01 أكتوبر 2022
رسائل اعتقالات العيد في مصر
يوم عصيب آخر يدخل تاريخ المعارضة المصرية. اعتقلت قوات الأمن سبعة من المعارضين، في مقدمتهم السفير معصوم مرزوق، وهو من فئةٍ كان العرف التاريخي للدولة المصرية يقوم على أنها لا تُمس، فهو "رجل دولة" سابق، عمل ضابطاً في سلاح الصاعقة في القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر 1973، ونال وسام الشجاعة من الدرجة الأولى، وبعدها عمل عقوداً في الدبلوماسية المصرية، حتى أنهى خدمته مساعداً لوزير الخارجية.
الرسالة الرئيسية هنا مرة أخرى أن هذا نظام عبد الفتاح السيسي لا حسني مبارك، انسوا كل ما اعتدتم عليه من قواعد، لأن المعادلة اختلفت تماماً.
والحقيقة أن مبارك لم يكن تعامله مختلفاً لأنه أفضل أخلاقياً، بل كلها أسباب سياسية بحتة. أولاً، كانت رؤية نظام مبارك أن السماح بالتنفيس عبر هامش من الحريات الإعلامية والسياسية هو ما يضمن، من ناحية، عدم انفجار الشعب ثورياً، ويضمن، من ناحية أخرى، الحفاظ على صورته لدى حلفائه الغربيين الذين كان يؤمن بنفوذهم المطلق. الرؤية الحالية هي العكس تماماً، يرى النظام الحالي أن السماح بهذا الهامش هو ما أدّى إلى الثورة، عبر شعور المواطنين بقدرٍ من الأمان، إذا نزلوا إلى الشارع، أو زاولوا السياسة. وبالتالي، فإن نزع فتيل الانفجار أصبحت وسيلته المزيد من التضييق لا العكس! .. وتزامن ذلك مع تغير دولي كامل، حيث اليمين العالمي يصعد، مولياً ظهره لشعارات الديمقراطية. وكذلك اختبر النظام المصري بنفسه كيف احتمل العالم بشار الأسد، وبالمقارنة به يبدو الوضع في مصر جنة حقيقية، فضلاً عن اختباره حدود أدوات الغرب، ووجود هوامش للمناورة مع روسيا والصين.
على جانب آخر، أحد أهم محدّدات تعامل مبارك كان احتفاظه بتوازناته الداخلية التي كان يدير الدولة عبرها، احتفظ لكل مؤسّسةٍ بقدر من الاستقلالية. وبالتالي أصبح لدينا تكتل صقور الحزب الوطني القدامى، يواجه لجنة السياسات في الحزب التي يديرها نجل مبارك، وكلاهما يواجه كتلة الجيش، والتي بدورها تواجه منافسةً من دور الداخلية المتصاعد. حدثت هذه الخلافات مراراً إلى حدّ أن يتدخل الجيش لمنع بيع بنك حكومي، وسعت كل جهة إلى تقوية مركزها بتحالفاتٍ مع شخصيات سياسية أو إعلامية أو اقتصادية، فبينما كانت صحيفة الدستور تعارض جمال مبارك بحدّة، كان رئيس تحريرها، إبراهيم عيسى، يشارك في تدبير وضع ملصقات تمجّد عمر سليمان رئيس المخابرات العامة بديلا!
سمح هذا بهامش كبير من الحماية والمناورة للمعارضين والصحافة. وفي النهاية، كان هذا التناقض الداخلي عاملاً رئيسياً في موقف الجيش من الثورة، حين أعلن انحيازه لمطالب الشعب، والتي كانت في مقدمتها مطالب الجيش نفسه، منع توريث جمال مبارك، وإقصاء النخب المدنية الجديدة من رجال أعمال لجنة السياسات. وبهذا المعنى، يرى الجيش نفسه شريكاً في الثورة، وصاحب حقٍّ في حصد مكاسبها!
نشهد اليوم وضعاً مختلفاً تماماً. تدريجياً نجح الرئيس السيسي في إخضاع كل المؤسسات، عيّن قادة جدداً للجيش والداخلية والمخابرات وغيرها من المؤسسات، وغيّر قانون السلطة القضائية، ليعين رؤساءها من دون التقيد بالأقدمية، للمرة الأولى في التاريخ. وواقعياً تدار كامل جهات الدولة من مكتبه، ربما هناك أفراد هنا أو هناك داخل المؤسسات يشعرون بالاستياء، لكن لا أجنحة ولا تكتلات، أي ليس الوضع كما كان سابقاً.
هناك سببٌ آخر تاريخي، يرجع إلى نشأة الدولة المصرية الحالية نفسها، بشكلٍ ما كان كامل النظام والمعارضة من أبناء يوليو 52، تشكلت الأحزاب أصلاً، بقرار من أنور السادات، منابر داخل الحزب الحاكم قبل أن تنفصل، وفي مقدمتها قادة من الضباط الأحرار أو من الاتحاد الاشتراكي، مثل خالد محيي الدين وعبد الغفار شكر وغيرهما، هذه المعادلة أيضاً ضمنت قدراً من الحماية والتوازنات زالت تماماً اليوم.
