12 يوليو 2024
هستيريا نظام السيسي
إنها الهستيريا. لا شيء آخر يمكنه أن يلخّص أفعال الدائرة المحيطة بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في الأيام الأخيرة، تحسّباً لدعوات التظاهر اليوم الجمعة. اعتقالات عشوائية لا تفرّق بين مناصر أو معارض أو غير مكترث، حملات تفتيش على الهواتف المحمولة، كمائن مفاجئة، استنفار "المواطنين الشرفاء" والفنانين، حشد مضادّ وبلطجية ونظريات مؤامرة، واستنباط كل أدوات نظام حسني مبارك عند محاولة وأد ثورة 25 يناير. ذلك كله كافٍ لتأكيد أن الارتباك في ذروته، وأن عدم اليقين هو المهيمن. يدرك النظام حجم الغضب، لكنه عاجز عن تقدير كيف سيترجم اليوم وفي الأيام المقبلة، بعدما صدمته قدرة المصريين، مرة جديدة، على كسر حاجز الخوف.
أعداد المحتجين يوم 20 سبتمبر/ أيلول الحالي لم تكن هائلة، ولا نطاق التظاهرات توسّع حتى اللحظة على غرار ما جرى قبل ثماني سنوات، في أوج أيام ثورة 25 يناير، وعدد المتظاهرين اليوم الجمعة قد لا يكون بالمستوى نفسه، إلا أن تمكّن مئات، وليس الآلاف، من الخروج، في ظل مناخ القمع والبطش، للهتاف "ارحل يا سيسي" يعني الكثير.
من ينزل إلى الشارع للتعبير عن رأيه في زمن عبد الفتاح السيسي يدرك أنه قد لا يعود إلى منزله أبداً، وحتى عائلته ومحيطه لن يكون أحد منهم في مأمن. كذلك لا يغيب عن باله أنّ الرئيس المصري قد يصمد بطريقة أو أخرى. لكن ذلك كله يبدو هامشياً بالنسبة إليه، بعدما خبر مدى طغيان حاكمه اليوم، حتى بات يجاهر هذا الحاكم بالفساد، ويطلب من المواطن أن يتحمّل غلاء المعيشة والتضخم وانهيار العملة وتردّي التعليم والطبابة وانهيار الطبقة الوسطى وارتفاع معدلات العيش تحت خط الفقر.
صحيح أن المقاطع المصوّرة لرجل الأعمال والممثل، محمد علي، أدّت دوراً رئيساً في تعرية السيسي ومن حوله، حتى في عيون مؤيدي النظام، بعدما ساهمت في قول الكثير نيابة عنهم، والقفز بالغضب إلى أعلى مستوياته، إلا أن احتجاجات "20 سبتمبر" لم تكن لتنطلق لولا أن اكتملت أركان الانفجار. أمر يدركه النظام جيداً.
على مدى السنوات الماضية، حُرِم المصريون من أبسط حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتعمّد النظام وأدها الواحدة تلو الأخرى، وإن كان بدأ بالحريات والحقوق السياسية، ظناً منه أن قتل الحياة السياسية عبر زجّ آلافٍ في السجون، وترهيب من تبقى من أصوات معارضة خارج المعتقلات، والإيغال في نهج التنكيل، سيكون كفيلاً في قمع أي غضب بما يتيح له البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، ونهب ما تبقى من أموال تحت ستار إمبراطورية العسكر التي ابتلعت الاقتصاد والمصريين.
ولكن هذه الرهانات سقطت. .. جموع الغاضبين، أياً كانت أعدادها، خرجت إلى الشارع، لإعلان رفضها سياسات النظام وإطلاق شرارة هزّ استقراره وتوليد فرصة للتغيير داخله، لن تكون حدودها رهناً فقط بما تحمله جمعة اليوم من تطوّرات، وما قد يليها من احتجاجات، بل أيضاً بما يجري داخله من صراع وتنافسٍ لم يعد مجرد همس يتناقل في غرف مغلقة، ما يضاعف قلق السيسي ويفرض عليه الاعتماد على دائرته الضيقة، بما في ذلك نجله محمود لإدارة خطة المواجهة. وبقدر خشيته من الشارع، وتحسّبه من كل دعوة تظاهر، ومن كل تجمع مهما كان حجمه، فهو الآن يهاب من يحيطون به، وتحديداً الذين يعتبر أنهم على استعداد لدفعه نحو تقديم تنازلاتٍ لن يكون بإمكانه تفاديها بعد اليوم، لإضعافه أو للتضحية به، كما فعل هو وأقرانه في المجلس العسكري مع حسني مبارك للحفاظ على "النظام"، سيما بعد أن هيّأ للعسكر عبر التعديلات الدستورية الأخيرة الفرصة للتدخل. وما يزيد ارتباكه معرفته أن صورته مع الرئيس الأميركي ترامب، ووصف الأخير له بـ"القائد العظيم" وحتى "الزعيم الحقيقي" مؤشرات ليست كافية ليأمن على نفسه.
