باتت الحقيقة المأساوية للاتجار بالبشر أكثر وضوحاً مع بداية الحرب الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، ويبدو جلياً استغلال العمال والنساء والأطفال الذين فروا من ديارهم بسبب الأزمات والحروب والفقر، خصوصاً من أوكرانيا التي أوجدت الحرب فيها أكبر حركة لجوء إلى أوروبا منذ عام 1945.
وأمام هذا الواقع، تدق الأمينة العامة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبية هيلغا ماريا شميد ناقوس الخطر، وتؤكد في حديث أدلت به لصحيفة "دي فيلت" الألمانية أخيراً أن "المأزق في قضايا الاتجار بالبشر عميق فعلاً، ونسبة عمليات البحث العالمية عبر الإنترنت عن الخدمات الجنسية والصور الإباحية للنساء والأطفال الأوكرانيين ارتفعت بنسبة 600 في المائة منذ بدء الغزو الروسي لبلدهم".
وتشير إلى تعرض ضحايا الجرائم الجنسية لإغراءات عبر شبكة الإنترنت تتضمن وعوداً كاذبة، أو إلى إساءات في أماكن إقامتهم بالبلدان التي تستضيفهم، وكذلك إلى استهداف مباشر من مهربي البشر السريين على الحدود. وأصحاب الجريمة المنظمة هم المتورطون غالباً في عمليات تهريب البشر التي تحصل من خلال لقائهم لاجئين يحتاجون إلى مساعدة لكسب المال في ظل مواجهتهم مشاكل اقتصادية، وعدم تحدثهم في شكل جيد لغة البلد الجديد الذي قصدوه، ومعاناتهم من صدمات الحرب.
وخلال جلسة عقدها البرلمان الأوروبي، قالت نائبة مدير هيئة الأمم المتحدة للمرأة في أوروبا، جو آنه بيشوب، إن "65 في المائة من عمليات الاتجار بالبشر تشمل نساء. وهن ممن يواجهن مصاعب اقتصادية وانعدام الأمان على جميع الصعد، وذلك لغرض الاستغلال الجنسي. والأوكرانيات تحديداً معرضات لمخاطر كبيرة تقودهن في نهاية المطاف إلى الوقوع في فخ شبكات الدعارة. وهذه المخاطر تتفاقم بسبب زيادة المتاجرين بالبشر عمليات التجنيد عبر منصات الإنترنت.
وتقدر شميد "وقوع بين 25 و27 مليون شخص ضحايا الاتجار بالبشر سنوياً، في حين لا تكشف سلطات تنفيذ القانون إلا 10 آلاف حالة سنوياً، ما لا يسمح بالتعرف إلا على أقل من واحد في المائة من الضحايا، وبالتالي إفلات عدد كبير من مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر من العقاب".
وتؤكد شميد أن الأرباح السنوية من الاتجار بالبشر تضاعفت خمس مرات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، وصولاً إلى 150 مليون دولار سنوياً.
وتشارك منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في حملة "كن بأمان" التي تهدف إلى تحذير الناس من ممارسات الاتجار بالبشر قبل مغادرتهم بلدهم، وتوفر خطاً ساخناً لهم. وهي تعمل مع دول مجاورة لأوكرانيا لرفع نسبة الوعي في هذه القضايا.
وتفيد المنظمة بأن "الحالات المرصودة تعكس إضافة إلى الاستغلال الجنسي، ارتكاب الجرائم والتسول القسري اي بالإكراه والزواج الوهمي".
وتكشف أحدث أرقام أصدرتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ونشرتها مواقع عدة بينها "أوراكتيف"، أن 80 في المائة ممن فروا من أوكرانيا هم نساء.
روسيا "المهمة"
وفي خضم ذلك، تطالب تعليقات في ألمانيا باتخاذ إجراءات صارمة ضد المتاجرين بالبشر، معتبرة أن العقوبات خفيفة نسبياً في العديد من الدول الأوروبية، وكذلك تدابير تأمين الحماية الوقائية للشهود، لا سيما في ظل المعلومات عن تأجير أماكن لأفراد في وكالات تقديم الخدمات الجنسية أو القوادين، علماً أن تقارير للشرطة تحدثت سابقاً عن تعمد رجال كثيرين يبحثون عن "علاقات" الترحيب بنساء وشابات وصلن إلى محطة القطار في برلين من أجل اصطحابهم الى بيوتهم.
التكنولوجيا "المسهلة"
وكان مشرعون في الاتحاد الأوروبي ومنظمات غير حكومية والمجتمع المدني حذروا خلال محادثات عقدها البرلمان الأوروبي أخيراً من الاستغلال المتزايد للأوكرانيين، ومن أن الحرب زادت الوضع سوءاً.
ويقول فالينت ريشاي من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن "قانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي الذي يعيد تنظيم المجال الرقمي ويكافح المحتوى غير القانوني والمعلومات المضللة لا يذكر الاتجار بالبشر، علماً أن النصوص لا تغطي السيناريوهات الحالية فيما تسهّل التكنولوجيا الطلب".
حيَل لآسيويات
في قلب المعركة
وتعرض بعثة العدالة الدولية في ألمانيا لأمثلة الاتجار بالبشر في مصانع طوب تتواجد في جنوب آسيا أو شركات للصيد في تايلاند أو بيوت دعارة في أوروبا، وتشدد على أنه "موجود في كل مكان، لكن لا يجب أن يبقى مصيره غير قابل للتغيير".
وعموماً تصف الأمم المتحدة الاتجار بالأشخاص بانه "جريمة خطيرة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان يمس الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الذين يقعون فريسة في أيدي المتاجرين سواء في بلدانهم أو خارجها. وتتيح اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها، مساعدة الدول في جهودها الرامية إلى تنفيذ بروتوكول منع الاتجار بالبشر ومعاقبة المتاجرين بالأشخاص.