشرت "اليوم السابع" موضوعاً مطولاً بعنوان "الاختفاء القسري حجة الإخوان لتبرير الإرهاب"، لتزعم أن كل المختفين ذهبوا إلى الانضمام للإرهابيين.
تكرّر ذلك أخيرا في حالة أحمد سويلم الذي أصدرت حركة حسم نعياً له، حاملاً صورته مع عبارة "الشهيد البطل المقاوم". ومع تأكيدنا أن هذا لا يعني بالضرورة صدق رواية وزارة الداخلية عن الاشتباك، فقد يكون قد قُبض عليه قبلها مثلاً، لكن في المقابل هذا يعني أن الاحتمالية واردة جداً، فقد كان عضواً في تنظيم مسلح فعلاً وليس بائعاً للورود! لا يمكن الانحياز لأيٍ من الروايتين من دون توثيقٍ كافٍ.
ألا يكفي كل هذا الوقت، وكل هذا الضرر على الجميع، ليتغيّر هذا الأسلوب الأحمق؟ حالة واحدة كاذبة يمكنها ضرب مصداقية ما لا يُحصى من الحالات الصحيحة. وأيضاً حالة واحدة صادقة موثّقة بالقدر الكافي قد تغني عن آلاف الأرقام. العدد ليس في الليمون كما نقول. وسياسياً، لا فائدة من مخاطبة الجمهور نفسه بما يعرفونه مسبقاً، الفائدة هي اجتذاب شرائح جديدة، وهذا لن يحدث بالأسلوب الحالي.
نحتاج إلى أدنى قدر من القواعد المعروفة صحافياً وحقوقياً للتوثيق، والالتزام بها بصرامة، ومحاسبة من ينتهكها وفضحه. كفانا نيران عمياء، وإطلاق للنار على الأرجل.
خلال ساعات، نشرت قناة وطن، القناة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين: "ثروت سامح.. شاب مصري تم اعتقاله منذ يومين بمدينة 6 أكتوبر، وتم إخفاؤه وتعذيبه على يد قوات الانقلاب، وعثروا عليه اليوم شهيداً في صحراء الفيوم". ونال المنشور تفاعلاً ضخماً بالآلاف. ونشر مركز ضحايا لحقوق الإنسان، المُقرّب من الجماعة، الرواية نفسه مع إضافة أنها "بحسب أسرته"! انتشر توصيف الشاب بأنه "ريجيني المصري"، الضحية الجديدة لأجهزة الأمن.
فجأةً، ظهر والد الشاب مع أحمد موسى، المذيع المؤيد للنظام، ليحكي روايةً مختلفةً تماماً مفادها بأن ابنه تعرّض لسرقة سيارة كان يعمل عليها، وأنه كان يبحث عن من سرقها، واتصل به يوم الجمعة، ليخبره أنه وجد السيارة في الفيوم، ثم انقطع الاتصال واختفى، وظهرت بعدها الجثة.
وللمفارقة، تكررت الرواية نفسها في اتصالٍ مع قناة الشرق التي تبث من تركيا مع صديق لسامح، والذي أكد أن المستشفى أخبرهم بوجود الجثة لديه منذ يوم السبت، بينما كان هذا الاتصال الأخير يوم الجمعة، ما يعني أن الوفاة حدثت بعد ساعات من المكالمة، سواء في اليوم نفسه أو صباح اليوم التالي.
انقلبت الإشاعة على من أطلقها، وفوراً ظهرت حملة إعلامية هائلة تؤكد كذب (وتلفيق) كل حالات التعذيب التي تتهمون بها الشرطة الطاهرة، والدليل أمامكم!
تكرّر السيناريو نفسه مراراً، كان من أشهرها واقعة الفتاه فاطمة يوسف التي اتصلت بقناه الشرق، لتروي باكيةً واقعة تفصيلية عن اغتصابها، وتذكر اسم ضابط محدّد بالاسم، ثم تظهر لاحقاً لتتراجع، وتقول إن من طلب منها تلفيق هذه الرواية الكاذبة إعلامي إخواني، اتفق معها على هذه الخدعة.
نوع آخر من الالتباس تسببت فيها التنظيمات المسلحة التي خرجت من العباءة الإخوانية. نشر، في مارس/ آذار الماضي، تنظيم "لواء الثورة" إصداره "فرسان الجنة"، والذي احتوى على مشاهد لثلاثة من كوادره، وهم يتلقون تدريباتٍ عسكرية في منطقة صحراوية، وأيضاً وهم يُلقون وصاياهم. ليُفاجأ الجميع أن الشباب الثلاثة هم عبدالله هلال وحسن جلال وأحمد محفوظ، الذين كانت الداخلية أعلنت تصفيتهم بعد اشتباك مسلح، بينما كانت الرواية الإخوانية بمنصّاتهم الإعلامية والحقوقية أنهم شباب بريء قُبض عليهم، واختفوا قسرياً، ثم قُتلوا. بل إن الشاب عبدالله هلال تحديداً، والذي كان يتم التركيز على كونه طالباً في كلية الهندسة يتميز بالتفوق والأخلاق، بما يؤكد استحالة تورّطه بأي شيء، كان هو من ظهر، بينما يُجهز المواد المتفجرّة في مكان أشبه بالمعمل. فوراً استغلت الجبهة المقابلة هذه المشاهد أبشع استغلال. نشرت "اليوم السابع" موضوعاً مطولاً بعنوان "الاختفاء القسري حجة الإخوان لتبرير الإرهاب"، لتزعم أن كل المختفين ذهبوا إلى الانضمام للإرهابيين.
تكرّر ذلك أخيرا في حالة أحمد سويلم الذي أصدرت حركة حسم نعياً له، حاملاً صورته مع عبارة "الشهيد البطل المقاوم". ومع تأكيدنا أن هذا لا يعني بالضرورة صدق رواية وزارة الداخلية عن الاشتباك، فقد يكون قد قُبض عليه قبلها مثلاً، لكن في المقابل هذا يعني أن الاحتمالية واردة جداً، فقد كان عضواً في تنظيم مسلح فعلاً وليس بائعاً للورود! لا يمكن الانحياز لأيٍ من الروايتين من دون توثيقٍ كافٍ.
ألا يكفي كل هذا الوقت، وكل هذا الضرر على الجميع، ليتغيّر هذا الأسلوب الأحمق؟ حالة واحدة كاذبة يمكنها ضرب مصداقية ما لا يُحصى من الحالات الصحيحة. وأيضاً حالة واحدة صادقة موثّقة بالقدر الكافي قد تغني عن آلاف الأرقام. العدد ليس في الليمون كما نقول. وسياسياً، لا فائدة من مخاطبة الجمهور نفسه بما يعرفونه مسبقاً، الفائدة هي اجتذاب شرائح جديدة، وهذا لن يحدث بالأسلوب الحالي.
نحتاج إلى أدنى قدر من القواعد المعروفة صحافياً وحقوقياً للتوثيق، والالتزام بها بصرامة، ومحاسبة من ينتهكها وفضحه. كفانا نيران عمياء، وإطلاق للنار على الأرجل.