من ينزل إلى الشارع للتعبير عن رأيه في زمن عبد الفتاح السيسي يدرك أنه قد لا يعود إلى منزله أبداً، وحتى عائلته ومحيطه لن يكون أحد منهم في مأمن. كذلك لا يغيب عن باله أنّ الرئيس المصري قد يصمد بطريقة أو أخرى. لكن ذلك كله يبدو هامشياً بالنسبة إليه، بعدما خبر مدى طغيان حاكمه اليوم، حتى بات يجاهر هذا الحاكم بالفساد، ويطلب من المواطن أن يتحمّل غلاء المعيشة والتضخم وانهيار العملة وتردّي التعليم والطبابة وانهيار الطبقة الوسطى وارتفاع معدلات العيش تحت خط الفقر.
صحيح أن المقاطع المصوّرة لرجل الأعمال والممثل، محمد علي، أدّت دوراً رئيساً في تعرية السيسي ومن حوله، حتى في عيون مؤيدي النظام، بعدما ساهمت في قول الكثير نيابة عنهم، والقفز بالغضب إلى أعلى مستوياته، إلا أن احتجاجات "20 سبتمبر" لم تكن لتنطلق لولا أن اكتملت أركان الانفجار. أمر يدركه النظام جيداً.
على مدى السنوات الماضية، حُرِم المصريون من أبسط حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتعمّد النظام وأدها الواحدة تلو الأخرى، وإن كان بدأ بالحريات والحقوق السياسية، ظناً منه أن قتل الحياة السياسية عبر زجّ آلافٍ في السجون، وترهيب من تبقى من أصوات معارضة خارج المعتقلات، والإيغال في نهج التنكيل، سيكون كفيلاً في قمع أي غضب بما يتيح له البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، ونهب ما تبقى من أموال تحت ستار إمبراطورية العسكر التي ابتلعت الاقتصاد والمصريين.
ولكن هذه الرهانات سقطت. .. جموع الغاضبين، أياً كانت أعدادها، خرجت إلى الشارع، لإعلان رفضها سياسات النظام وإطلاق شرارة هزّ استقراره وتوليد فرصة للتغيير داخله، لن تكون حدودها رهناً فقط بما تحمله جمعة اليوم من تطوّرات، وما قد يليها من احتجاجات، بل أيضاً بما يجري داخله من صراع وتنافسٍ لم يعد مجرد همس يتناقل في غرف مغلقة، ما يضاعف قلق السيسي ويفرض عليه الاعتماد على دائرته الضيقة، بما في ذلك نجله محمود لإدارة خطة المواجهة. وبقدر خشيته من الشارع، وتحسّبه من كل دعوة تظاهر، ومن كل تجمع مهما كان حجمه، فهو الآن يهاب من يحيطون به، وتحديداً الذين يعتبر أنهم على استعداد لدفعه نحو تقديم تنازلاتٍ لن يكون بإمكانه تفاديها بعد اليوم، لإضعافه أو للتضحية به، كما فعل هو وأقرانه في المجلس العسكري مع حسني مبارك للحفاظ على "النظام"، سيما بعد أن هيّأ للعسكر عبر التعديلات الدستورية الأخيرة الفرصة للتدخل. وما يزيد ارتباكه معرفته أن صورته مع الرئيس الأميركي ترامب، ووصف الأخير له بـ"القائد العظيم" وحتى "الزعيم الحقيقي" مؤشرات ليست كافية ليأمن على نفسه.