"صدمة"، هكذا يصف محمد العواودة (أبو رياض) حالة ابنه الأسير الفلسطيني المضرب عن الطعام منذ أكثر من 166 يوما خليل عواودة، وقد تمكن من زيارته للمرة الأولى برفقة بناته الأربع وزوجته ووالدته، بعد منع العائلة مرتين سابقتين من زيارته منذ تجميد اعتقاله الإداري في 19 أغسطس/آب الجاري.
زيارة العائلة مساء الخميس أخذت صدى وتفاعلاً بين الفلسطينيين؛ بعد نشر مقطعي فيديو مؤثرين للقائه والدته وبناته، وتم تداولهما بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي. فهذه المرة الأولى التي يلتقي فيها خليل بناته منذ اعتقال جيش الاحتلال له في ديسمبر/كانون الأول 2021.
ويؤكد والد العواودة لـ"العربي الجديد"، أن "ظروف الزيارة كانت سيئة. لم يقدم الطاقم الطبي معلومات عن وضعه الصحي، فضلاً عن تعامل أمن المستشفى السيئ. ربما سأكتفي في المرات المقبلة بالاتصال به هاتفياً إن بقي الأمر كذلك".
وبدا عواودة مرهقاً وهو يحتضن تولين ولورين وماريا ومريم، مؤكداً في رسالة قصيرة الاستمرار في الإضراب والصمود إلى حين نيله الحرية. وقال بلكنة ثقيلة بسبب الإضراب الطويل: "بناتي مهجة روحي وقطعة قلبي وبؤبؤ عيني، من أجلهنّ وأجل وطني وأحبابي وأحرار العالم أخسر جسمي، فليفنَ لحمي، فليتلاشَ جسدي في سبيل الحرية والكرامة".
وفي المقطع الآخر، ظهرت والدة العواودة تحتضنه وتقول: "خلّيك زي ما إنت يا حبيبي يا بطل. بدنا الحرية يا عالم"، وهي تشد على خليل الذي فقد الكثير من وزنه. ويقول والده لـ"العربي الجديد" إن العائلة تساند وتدعم ابنها، ولا أحد يحاول التأثير عليه ليتراجع عن الإضراب، وقد قال لابنه: "أنت القائد في المعركة ونحن جيشك، أكمل ونحن معك والله معك والناس الشرفاء معك".
وحول ظروف الزيارة، يؤكد والد العواودة أنها حصلت أخيراً بعد تدخلات عدة؛ فمنذ أعلن جيش الاحتلال ما يسمى تجميد الاعتقال الإداري الأسبوع الماضي، توجهت العائلة إلى حاجز بيت لحم وكانت تملك تصريح زيارة سارياً حتى العام 2023، وبعد احتجاز لساعتين ونصف الساعة، أبلغهم الجنود بإلغاء التصاريح.
وظلت العائلة تنتظر جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمؤسسات الحقوقية، حتى وصلها ظهر أمس خبر صدور تصريح بالزيارة. وفوراً، توجهت إلى حاجز ترقوميا العسكري المقام جنوب الخليل، لتحتجز منذ الواحدة ظهراً وحتى الثالثة والنصف عصراً.
ولم تتمكن العائلة بعد تلك الساعات من الدخول سوى بعد تدخل من منظمات حقوقية، فوصلت إلى مستشفى أساف هروفيه الإسرائيلي وقد انتهى وقت زيارة المرضى، لتنتظر حتى الساعة السابعة والنصف مساء ويسمح لها بزيارة وصفها والد عواودة بأنها صعبة.
وأضاف: "كانت صدمة؛ شكله صادم، رجله مثل الأنبوب، وجسده هيكل عظمي، لكن الحمد لله معنوياته عالية، هذه أول زيارة لبناته منذ اعتقاله، كان مشهداً مؤثراً جداً حين حضنهن". وكان لدى والد خليل كما يقول، تصور مسبق عن وضع ابنه لكن ما رآه فاق كل تصور. "يبدو أن المحامين كانوا يخفون عنا وضعه الحقيقي، والحقيقة كانت مذهلة".
ويقول أبو رياض إن الخوف على حال ابنه أكبر من الأمل بسبب وضعه الصحي. ويشير إلى أنه كوالد أسير مضرب لم ينم خلال 45 يوماً مضت سوى 40 ساعة، إذ يظل مستيقظاً خشية إعلان استشهاد ابنه.
وكانت العائلة قد حصلت على تقارير طبية قدمت لمحكمة الاحتلال العليا، التي رفضت الإفراج عنه خلال جلستها الأحد الماضي، تشير إلى احتمال استشهاده المفاجئ. واستطاعت زوجة عواودة زيارته في 13 أغسطس/آب الجاري، أي قبل اتخاذ جيش الاحتلال قرار ما يسمى بتجميد الاعتقال الإداري، ووصفته بأنه هيكل عظمي.
وكان قرار تجميد الاعتقال الإداري صدر عن القائد العسكري الإسرائيلي في 19 الشهر الجاري. لكن هذا القرار يعني فقط إزالة القيود عن أيدي وأرجل خليل (فهو كما يؤكد والده كان مكبلاً بيد ورجل بالسرير طوال فترة مكوثه بالمستشفى رغم عدم قدرته على الحركة)، ويعني كذلك السماح له بالاتصال بذويه وتلقي الزيارات في المستشفى، من دون السماح له بمغادرته. فأي محاولة للمغادرة تعني إعادة تفعيل الاعتقال وتحسن وضعه الصحي يعني إعادة اعتقاله أيضاً.
واعتقلت قوات الاحتلال العواودة في 27 ديسمبر/كانون الأول 2021، وصدر بحقه قرار اعتقال إداري بلا تهمة أو محاكمة لمدة ستة أشهر. وفي 3 مارس/آذار الماضي، أعلن خليل الإضراب عن الطعام رفضاً لاعتقاله الإداري، إلى أن علّق إضرابه بعد مضي 111 يوماً، بعد تلقيه وعوداً بالإفراج عنه ليتم تجديد الاعتقال بعد يومين فقط، وليعود للإضراب في الثاني من يوليو/تموز الماضي.
وأخذت قضية العواودة بعداً آخر بعد طرح الإفراج عنه كأحد شروط حركة الجهاد الإسلامي لوقف إطلاق النار إثر العدوان الأخير على قطاع غزة، بالإضافة إلى مطلب الإفراج عن القيادي في الحركة بسام السعدي، وتعهدت مصر بالعمل على الإفراج عنهما، لكن حتى اللحظة تبقى القضية تراوح مكانها.