وأعلن عن تأسيس "التحالف الدولي" في العاصمة الأميركية واشنطن، في الخامس من سبتمبر/أيلول 2014، عبر بيان للبيت الأبيض في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، دعا إلى تحالف الدول لمواجهة "داعش"، ليعلن أوباما في السابع من الشهر ذاته، تنفيذ أولى الضربات الجوية الأميركية في العراق ضمن إطار هذا التحالف، وإرسال 800 جندي أميركي لحماية سفارة بلادهم في بغداد وقنصليتها في أربيل. وكانت بريطانيا وفرنسا وأستراليا وألمانيا أولى الدول التي انضمت لـ"التحالف"، ليتسع تدريجياً في غضون أيام قليلة، عبر انضمام 79 دولة التزمت جميعها بإضعاف التنظيم، وإلحاق الهزيمة به في النهاية، على أن يجري تدمير بناه التحتية الاقتصادية والمالية، ومنع تدفق الإرهابيين الأجانب عبر الحدود، ودعم الاستقرار واستعادة الخدمات الأساسية العامة في المناطق المحررة منه، إضافة إلى صناعة جبهة إعلامية لمحاربة دعاية "داعش"، بحسب تعريف نطاق عمل "التحالف"، على موقعه الإلكتروني الرسمي.
وضربت الغارة الأولى التي نفذها "التحالف الدولي" وأعلن عنها، معسكر الغزلاني في الموصل، الذي كان استولى تنظيم "داعش" عليه من الجيش العراقي، وكان يحوي خيرة السلاح العراقي الذي اشترته بغداد من الأميركيين ضمن اتفاقية هدفت إلى تمهيد الاعتماد على القوات العراقية لترتيب الانسحاب الأميركي الكامل من البلاد عام 2011. وفي هذه الغارة، دمر الطيران الأميركي مخازن الذخيرة والسلاح والآليات في المعسكر، بما فيها عربات "هامفي" ودبابات "أبرامز"، لمنع "داعش" من استخدامها، غير أن التنظيم كان قد نقل جزءاً منها بالفعل الى سورية، وتحديداً إلى محافظة الرقة، حيث استخدمها في معاركه هناك.
ووفقاً لتقارير الاستخبارات العراقية، فقد نجح "التحالف الدولي" في إيقاف زحف "داعش" إلى أربيل، التي كان قد نزح قسمٌ من سكان أحيائها باتجاه مدينتي شقلاوة والسليمانية (في الإقليم) خوفاً من اجتياح التنظيم، كما جمد تقدم مسلحي "داعش" على التاجي وأبو غريب وصدر اليوسفية، أبرز ضواحي العاصمة بغداد، بضربات دقيقة استهدفت تجمعاته. وتقاسمت السماء العراقية المقاتلات الجوية الأميركية والبريطانية في الشهر الأول من انطلاق عمل "التحالف"، قبل أن تدخل الفرنسية والكندية والأسترالية، في إطار ضربات الدعم والإسناد السريع.
وحقق "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة أول نجاح ملموس له، مع تمكين قوات "البشمركة" الكردية من استعادة السيطرة على منطقتي مخمور وكوير التابعة لمحافظة نينوى، وانتزاعها من قبضة "داعش". وفي العاشر من سبتمبر/أيلول 2014، وعشية ذكرى هجمات 11 أيلول 2001 التي ضربت الولايات المتحدة، أمر أوباما ببدء تنفيذ ضربات جوية تستهدف "داعش" في سورية.
ولا يزال "التحالف الدولي" الذي انقسم تنظيماً إلى دول داعمة لوجستياً من خلال تقديم السلاح والتدريب للقوات العراقية بمختلف تشكيلاتها، وأخرى فاعلة على الأرض وفي الجو، يعمل حتى اليوم، وأبرز الدول المشاركة فيه فعلياً هي الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، أستراليا، كندا وألمانيا، بينما تأتي كل من بلجيكا، الدنمارك، إيطاليا، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، إسبانيا، تركيا والبرتغال، كدول داعمة لوجستياً، إلى جانب دول عربية أعلنت مشاركتها، مثل قطر والسعودية والأردن.
