قبل أشهر، وضعت المصرية ريهام مصطفى طفلها الثالث بعدما خضعت لعملية قيصرية (إجراء جراحي يُستخدم لتوليد الجنين من خلال شق في البطن والرحم) في أحد المستشفيات الخاصة في منطقة المعادي جنوبي القاهرة. اختارت الولادة القيصرية للمرة الثالثة على التوالي بإرادتها. تقول: "أخشى آلام الولادة الطبيعية بشدة". وتشير إلى أنّ قرار الولادة القيصرية أسهل وأفضل بالنسبة لها، إلّا أنّ هذا لا يلغي أوجاع ما بعد الولادة بسبب الجرح، ويزداد الألم مع الرضاعة الطبيعية، ومع كلّ حركة تضغط فيها على عضلات البطن لفترة قد تمتد إلى أسابيع عدة، على الرغم من إدراكها أنّ آلام الولادة الطبيعية قد تدوم لساعات قليلة.
كثيرات هن النساء اللواتي يخترن الولادة القيصرية، والنسبة إلى ارتفاع. في الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري، أصدر وزير الصحة والسكان المصري خالد عبد الغفار توجيهات للحد من عمليات الولادة القيصرية غير المبررة في مقابل تشجيع الولادة الطبيعية. وجاء قرار الوزير في إطار ما وصفه بـ "الحفاظ على صحة الأم والجنين والارتقاء بالصحة العامة للمواطنين"، وخصوصاً بعدما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الأخيرة ارتفاع نسب عمليات الولادة القيصرية.
وتقول منظمة الصحة العالمية إنّه منذ عام 1985، نظر مجتمع الرعاية الصحية إلى "المعدل المثالي" لعمليات الولادة القيصرية وكان ما بين 10 و15 في المائة. وتكشف دراسات أنّه عندما تصل معدلات العمليات القيصرية إلى 10 في المائة من عدد السكان، فإنّ عدد وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة ينخفض.
وأوضح عبد الغفار أن التوجيهات الصادرة عن الوزارة للحد من عمليات الولادة القيصرية غير الضرورية، هدفها تخفيف النتائج السلبية وتعريض الأم للخطر منها إصابة المشيمة الملتصقة (أحد أمراض الحمل الخطيرة التي تحدث عند نمو الـمَشيمة بتعمق زائد داخل جدار الرحم)، أو استئصال الرحم أثناء الولادة، والنزيف الحاد، عدا عن المضاعفات التي قد يتعرض لها الطفل.
وبحسب بيان الوزارة، تشمل الإجراءات مساواة أجور الأطباء سواء أجروا عملية ولادة طبيعية أو قيصرية، وتخصيص حوافز مالية للفريق الطبي الذي يجري نسبا مرتفعة من عمليات الولادة الطبيعية، وتنظيم تدريبات دورية للفرق الطبية أثناء جمع المعلومات الصحية والبيانات الروتينية عن الولادات القيصرية لتحليل أسبابها، وإلزام جميع المستشفيات الخاصة والحكومية العمل بالدلائل الإرشادية المتعلقة بأسباب وضوابط اللجوء للولادة القيصرية.
الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أظهرت ارتفاعاً في نسب الولادات القيصرية في مصر. وتشير نتائج المسح السكاني للأسرة المصرية التي أعلنها الجهاز في أواخر أغسطس/ آب الماضي، إلى أن ثلاثا من بين كل أربع نساء (72 في المائة) خضعن لولادة قيصرية. وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن نسبة الولادة القيصرية وصلت إلى 84 في المائة في الوجه البحري في مقابل 70.6 في المائة، وكذلك في الوجه القبلي لتصل إلى 76 في المائة، في مقابل 50.2 في المائة في مسح 2014. وكانت النسبة أقل في محافظات الحدود (53 في المائة).
وتعد كلفة عمليات الولادة القيصرية مرتفعة وتزيد عن عمليات الولادة الطبيعية بحوالي أربعة أضعاف في معظم المستشفيات، وترتفع أكثر في المستشفيات الخاصة. ويكشف المسح الصحي الصادر عن وزارة الصحة والسكان المصرية عام 2018 أن الكلفة العامة للولادات القيصرية وصلت إلى 14.5 مليار جنيه (نحو 750 مليون دولار أميركي) في وقت لم تتجاوز كلفة الولادة الطبيعية 3.7 مليارات جنيه (نحو 191 ألف دولار). بالإضافة إلى الكلفة المادية المرتفعة، هناك المخاطر الصحية التي قد تترتب عن الولادة القيصرية.
من جهة أخرى، ترى حقوقيات ونسويات أن عملية الولادة القيصرية هي "تحكم في أجساد النساء"، وتعد "نوعاً من أنواع العنف ضد المرأة إذا تم إجراؤها من دون دواع طبية لأسباب تتعلق بتوفير الوقت أو السهولة أو زيادة الربح".
مؤخّراً، زاد الوعي حول مخاطر الولادة القيصرية غير الضرورية، وكثرت حملات التوعية على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينها مبادرة "أوقفوا الجراحات القيصرية غير الضرورية". كما أطلقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات حملة في مارس/ آذار الماضي تحت بشعار "هنّ" في إطار فعاليات شهر المرأة. ونشرت الحملة ورقة حملت عنوان "فوضى الولادة القيصرية في مصر" وخطورتها على الأم والجنين. وأشارت إلى أنه في مصر، غالباً ما لا يتم إبلاغ النساء مسبقاً بخضوعهن لعملية ولادة قيصرية، على الرغم من ضرورة إبلاغ الحامل بوضعها الصحي وتعريفها بالولادة القيصرية والمخاطر المحتملة التي قد تواجهها. كما أفادت الحملة من خلال الورقة التي حملت عنوان "فوضى الولادة القيصرية في مصر"، بأن إخفاء الأمر عن الحامل عمل غير أخلاقي ومخالف للائحة آداب وميثاق شرف مهنة الطب البشري الصادرة عن نقابة الأطباء والمعتمدة بقرار من وزير الصحة والسكان.
يشار إلى أن المخاطر الناتجة عن الولادة القيصرية تتمثل في احتمالية عدوى ببطانة الرحم (التهاب بطانة الرحم)، ونزيف فترة النفاس (خلال الولادة القيصرية وبعدها)، والتفاعلات تجاه المخدر (يمكن حدوث تفاعلات ضارّة مع أي نوع من أنواع المخدر)، والجلطات الدموية التي قد تزيد وخصوصاً بالساقين أو أعضاء الجسم بمنطقة الحوض (تخثر الأوردة العميقة). وإذا انتقلت جلطة دموية إلى الرئتين وأدت إلى انسداد تيار الدم (الانصمام الرئوي)، فقد يكون هذا الضرر مهدداً للحياة. أما الجنين، فقد يعاني من مشاكل في التنفس ومشاكل صحية أخرى، وقد يتأثر بالتخدير خلال الولادة القيصرية مما يجعله غير نشيط بعد الولادة، وقد يصاب الطفل بالضرر أثناء الجراحة.