لم يكد يجف حبر التسويات التي أجراها النظام السوري تحت إشراف روسي مع مدن وبلدات محافظة درعا جنوبي سورية، حتى ظهرت بوادر انقلاب من قبله على هذه التسويات التي لم تغيّر من واقع الحال شيئاً، إذ لا تزال الفوضى وعمليات الاعتقال والاغتيال المتنقلة هي السائدة. ويبدو أن قوات النظام ومليشيات تتبع لها تستعد لاقتحام بلدة ناحتة في ريف درعا الشرقي مرة أخرى، بحجة القبض على مطلوبين رفضوا التوقيع على ورقة التسوية مع النظام. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أول من أمس الأربعاء، أن تعزيزات عسكرية تابعة لقوات النظام وصلت إلى محيط بلدة ناحتة لاقتحامها وإلقاء القبض على مطلوبين لم يجروا عمليات التسوية الأخيرة في البلدة، مشيراً إلى أن الرتل مؤلف من سيارات مثبت عليها رشاشات ثقيلة، وتضم عشرات العناصر.
من جانبه، أفاد "تجمع أحرار حوران" الذي يضم صحافيين وناشطين إعلاميين ينقلون أخبار الجنوب السوري، بأن مجموعة من قوات النظام اقتحمت البلدة بالفعل فجر أول من أمس الأربعاء، وداهمت منزل أحد المطلوبين للنظام من دون أن تتمكن من اعتقاله بسبب عدم وجوده في المنزل. وأشار التجمع إلى أن قوات النظام اقتحمت بلدة ناحتة بـ 10 سيارات عسكرية، بعضها يحتوي مضادات أرضية، بحجة عدم إجراء الشخص المطلوب لعملية التسوية الأخيرة.
قوات النظام اقتحمت بلدة ناحتة مرتين، وتوقعات بأن تداهمها في الأيام المقبلة
من جهته، أوضح الناشط الإعلامي يوسف المصلح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قوات النظام اقتحمت بلدة ناحتة مرتين، متوقعاً أن تداهمها في الأيام المقبلة. وأشار إلى أن المداهمات "جاءت على خلفية اغتيال أحد وجهاء البلدة، والذي كان المفاوض مع قوات النظام لإجراء التسوية معها". والإثنين الماضي قُتل عضو لجنة المفاوضات في بلدة ناحتة حامد الدرعان، من قبل مجهولين في سياق عمليات الاغتيال الواسعة التي تنتقل بين بلدات محافظة درعا.
وكان النظام السوري قد أنهى أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عمليات التسوية على أساس رؤية روسية للحل في جنوب سورية، تقوم على سحب السلاح الفردي و"تسوية" أوضاع المسلحين والمطلوبين للأجهزة الأمنية والمنشقين عن قوات النظام، مقابل سحب الحواجز التي كانت تقطّع أوصال المحافظة. ولكن المؤشرات على الأرض ترجح ألا يلتزم النظام السوري بهذه التسويات في تكرار لسيناريو عام 2018، حين انقلب على عمليات تسوية اضطرت فصائل المعارضة السورية لإجرائها تحت ضغط عسكري روسي.
وفي السياق، أشار الناطق باسم تجمع أحرار حوران، أبو محمود الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "النظام لن يلتزم بما اتُفق عليه وفق خريطة الحل الروسي"، مضيفاً أن "الاعتقالات مستمرة ولم تتوقف، وقد أحصينا في التجمع أسماء عشرين معتقلاً من قبل الأجهزة الأمنية في محافظة درعا خلال أكتوبر الماضي، و72 معتقلاً خلال سبتمبر/أيلول الماضي". وبيّن أن "هذه النسبة الكبيرة من الاعتقالات تمت أثناء القيام بعمليات التسوية، ونعتقد أن العدد الفعلي للمعتقلين أكبر من هذا الرقم"، لافتاً إلى أن "ملفات الاعتقال والاغتيال مفتوحة والواقع مأساوي".
وكان "مكتب توثيق الشهداء في درعا" ذكر أخيراً أن الفترة الممتدة بين 6 سبتمبر و28 أكتوبر الماضيين، شهدت 41 عملية أو محاولة اغتيال، نتج عنها 28 قتيلاً و9 مصابين، بينما فشلت أربع محاولات.
الحوراني: النظام لن يلتزم بما اتُفق عليه والاعتقالات مستمرة
وفي شمال سورية، لم تتضح بعد أبعاد الموقف العسكري، حيث لم يشن الجيش التركي الهجوم الذي لوّحت به أنقرة طويلاً ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، ما يؤكد عدم تبلور تفاهمات جديدة بين الروس والأتراك يمكن أن تسمح لهذا الجيش بالتوغل مجدداً في شمال سورية، سواء في غربي الفرات أو شرقه. وبينما هدد الجانب التركي بشن عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال شرقي سورية، ربما يصل مداها إلى بلدتي عين عيسى وتل تمر، أشارت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الخميس، إلى أن قوات الأخير "عززت جبهاتها بريفي إدلب الشرقي والجنوبي بأعداد إضافية من الجنود والضباط والعتاد النوعي". ولفتت الصحيفة إلى أن هذه التعزيزات هي لـ"مواجهة أي تغييرات طارئة على تخوم الجبهات الحيوية التي قد تشتعل في أي لحظة، في ظل عزم الجيش العربي السوري على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لتطهير المنطقة من رجس الإرهاب"، وفق تعبيرها. وزعمت الصحيفة أن الحشود المتتابعة من قوات النظام في جبهات تل تمر وعين عيسى وتل رفعت والباب ومنبج وعين العرب، دفعت الجانب التركي للتراجع عن تهديداته "في ظل موقف روسي صارم حيال تغريد (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان خارج سرب تفاهماته مع موسكو"، على حد قول الصحيفة.
عززت قوات النظام جبهاتها بريفي إدلب الشرقي والجنوبي
إلى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الكازاخية أن الجولة المقبلة من مباحثات أستانة ستعقد منتصف ديسمبر/كانون الأول المقبل، مشيرة إلى أنها تلقت طلبات من الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار (تركيا، روسيا، إيران) بهذا الخصوص. وكانت عقدت منتصف العام الحالي جولة مباحثات في إطار هذا المسار، الذي انطلق بدايات عام 2017، من دون تحقيق أي نتائج تمهد الطريق لحلول سياسية دائمة للقضية السورية. كما فشل هذا المسار في تحقيق أي اختراق في ملفات إنسانية، وخاصة ملف المعتقلين لدى النظام السوري.