12 يوليو 2024
ابتزاز العسكر
لطالما شكلت العلاقة بين الجيش والسياسة واحدةً من عناوين أزمات الحكم في العالم العربي. اختبرت بلدان المنطقة، طوال عقود، نماذج عدة، حضر فيها الجيش صاحب الكلمة العليا حيناً، وفي دور المهادن للسلطة السياسية حيناً آخر، وفي مرات نادرة مذعنا، لكنه لم يكن في أي وقت بعيداً عن الشأن السياسي.
لم تكن مرحلة ما بعد الثورات العربية مختلفة على نحو جذري، وإن كان ما يجري منذ 2011 قابلا للتتبع على نحو أفضل وأسرع، إذ يبث على الهواء مباشرة. حدث ذلك في مصر أولاً. كان على المصريين والعالم مشاهدة مدى الرعب الذي أصاب العسكر من التغيير الحاصل بعد ثورة 25 يناير، وانتقالهم من دور المناور لتأمين نفوذهم ومصالحهم عبر المجلس العسكري إلى مرحلة المجاهرة بسحق التجربة الديمقراطية من خلال انقلاب عبد الفتاح السيسي، ومن ثم ارتكاب المجازر لضمان التغوّل على نحو منفرد بالسلطة. لم يكن هذا النموذج الفاضح من البطش ليستمر لولا الدعم الذي تلقاه عسكر مصر من أنظمة عربية (الرياض وأبوظبي) معادية لأي تغيير ديمقراطي، ولم تتوان عن تعيين نفسها شرطي الثورات العربية، محاولةً، بكل ما أوتيت من نفوذ سياسي ومالي، تغيير مسار الثورات، لحرفها بعيداً عن أهدافها. ولولا أن خرج العسكر لابتزاز الغرب من عناوين عدة، أولها مكافحة الإرهاب والتحوّل إلى ضابط مرور لمنع عبور اللاجئين، ووجدوا في الضفة الأخرى من يستمع إليهم ويتعامل معهم.
الابتزاز بوصفه اللعبة المفضلة للعسكر حضر أيضاً في ليبيا. بدا خليفة حفتر، "البعبع العسكري" الذي تم تبنّيه من المحور المصري السعودي الإماراتي، أفضل من يجيد هذا الدور. يبتزّ الليبيين في أمنهم، يعرض عليهم التوقف عن قتلهم بالقذائف والصواريخ، إذا امتنعوا عن نبذه، ويساومهم على قطرات الماء التي تصل إلى منازلهم، والتي تمرّ محطاتها من مناطق سيطرته. أما في علاقته مع المجتمع الدولي فيظهر فجّاً في طلب "خاوة" مقابل منع طالبي اللجوء من الانتقال إلى أوروبا (تحديداً إيطاليا).
وإذا كان السيسي وحفتر يركزان في عملية ابتزازهم على الخارج، فإن المشهد في الجزائر التي شهدت الموجة الثانية من الثورات العربية، يبدو مختلفاً. منذ اللحظة الأولى للحراك ضد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، كان واضحاً للجميع أنه لن يكون بالإمكان تجاوز الجيش، نظراً إلى قدرته على تغيير موازين القوى، أخذاً بالاعتبار موقعه في الحياة السياسية في مرحلة ما بعد الاستقلال والأدوار المختلفة التي أداها.
وبالفعل، لم يستطع بوتفليقة وفريقه الصمود طويلاً بعد رسائل المؤسسة العسكرية بأنه حان وقت الرحيل. تصاعد تدخل الجيش تباعاً، حتى رسم خطوطاً حمراء للمشهد السياسي، يرفض أن يتنازل عن أيٍّ منها، بعدما تصادمت رؤيته للحل مع وجهة نظر المعارضة والحراك الشعبي. لم تعد المسألة في الجزائر اليوم تتعلق بما إذا كان الوقت مناسباً لاستعجال الانتخابات أم لمرحلة انتقالية، بل ترتبط بكيفية إدارة الجيش الأزمة وفرض نفسه مقرّرا لا يُردّ له رأي، والتعامل مع المخالفين على أنهم أعداء.
