تتسبّب قلة فرص العمل وحركة النزوح المتكرر في أزمة انتشار البطالة في الشمال السوري، لكنّ شبّاناً كثيرين من أبناء المنطقة يحاولون مواجهة البطالة وإيجاد فرص عمل والتشبّث بها، خصوصاً هؤلاء الذين يرفضون فكرة المغادرة واللجوء إلى بلدان أخرى.
عمر الدياب ثلاثيني مهجّر من ريف حمص الشمالي مع عائلته، يشدّد بحديثه لـ"العربي الجديد" على رفضه البقاء بلا عمل. ويقول: "هُجّرت في عام 2018 ووصلت إلى إدلب مع أشقائي وأمي حيث بقينا لمدّة من الزمن في مركز للإيواء. لم أكن حينها أعلم ماذا أفعل وأين أجد عملاً، وبقيت لمدّة على هذه الحال. وبعد الاستقرار نوعاً ما في مخيّم قريب من بلدة مشهد روحين، عملت في مجالات مختلفة قبل أن أعثر على عمل في مجال تخصصي، أي صناعة الحلويات، في منطقة عفرين. الأمر كان مفرحاً بالنسبة إليّ، فالبقاء عاطلاً من العمل أمر لا أحتمله". واليوم يُعدّ عمر نفسه "مستقراً" في عمله، ويزور أهله في خلال إجازاته التي ترتبط عادة بضغط العمل. يضيف عمر: "ثمّة أولوية بالنسبة إليّ كشاب من أجل الحفاظ على عملي والاستمرار به، خصوصاً في المنطقة حيص أعيش، كون الحصول على عمل بدخل ثابت إلى حدّ ما أمراً مهماً". ويتابع: "في الوقت الحالي أنا عازب، وفي حال بقي عملي مستقراً قد أفكّر في الزواج، لكن التحديات كثيرة أمامي".
وقد أوجد تشييد المخيمات والحركة العمرانية في المنطقة فرص عمل للشبّان، تتيح لهم الاستمرار في إعالة أسرهم كما أزاحت عنهم ضغوطات كثيرة يسبّبها البقاء من دون عمل ومن دون مصدر دخل. وائل الثلاثيني من هؤلاء المستفيدين، وهو مهجّر من ريف حمص الشمالي كذلك ويعمل في مجال البناء. يقول لـ"العربي الجديد": "أنا أتقن اللياسة، لكنّني بقيت لمدّة من دون عمل بعدما وصلت إلى ريف إدلب الشمالي. وصرت أعتمد على ما تقدّمه المنظمات الإنسانية. وعندما أدركت وضعي وطبيعة المنطقة حيث أقيم، بدأت أعود تدريجياً إلى مهنتي". ويوضح وائل أنّه "في عام 2019، بدأت مشاريع بناء المخيمات وهذا وفّر لي فرص عمل عدّة، ويشاركني اليوم شقيقي وبعض الأصدقاء عملي عند توفّر ورشة ما. وما نتقاضاه لقاء عملنا جيّد ويُبعد عنّا شبح الفقر والبطالة وكذلك انتظار سلّة مساعدات قد تقدّمها لنا المنظمات". ويتابع وائل: "لم أتمكّن من إتمام تعليمي، لكنّني أجد مهنتي جيّدة، وهي مصدر عيشي ولن أتخلّى عنها وألازم المخيم".
ومن بين الحلول المقدّمة لمواجهة البطالة في مناطق الشمال السوري، التوجّه إلى التعليم المهني الذي أطلقت منظمات وجهات إنسانية مشاريع داعمة له. ومن هذه المشاريع تعليم الحلاقة وصيانة أجهزة الهواتف الخلوية، فيما يلجأ بعض الشبّان إلى ممارسة مهن معيّنة متوارثة عائلياً، مثل البناء وتبليط الأرضيات.
وفي هذا الإطار، يقول محمد الخضر النازح من ريف معرة النعمان الشرقي لـ"العربي الجديد" إنّه "بعد النزوح، لم يكن لنا معيل سوى والدي. وفي ظلّ عدم قدرتي على مواصلة التعليم، بدأت العمل في مجال تبليط الأرضيات معه. تعلّمت المهنة وأتقنتها، واليوم بعد بلوغي 24 عاماً، أساعد عائلتي ووالدي. وهذا الأمر جيّد بالنسبة إليّ، ويبعث الثقة في نفسي". يضيف أنّ "البقاء في المنزل عاطلاً من العمل وغير قادر على متابعة الدراسة في الوضع الصعب الذي نعيشه ليس خياراً، والعمل هو الحلّ، والمهنة في الحقيقة تقي من الفقر".
في هذا السياق، يقول الباحث أسامة عبد الهادي لـ"العربي الجديد" إنّ من "أسباب البطالة في مناطق شمال غربي سورية، خسارة أراض زراعية واسعة وحركة نزوح متكررة شهدتها المنطقة إلى جانب عدد السكان الكبير الذي قلّص فرص الحصول على عمل. يُضاف إلى ذلك عدم تركيز جهود المنظمات الدولية والمحلية على المشاريع التنموية بالدرجة الأولى، التي توفّر كذلك فرص عمل للأهالي والنازحين على حدّ سواء". ويقترح عبد الهادي حلولاً منها "التوجّه إلى التعليم المهني ودعم المشاريع الخاصة في هذا المجال، بالإضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة كالبقالة وتربية المواشي وغيرهما من مشاريع من شأنها تشغيل الشبّان وتوفير فرص عمل لهم".
ووفقا لدراسة صدرت عن وحدة تنسيق الدعم في إبريل/ نيسان 2021، فإنّ نسبة العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و45 عاماً بلغت 57 في المائة للذكور في محافظة إدلب، أمّا نسبة الإناث العاملات فقد بلغت 24 في المائة. أمّّا نسبة غير العاملين من الذكور فبلغت 43 في المائة ومن الإناث 76 بالمائة. وفي مناطق شمالي حلب والرقة والحسكة، بلغت نسبة العاملين من الذكور 60 في المائة ومن الإناث 31 في المائة، أمّا نسبة غير العاملين من الذكور فبلغت 40 في المائة ومن الإناث 69 في المائة. وأظهرت الدراسة نفسها أنّ قطاع التعليم يوفّر المصدر الأول للدخل والعمل بنسبة تسعة في المائة في مناطق شمال غربي سورية، وبنسبة مماثلة يوفّرها العمل في إطار المنظمات الإنسانية، فيما بلغت نسبة الدخل من المهن اليدوية كالحلاقة والخياطة وتصليح الأحذية والآلات وأعمال المياومة والقطاع الصحي والتجارة الصغيرة ثمانية في المائة.
من جهته، أفاد فريق "منسقو استجابة سورية" في خلال استبيان أعدّه ونشر نتائجه في فبراير/ شباط 2021، بأنّ نسبة العاطلين من العمل في مناطق شمال غربي سورية بلغت 89 في المائة. وهي نسبة غير مفاجئة بحسب الفريق، في المنطقة التي تُعَدّ من أفقر المناطق وتواجه أزمات وتهديدات مستمرة، علماً أنّ نحو 11 في المائة فقط من الذين شملهم الاستبيان يعملون، والأوفر حظاً بفرص العمل هم الذين تجاوزت أعمارهم 35 عاماً.