تغيّر النظام المحلي والدولي، فلا بديل من أن تتغيّر رؤية معارضي أدوات التغيير ومساره، أو لمجرّد الحفاظ على البقاء.
الرسالة الرئيسية هنا مرة أخرى أن هذا نظام عبد الفتاح السيسي لا حسني مبارك، انسوا كل ما اعتدتم عليه من قواعد، لأن المعادلة اختلفت تماماً.
والحقيقة أن مبارك لم يكن تعامله مختلفاً لأنه أفضل أخلاقياً، بل كلها أسباب سياسية بحتة. أولاً، كانت رؤية نظام مبارك أن السماح بالتنفيس عبر هامش من الحريات الإعلامية والسياسية هو ما يضمن، من ناحية، عدم انفجار الشعب ثورياً، ويضمن، من ناحية أخرى، الحفاظ على صورته لدى حلفائه الغربيين الذين كان يؤمن بنفوذهم المطلق. الرؤية الحالية هي العكس تماماً، يرى النظام الحالي أن السماح بهذا الهامش هو ما أدّى إلى الثورة، عبر شعور المواطنين بقدرٍ من الأمان، إذا نزلوا إلى الشارع، أو زاولوا السياسة. وبالتالي، فإن نزع فتيل الانفجار أصبحت وسيلته المزيد من التضييق لا العكس! .. وتزامن ذلك مع تغير دولي كامل، حيث اليمين العالمي يصعد، مولياً ظهره لشعارات الديمقراطية. وكذلك اختبر النظام المصري بنفسه كيف احتمل العالم بشار الأسد، وبالمقارنة به يبدو الوضع في مصر جنة حقيقية، فضلاً عن اختباره حدود أدوات الغرب، ووجود هوامش للمناورة مع روسيا والصين.
على جانب آخر، أحد أهم محدّدات تعامل مبارك كان احتفاظه بتوازناته الداخلية التي كان يدير الدولة عبرها، احتفظ لكل مؤسّسةٍ بقدر من الاستقلالية. وبالتالي أصبح لدينا تكتل صقور الحزب الوطني القدامى، يواجه لجنة السياسات في الحزب التي يديرها نجل مبارك، وكلاهما يواجه كتلة الجيش، والتي بدورها تواجه منافسةً من دور الداخلية المتصاعد. حدثت هذه الخلافات مراراً إلى حدّ أن يتدخل الجيش لمنع بيع بنك حكومي، وسعت كل جهة إلى تقوية مركزها بتحالفاتٍ مع شخصيات سياسية أو إعلامية أو اقتصادية، فبينما كانت صحيفة الدستور تعارض جمال مبارك بحدّة، كان رئيس تحريرها، إبراهيم عيسى، يشارك في تدبير وضع ملصقات تمجّد عمر سليمان رئيس المخابرات العامة بديلا!
سمح هذا بهامش كبير من الحماية والمناورة للمعارضين والصحافة. وفي النهاية، كان هذا التناقض الداخلي عاملاً رئيسياً في موقف الجيش من الثورة، حين أعلن انحيازه لمطالب الشعب، والتي كانت في مقدمتها مطالب الجيش نفسه، منع توريث جمال مبارك، وإقصاء النخب المدنية الجديدة من رجال أعمال لجنة السياسات. وبهذا المعنى، يرى الجيش نفسه شريكاً في الثورة، وصاحب حقٍّ في حصد مكاسبها!
نشهد اليوم وضعاً مختلفاً تماماً. تدريجياً نجح الرئيس السيسي في إخضاع كل المؤسسات، عيّن قادة جدداً للجيش والداخلية والمخابرات وغيرها من المؤسسات، وغيّر قانون السلطة القضائية، ليعين رؤساءها من دون التقيد بالأقدمية، للمرة الأولى في التاريخ. وواقعياً تدار كامل جهات الدولة من مكتبه، ربما هناك أفراد هنا أو هناك داخل المؤسسات يشعرون بالاستياء، لكن لا أجنحة ولا تكتلات، أي ليس الوضع كما كان سابقاً.
هناك سببٌ آخر تاريخي، يرجع إلى نشأة الدولة المصرية الحالية نفسها، بشكلٍ ما كان كامل النظام والمعارضة من أبناء يوليو 52، تشكلت الأحزاب أصلاً، بقرار من أنور السادات، منابر داخل الحزب الحاكم قبل أن تنفصل، وفي مقدمتها قادة من الضباط الأحرار أو من الاتحاد الاشتراكي، مثل خالد محيي الدين وعبد الغفار شكر وغيرهما، هذه المعادلة أيضاً ضمنت قدراً من الحماية والتوازنات زالت تماماً اليوم.
تغيّر النظام المحلي والدولي، فلا بديل من أن تتغيّر رؤية معارضي أدوات التغيير ومساره، أو لمجرّد الحفاظ على البقاء.