المغرب: اقتناص لحظات فرح عيد الفطر بعادات متوارثة
- الطقوس تعكس روح الفرح والبهجة، وتعزز من روح التآلف والمشاركة بين أفراد الأسرة والجيران، مع مراعاة الظروف الاقتصادية في اختيار الحلويات والألبسة.
- تقليد "حق الملح" يبرز الفخر بالتراث الثقافي والهوية المغربية، حيث يقدم الأزواج هدايا لزوجاتهم تقديراً لجهودهن خلال رمضان، مؤكدين على أهمية الاعتراف والتقدير أكثر من القيمة المادية للهدية.
يستقبل المغاربة عيد الفطر باستعدادات تبدأ بحلول الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، وبعادات وتقاليد كثيرة مألوفة لديهم وترافق حياتهم منذ أجيال. ورغم أن هذه العادات والتقاليد تختلف بين منطقة وأخرى، يتمثل القاسم المشترك بينها ببثّ الفرح وإدخال البهجة إلى قلوب الصغار والكبار.
ورغم ظروف المعيشة الصعبة التي تلقي بظلالها على العديد من الأسر المغربية، لم تغب استعداداتها لاستقبال عيد الفطر أو "العيد الصغير" هذا العام، وحرصت كل منها، بحسب وضعها الاجتماعي، على استباق حلول العيد من خلال تنفيذ طقوس مميزة وعادات متوارثة شملت تنظيف البيوت وتجهيزها لاستقبال الأهل والضيوف، وتحضير الحلويات، وشراء الألبسة التقليدية وملابس العيد للأطفال.
تقول فاطمة الزهراء الزاهيدي، وهي موظفة، لـ"العربي الجديد": "بدأت شخصياً تحضيرات العيد في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان بتنظيف البيت بالكامل، وترتيب محتوياته وأثاثه وتعطيره بالبخور كي يبدو أجمل لدى استقبال الأقارب والضيوف للتهنئة بالمناسبة. وهذه العادة متجذرة لدى الأسر المغربية، وخصوصاً الفئات الاجتماعية الشعبية والمتوسطة لاستقبال العيد". أيضاً من العادات الراسخة لدى المغربيات في استقبال العيد تزيين أيديهن بنقوش الحناء، وتحضير حلويات تقليدية في البيوت في شكل جماعي أو فردي.
وتتحدث فاطمة عن أن تحضير الحلويات التقليدية جزء من طقوس استقبال المغاربة عيد الفطر، إذ لا تخلو مائدة الإفطار أيام العيد من أصنافها. وتوضح أنه "أمام التفاوت الكبير في الأسعار بين أنواع الحلويات، وهو ما نلاحظه مثلاً في سعر
كيلوغرام الصابلي (نوع من الحلويات) البالغ 80 درهماً (8 دولارات) وكيلوغرام الحلوى المصنوعة من اللوز 150 درهماً (15 دولاراً)، ارتأيت أن يقتصر الأمر هذه السنة على تحضير الصابلي في المنزل جراء غلاء المعيشة وارتفاع أسعار مكونات تصنيع حلوى اللوز".
ومن أشهر الحلويات المغربية التقليدية "كعب غزال" و"غريبة "و"الفقاص" و"المحنشة" التي تحظى بإقبال كبير خلال الأعياد والمناسبات الدينية والاحتفالات الجماعية.
ولا تقتصر عادات المغاربة في استقبال عيد الفطر على تنظيف البيوت وصنع الحلويات، بل تشمل أيضاً اقتناء ملابس تقليدية وتلك الخاصة بالعيد للأطفال، فهي توفر فرحة مختلفة يحرص الأهل على نشرها بحسب القدرات المادية المتوافرة.
وفي سوق الصالحين بمدينة سلا القريبة من العاصمة المغربية الرباط زاد الإقبال قبل أيام على محلات بيع وخياطة الملابس التقليدية الخاصة بالنساء والرجال والأطفال مثل "الجلابة" و"القفطان" و"الجبادور" و"الكندورة".
ويقول سليمان الفايز، وهو تاجر ملابس تقليدية في سوق الصالحين، لـ"العربي الجديد": "تشهد السنة الحالية إقبالاً ملحوظاً على الأزياء التقليدية بخلاف ما كان عليه الأمر في السنوات الثلاث الماضية، علماً أن فرحة العيد لا تكتمل لدى عدد كبير من المغاربة من دون شراء ألبسة تقليدية خاصة بالمناسبة".
يتابع في حديث لـ"العربي الجديد": "يحرص المغاربة خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان على اقتناء ما يحتاجونه من أزياء وألبسة تقليدية مثل الجلابة (الجلباب) والغندورة والجبادور والبلغة لهم ولأبنائهم من أجل استقبال العيد بأبهى حلّة. كذلك تقبل المغربيات على اقتناء الجلابة والقفطان والتكشيطة والفراشة والشربيل".
ويلفت إلى أن المغاربة يفتخرون جداً بلباسهم التقليدي، فيحرصون على ارتدائه في أهم المناسبات في حياتهم، لذا يُسجل مع اقتراب موعد العيد إقبال كبير على الأزياء التقليدية الجاهزة، ويزداد الطلب على الخياطين.
من جهة أخرى، ترتبط أيام ما قبل العيد بعادة تنفيذ أزواج "حق الملح" عبر جلب هدية يقدمونها إلى زوجاتهم بعد صلاة العيد تقديراً للجهود التي بذلنها خلال شهر رمضان من أجل تلبية احتياجات الأسرة.
ويقول المتقاعد محمد السليماني لـ"العربي الجديد": "أكتفي منذ نحو سبع سنوات بالتوجه قبل أيام قليلة من حلول العيد إلى المتاجر الكبرى والأسواق لشراء ملابس أو عطر أهديها إلى زوجتي بدلاً من الحلي الذهبية في صباح العيد، وذلك للحفاظ على عادة متوارثة، وللاعتراف بما تكابده من تعب ومشقة في شهر الصيام. والأساس هو الاعتراف بحسنات ما فعلته زوجتي طوال شهر رمضان المبارك، علماً أن نوعية الهدية ليست الأهم، بل مبادرة جلبها وتقديمها لها". يتابع: "بدأت عادة حق الملح تتراجع جراء التغيّرات والتحوّلات في المجتمع، والظروف الصعبة التي يواجهها عدد من الأزواج الذين يجب أن يلبوا الكثير من مطالب الأسرة من ملابس جديدة وحلويات وباقي تكاليف الحياة".
وبينما يصرّ المغاربة هذا العام على الحفاظ على أكبر قدر من طقوس العيد، يُلقي العدوان الإسرائيلي بظلاله على حياة العديد من المواطنين، ويجعلهم لا يشعرون بالفرحة المعتادة في مواكبة تحضيرات العيد، وأحدهم إبراهيم السعدي، وهو موظف في الـ48 من العمر، الذي يقول لـ"العربي الجديد": "فرحة هذا العام منقوصة. قلوبنا وعقولنا مع أهل غزة، فكيف نحتفل في وقت يموت أشقاؤنا وأطفالهم وتجري إبادتهم على مرأى ومسمع العالم؟".