تتبع خطابات رئيس الأركان الجزائري، أحمد قايد صالح، يظهر تصاعداً في لهجته، حتى أنه قال، أخيراً، إن "التحامل على المؤسسة العسكرية هو جزء من مخطط خبيث هدفه الوصول إلى تقييد أو تحييد دور الجيش". وسبق ذلك استحضاره لغة المؤامرة، بوضع الأطراف المطالبة بالمرحلة الانتقالية بأنه "لا غاية لها سوى تحقيق مصالحها الضيقة ومصالح أسيادها"، متحدّثاً عن وجود "معلوماتٍ مؤكدةٍ حول تورطها، سنكشف عنها في الوقت المناسب". عملياً لم يكتف صالح بتهديد ضمني لمخالفي رؤية العسكر، بل خيّرهم بين الانصياع لما يريد أو الاستعداد لتلقي ضرباتٍ سيكون حجمها مرهوناً بما يخطط له الجيش للمرحلة المقبلة.
الابتزاز بوصفه اللعبة المفضلة للعسكر حضر أيضاً في ليبيا. بدا خليفة حفتر، "البعبع العسكري" الذي تم تبنّيه من المحور المصري السعودي الإماراتي، أفضل من يجيد هذا الدور. يبتزّ الليبيين في أمنهم، يعرض عليهم التوقف عن قتلهم بالقذائف والصواريخ، إذا امتنعوا عن نبذه، ويساومهم على قطرات الماء التي تصل إلى منازلهم، والتي تمرّ محطاتها من مناطق سيطرته. أما في علاقته مع المجتمع الدولي فيظهر فجّاً في طلب "خاوة" مقابل منع طالبي اللجوء من الانتقال إلى أوروبا (تحديداً إيطاليا).
وإذا كان السيسي وحفتر يركزان في عملية ابتزازهم على الخارج، فإن المشهد في الجزائر التي شهدت الموجة الثانية من الثورات العربية، يبدو مختلفاً. منذ اللحظة الأولى للحراك ضد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، كان واضحاً للجميع أنه لن يكون بالإمكان تجاوز الجيش، نظراً إلى قدرته على تغيير موازين القوى، أخذاً بالاعتبار موقعه في الحياة السياسية في مرحلة ما بعد الاستقلال والأدوار المختلفة التي أداها.
وبالفعل، لم يستطع بوتفليقة وفريقه الصمود طويلاً بعد رسائل المؤسسة العسكرية بأنه حان وقت الرحيل. تصاعد تدخل الجيش تباعاً، حتى رسم خطوطاً حمراء للمشهد السياسي، يرفض أن يتنازل عن أيٍّ منها، بعدما تصادمت رؤيته للحل مع وجهة نظر المعارضة والحراك الشعبي. لم تعد المسألة في الجزائر اليوم تتعلق بما إذا كان الوقت مناسباً لاستعجال الانتخابات أم لمرحلة انتقالية، بل ترتبط بكيفية إدارة الجيش الأزمة وفرض نفسه مقرّرا لا يُردّ له رأي، والتعامل مع المخالفين على أنهم أعداء.
تتبع خطابات رئيس الأركان الجزائري، أحمد قايد صالح، يظهر تصاعداً في لهجته، حتى أنه قال، أخيراً، إن "التحامل على المؤسسة العسكرية هو جزء من مخطط خبيث هدفه الوصول إلى تقييد أو تحييد دور الجيش". وسبق ذلك استحضاره لغة المؤامرة، بوضع الأطراف المطالبة بالمرحلة الانتقالية بأنه "لا غاية لها سوى تحقيق مصالحها الضيقة ومصالح أسيادها"، متحدّثاً عن وجود "معلوماتٍ مؤكدةٍ حول تورطها، سنكشف عنها في الوقت المناسب". عملياً لم يكتف صالح بتهديد ضمني لمخالفي رؤية العسكر، بل خيّرهم بين الانصياع لما يريد أو الاستعداد لتلقي ضرباتٍ سيكون حجمها مرهوناً بما يخطط له الجيش للمرحلة المقبلة.