وبحسب مسؤول عسكري عراقي رفيع في بغداد، فإن ذكرى تأسيس "التحالف الدولي" تمر هذا العام مع تصاعد الدعوات لإخراج قواته من العراق، وإنهاء عمله، على عكس الموقف الذي طغى قبل خمس سنوات، حيث استبشر الجميع في هذا البلد خيراً، بانطلاق عمل "التحالف"، بسبب انهيار الجيش العراقي. على الرغم من ذلك، رأى المصدر أنه "عملياً، لا يزال العراق بحاجة إلى هذا التحالف في مجالات عدة، والحكومة العراقية تحديداً تعي حاجة الجيش له، فالوضع الأمني لا يزال هشاً، فيما قواتنا بحاجة الى تعزيز مستمر، من دون أن ننكر ارتكاب التحالف لأخطاء تسببت بمقتل آلاف المدنيين".
وأوضح المصدر في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "طيران التحالف لم يقدم الدعم للجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية فقط، بل قدم دعماً مباشراً للحشد الشعبي في معارك كثيرة، أبرزها معارك تحرير تكريت والفلوجة والقائم، ومعركة تحرير تلكيف وبرطلة ومناطق أخرى في سهل نينوى"، لافتاً إلى أن "الحشد ينكر ذلك، ويعتبر أن الدعم كان مقدماً لوحدات الجيش التي تتشارك معه محاور القتال".
وأكد المسؤول العراقي أن "الاتفاقية التي يعمل بموجبها التحالف تتم مراجعتها كل عام في شهر أكتوبر/تشرين الأول، وتؤكد جميع المؤشرات هذا العام أنه سيجري التمديد لعمله عاماً إضافياً، كما أن التحالف نفسه لا ينوي حل نفسه أو إنهاء وضعه الحالي، فهو يعتمد على مؤشرات موجودة لديه، من بينها عزمه على محاربة الفكر الذي تسبب بنشوء التنظيم وضمان عدم عودته مجدداً، وهذا بحد ذاته يحتاج لعمل وجهد كبير". واستدرك المصدر بالقول "لا نعلم كيف تنتهي أزمة تفجير المعسكرات (معسكرات الحشد)، وما إذا كان سيتم الضغط على الحكومة للحد من أنشطة دول التحالف الجوية في الأجواء العراقية، لكن الأرجح أن هذا التحالف باقٍ لعام آخر في العراق، وفي سورية أيضاً".
من جهته، لا ينفي "التحالف الدولي" تسببه بقتل مواطنين أبرياء جراء غاراته الجوية، غير أنه يميل دائماً الى التقليل من عددهم، ومن دون الحديث عن تعويض ذوي الضحايا، أو تقديم الاعتذار لهم. واعترف "التحالف" للمرة الأولى بسقوط ضحايا مدنيين خلال حربه على تنظيم "داعش"، في بيان صدر عنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إذ أقر بـ"مقتل 800 مدني على الأقل، في ضربات جوية نفذها في سورية والعراق خلال معاركه ضد تنظيم داعش". أعقب ذلك بيانٌ ثان في أغسطس/آب 2018، اعترف فيه بشن 29 ألف غارة و920 ضربة منذ بدء عملياته في المنطقة عام 2014، وأنه تسبب خلال هذه الغارات بقتل ما لا يقل عن 1061 مدنياً بشكل "غير متعمد"، بحسب تعبير البيان. أما البيان الثالث فصدر نهاية شهر مارس/آذار الماضي، وقال "التحالف" فيه إن 1257 مدنياً سقطوا في أكثر من 34 ألف غارة شنّها ضد مواقع "داعش" في العراق وسورية خلال ما يزيد على أربعة أعوام.
