تركيا: كورونا يغيّر العادات الرمضانية... سرقة بهجة سلطان الشهور
كما بقية دول العالم، استقبل المسلمون في تركيا رمضان هذا العام وسط إجراءات احترازية مشددة، نظراً للارتفاع المستمر بإصابات كورونا، ليبدّل الوباء عادات وتقاليد متوارثة منذ العهد العثماني
بدّل وباء كورونا طقوس الأتراك وعاداتهم الرمضانية، أكانت تلك التي تتطلب الخروج من المنازل للعبادة والاحتفال بالمساجد، بعد تزيينها، أم العادات التي تُتبع داخل المنازل كالزيارات والإفطارات المشتركة. وأثرت الأرقام المتزايدة لإصابات كورونا على العادات المنزلية، ليتحول شهر "السلطان" كما يسميه الأتراك، إلى ما يشبه بقية أشهر السنة بعد تسجيل نحو 60 ألف إصابة يومياً.
وجاءت تعليمات وزارة الداخلية التركية، المتعلقة بإجراءات شهر رمضان، لتزيد من "سرقة بهجة سلطان الشهور" كما تقول السبعينية تفيدة جاكال من حيّ الفاتح باسطنبول، لافتة إلى أنّ "بعض العادات العثمانية في شهر رمضان عادت خلال العقد الماضي مثل نثر العطور والبخور داخل المنازل وعلى الأبواب وتزيين المآذن والإفطار الجماعي، لكن مع انتشار فيروس كورونا، تلاشت تلك العادات بما فيها المرتبطة بالبيوت، سواء الدعوات العائلية، أو خروج الأسر للساحات والحدائق لتناول وجبات الإفطار والسحور".
وعن أقدم العادات المنزلية، تروي جاكال كيف كانت الزوجات يستقبلن أزواجهن بعد عودتهم من أول صلاة تراويح، بتعطير المنزل ووضع البخور أمام باب البيت. كما كانت النساء يجهزن قبل شهر الصوم، مختلف أنواع العصائر وبعض الحلويات المنزلية. ومن العادات الرمضانية القديمة في تركيا، طلب الرجل الصفح من زوجته، في بداية شهر رمضان، إذ يقدم لها هدية ثمينة، كقطعة ذهب مثلاً، لتصفح عن أخطائه، فتردّ الهدية بسوار أو خاتم من الفضة.
وعكّرت الإجراءات الاحترازية الأخيرة من بهجة رمضان، إذ منعت إقامة جميع الفعاليات وخيام الإفطار، في المنازل وخارجها، وتركزت الإعلانات وبرامج التوعية، على عدم استقبال الضيوف خلال الإفطار والسحور، وذلك بالتوازي مع منع رئاسة الشؤون الدينية إقامة صلاة التراويح. ولم تستثنِ التعليمات التركية، إيقاف الأفران قبل الإفطار والسحور بساعة.
والملفت، بحسب مشاهدات "العربي الجديد" خلال شهر رمضان الحالي، رفع الأذان، على الطريقة العثمانية بلا مكبرات صوت من أعلى المئذنة بجامع آيا صوفيا، وحضور عدد كبير من السياح، إلى ساحة السلطان أحمد بإسطنبول، حيث تتقابل آيا صوفيا مع الجامع الأزرق، أكبر وأعرق مساجد إسطنبول.
من جهته، يقول المتقاعد التركي أورجان جوشكون، لـ"العربي الجديد" إنّ "وباء كورونا غيّر كثيراً من عادات رمضان، لكن تبقى المسامحة وفعل الخير سمة عامة تشجع عليها الدولة. فخلال العامين الماضيين وبسبب توقف الإفطارات الجماعية اتجه المحسنون والمتبرعون إلى التنسيق مع المنظمات لتوزيع سلال طعام خاصة برمضان ومصاحف وألبسة، للفقراء". ويؤكد أنّ "ميزة تركيا هي تقبّل الجميع، فالمطاعم لا تغلق نهاراً، حتى تلك التي تقدم المشروبات الروحية، ولولا الوباء والإقفال العام، لرأيتم كيف يمارس الجميع معتقداتهم بحرية تامة".
ويحكي جوشكون قصة "المحيا" وهو تقليد عثماني قديم، عاد بقوة في السنوات الأخيرة ليكون مشتركاً بين مآذن المساجد الكبرى، عبر التزيين والكتابة بالأضواء، عبارات من قبيل "بسم الله الرحمن الرحيم، ما شاء الله، ليلة القدر، أهلاً بسلطان الشهور، رمضان شهر الإحسان". يعقب: "لكن، هذا العام، غاب المحيا عن معظم المآذن، علماً أنّ تزيين المآذن يكون قبل رمضان بشهر وأكثر".
وأوقف وباء كورونا عادات متأصلة في تركيا منذ العهد العثماني لم تعرف الجمهورية توقفاً لها من قبل، مثل قراءة القرآن وتحفيظه في المساجد على مدار الساعة خلال شهر رمضان، وصلاة التراويح، وتوزيع المعجنات والحلويات على المساجد وموائد الرحمن، وهي عادات عثمانية لإطعام المسافرين والضيوف والفقراء، عبر فتح ولائم بصحون الجوامع والساحات العامة، تكون ممولة من رجال الأعمال، أو البلديات، والجمعيات الخيرية.
وسيغيب أهم طقوس رمضان، وهو زيارة "جامع الخرقة الشريفة" (في النصف الثاني من شهر الصوم) وهو مسجد بمنطقة الفاتح في إسطنبول، يحتوي على البردة النبوية الشريفة التي جلبها السلطان سليم إلى تركيا عام 1516.
وحول المسحراتي الذي لم يغب هذا العام، يقول جوشكون: "سمح ببعض المسحراتية فقط. تراجع العدد خصوصاً بعدما انتشرت التكنولوجيا كما أنّ البلديات لم تمنح تصاريح كثيرة خلال العامين الماضيين لمزاولة مهنة المسحراتي"، خاتماً بأنّ الزمن تغير حتى قبل كورونا "فالنساء اللواتي كنّ يتفاخرن بصناعة الكنافة والسولاج وعاشوراء (حلويات)، صرن يشترين الحلويات الجاهزة لرمضان".