اللغة الصينية... رموز تواصل مكانها التاريخ

25 يناير 2022
الأجيال الجديدة تفهم بصعوبة رموز الحروف الصينية (Getty)
+ الخط -

يمر أشخاص كُثر مرور الكرام على المفردات الصينية التي قد يصادفونها في حياتهم اليومية من خلال منتج أو إعلان دعائي أو فيلم سينمائي. تبدو الرموز معقدة جداً ويصعب فهمها على من لا يجيد اللغة الصينية التي لا تحتوي على حروف أبجدية حقيقية، فهي لغة نغمية تتألف من مجموعة رموز ومصطلحات تحاكي معاني الكلمات وأشياء موجودة في الحياة والطبيعة. وقد لا يرتبط شكل الرمز دائماً بمعنى محدد، بل يتوقف ذلك على طريقة لفظه، علماً أن كل كلمة تحتمل النطق بأربع حركات، ما ينتج عدداً كبيراً من الكلمات المتجانسة التي تتوافق ظاهرياً في الشكل وتتشابه أحياناً في النطق، لكنّها تختلف في المعنى والدلالة.
تاريخياً، تعود أولى الوثائق التي ظهرت فيها اللغة الصينية المكتوبة إلى سلالة شانغ عام 1250 قبل الميلاد، وتشمل نقوشاً على عظام وجلود الحيوانات تتضمن رموزاً معقّدة أقرب إلى الرسومات التصويرية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

تعرضت اللغة الصينية على مدار الحقبات الزمنية التي مرت بها البلاد لتغيرات كثيرة، بسبب الانقسامات الجغرافية والتاريخية. ففي فترة الممالك المتحاربة، استخدمت كل مملكة لغة خاصة بأهلها، رغم أنها تتفرع كلها من جذر واحد. وحين وحّد الملك تشين شي هوانغ الممالك وأنشأ أول إمبراطورية صينية عام 221 قبل الميلاد، اعتمدت الصينية التقليدية لغة مشتركة لسكان الإمبراطورية. وفي عهد أسرة تشينغ (1644 إلى 1912)، وهي آخر السلالات الحاكمة، اعتمدت الماندرين (الصينية الفصحى)، لغة وطنية موحّدة للسكان، والتي يتحدث بها اليوم 1.2 مليار شخص (يوجد حوالي 200 مليون صيني لا يجيدون لغة الماندرين ويتحدثون بلهجات محلية).

128 لغة
يوضح أستاذ الصوتيات في كلية الآداب بجامعة قوانغ دونغ، لو شوانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الصين تملك 56 قومية تتحدث كل منها لغة خاصة. ويبلغ مجموع اللغات المحكية 128، منها 9 رائجة، في مقدمها الماندرين والكانتونية التي يتحدث بها سكان هونغ كونغ وتايوان وجنوب الصين".
ويشرح أن الأجيال الجديدة تواجه صعوبة في فهم الرموز وأشكال الأحرف الصينية، كونها لا صلة لها بالأبجدية وتخضع لاعتبارات وأسس لا تتماشى مع روح العصر الحديث. ويوضح أن الصينيين القدماء استخدموا الرموز كوسيلة اتصال مكتوبة، في وقت لم تكن فيه لغات التواصل بين البشر متطورة كما اليوم.
ويلفت إلى أن تحويل الرموز إلى لغة صوتية جاء في مرحلة متأخرة، تحديداً في القرن الثاني قبل الميلاد. ونظراً إلى تشابه الرموز، تم التفريق بينها لفظياً باستخدام تسع حركات (تشبه الضم والفتح والكسر في اللغة العربية)، ما أضفى صعوبة على اللغة الصينية على صعيدي النطق والكتابة.

كلمات صينية عدة تتشارك بلفظ واحد (سيمونا غراناتي/ Getty)
كلمات صينية عدة تتشارك بلفظ واحد (سيمونا غراناتي/ Getty)

ويشير لو إلى أن اللغة الصينية ربما تكون اللغة الوحيدة في العالم التي لا تزال تعتمد حتى اليوم على رموز تعبيرية، في وقت بات هذا النوع من الكتابة الذي يشبه اللغة الهيروغليفية، تراثاً عالمياً مكانه المتاحف وسجلات التاريخ.

عامان لتمييز الكلمات
وقد شهد العقد الماضي إقبالاً كبيراً من الطلاب الأجانب على تعلم اللغة الصينية التي تعتبر ضمن قائمة اللغات الأجنبية الأكثر تداولاً في الدول الغربية. وعزا مراقبون ذلك إلى انتشار معاهد اللغة الصينية في أنحاء العالم، واتساع نفوذ الصين وصعودها اللافت كقوة اقتصادية وتكنولوجية بارزة.
تقول الطالبة الأردنية ياسمين جاموس، التي تدرس العلوم الديبلوماسية في جامعة الشعب بالعاصمة بكين، لـ"العربي الجديد": "مثل اختياري دراسة اللغة الصينة تحدياً كبيراً بالنسبة لي. الكتابة من أصعب جوانب الدراسة، إذ تتكون اللغة الصينية من مقاطع وليس من حروف، وقد تضم الكلمة مقطعاً أو أكثر، إضافة إلى طريقة تشكيل أو رسم قد تكون من الأعلى إلى الأسفل، أو من اليسار إلى اليمين، أو من الخارج إلى الداخل. وترتبط غالبية أشكال المقاطع الصينية بمعناها الضمني، ما يجعل نسبة كبيرة من دارسي اللغة يتقنونها لفظياً ويتجاهلونها كتابياً".
تضيف: "أما الجانب الثاني الذي يلعب دوراً كبيراً في تنفير الطلاب من دراسة اللغة الصينية، فهو الحركات، حيث تشترك عدة كلمات في لفظ واحد، لكن لكل كلمة حركة مختلفة عن الأخرى، ما يؤدي إلى اختلاف كبير في المعنى. وجعلني ذلك أستغرق عامين كاملين لتمييز معاني الكلمات ذات اللفظ المتشابه باختلاف الحركة".
وتشير ياسمين إلى أن أسهل ما في اللغة الصينية خلوها من القواعد، بخلاف اللغات الأخرى، ما يسهّل تكوين جملة، ويجعل الطالب يتقبل اللغة ويتشجع لدرسها.

يشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للثقافة (يونيسكو)، اعتمدت عام 2010 تاريخ 20 إبريل/ نيسان من كل عام يوماً عالمياً للاحتفال باللغة الصينية إلى جانب خمس لغات رسمية أخرى، هي العربية والإنكليزية والفرنسية والروسية والإسبانية.

المساهمون