وبالرغم من أن هذه الأرقام بحد ذاتها مرعبة، إلا أن مدير المرصد العراقي لحقوق الانسان مصطفى سعدون، وصفها بـ"غير الدقيقة"، لأنه بحسب الأرقام لديه، فإنه "في معركة تحرير مدينة الموصل (2016- 2017) وحدها، بلغ عدد الضحايا المدنيين أكثر من أربعة آلاف، وذلك بسبب الأخطاء التي ارتكبها طيران التحالف، وهذا الرقم هو حصيلة الأشهر الأولى فقط من المعركة، أما المجزرة التي وقعت في المدينة القديمة، والتي مثلت المعقل الأخير للتنظيم، فقد حصلت هناك إبادة جماعية، بسبب نيران التحالف، وحتى القوات العراقية".
ولفت سعدون خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أي جهة لا تملك الأرقام الدقيقة، إلا أن هناك تقديرات منطقية رصدناها، تؤكد مقتل عشرات الآلاف بنيران وصواريخ وطيران التحالف الدولي خلال عمليات تحرير المناطق العراقية".
بدوره، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عباس سروط، لـ"العربي الجديد"، "عدم وجود إحصاء دقيق لضحايا الأخطاء العسكرية لطيران التحالف الدولي، فحتى الحكومة العراقية لا تعرف الأعداد، وبالطبع التحالف هو المسؤول عن أرواح العراقيين الأبرياء، ولعل هذا الأمر من أبرز أسباب مطالبة بعض الكتل السياسية بإخراج القوات الأميركية من العراق". وأشار إلى "حصول الولايات المتحدة قبل بدء ضرب داعش في العراق على تفويض من بغداد بعدم مساءلتها عن الأخطاء العسكرية، وهذا خطأ كبير ارتكبته الحكومة العراقية".
ورأى قيادي في "الحشد الشعبي"، تحدث لـ"العربي الجديد" رافضاً الكشف عن اسمه بسبب منعهم من التصريح، أن "دور التحالف الدولي في المعارك العراقية على الإرهاب كان مدمراً، فقد دمرت الطائرات الأجنبية مدينة الرمادي (الأنبار)، وكل مدينة حررتها، بينما كان للعراقيين نفَس أطول خلال المعارك، إذ كانوا يسعون إلى الحفاظ على البنى التحتية وحياة المدنيين قدر المستطاع". وبحسب رأيه، فإن الأميركيين "متورطون أصلاً بسقوط الموصل والمدن الغربية، وإلا كيف مرَّت عجلات داعش أول مرة، وقد كانت الحدود تحت سيطرتهم، ولهم في الصحاري قواعد عسكرية؟".
واعتبر المصدر في "الحشد" أن "التحالف قدم للعراق مساندة، لا يمكن نكرانها، لكن بقدرها قدم كوارث أيضاً، منها المجازر التي تسببت بها ضرباته الجوية بحق المدنيين، وحينها لم يكن رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي قادراً على الاعتراض أو الامتعاض، لأن العراق لم يكن لديه القدرة على مواجهة التنظيم الإرهابي، في ظل انهيار شبه تام لطيرانه الحربي وغياب الرادارات، وكنا نحتاج إلى خدمات التحالف اللوجستية وتطوير الجهود الاستخبارية عن مواقع داعش".
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية تحسين الخفاجي، إن "وجود التحالف الدولي وأكثر من 63 دولة ساهمت مع العراق في الحرب على داعش، بعدما تعرض البلد لهجوم من أكثر من 100 دولة وصل متطرفوها إلينا، وكانت مواجهتهم أكبر من إمكانات الدولة العراقية، وهو ما يدفعنا إلى شكر الولايات المتحدة".
وبيّن الخفاجي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "العراق كان يحتاج إلى هذه الوقفة (من التحالف)، سواء في المجال الجوي أو بناء القدرات والتسليح أو جمع معلومات، وهذا كله أسهم في النهاية بصناعة النصر وتحرير المدن العراقية، مع العلم أن التحالف الدولي لم يقدم لنا المستشارين أو القوات القتالية، وبالتالي فإن من حرر الأرض هم العراقيون، إلا أنه ساهم بصناعة النصر وقصّر فترة الحرب".