ارتبطت زياراتنا لمتحف التاريخ الطبيعي التابع لجامعة الخرطوم بالجلوس إلى من ربط بين مفردتي "زول"، التي تعني الإنسان السوداني البسيط، و"زولوجي"، أي علم الحيوان، سمير هاشم، نقتلع من بين لحظات صمته، وحركته بين الأقفاص والأوراق حكاياته مع حيوانات وطيور وحشرات المتحف، وقد باتوا أصدقاء له يحدثهم في هدوء، كما أنه يطلب منا ألا نزعجهم. يحكي عنهم مشيراً إلى أسمائهم، السلحفاة "مورو"، والأفعى "سابا"، والتمساح "أجاك"، وإلى الحيوانات والنباتات النادرة التي يحتويها المتحف.
أنشئ متحف التاريخ الطبيعي ليوثق الحياة البرية عام 1902، وفتحت أبوابه للجمهور عام 1933، ويعد من أهم متاحف التاريخ الطبيعي، حيث جُمعت العينات والنماذج من مختلف بقاع السودان، وأصبح واحداً من أقسام كلية العلوم بجامعة الخرطوم، حيث الاهتمام بمسألة البحث العلمي في ما يتعلق بعلم الحيوان والنبات وعلم الجيولوجيا. وإلى جانب إتاحة فرص التدريب العملي والتعرف إلى العينات الحيوانية والنباتية والجيولوجية النادرة للطلاب الدارسين، يشكل المتحف أحد مواقع الزيارات للأسر، ومؤسسات التعليم المختلفة، للتعرف إلى التنوّع الإحيائي.
بعد اندلاع الحرب، أطلقت مديرة المتحف سارة عبد الله مناشدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحماية مقتنياته عنونتها "وداعاً متحف التاريخ الطبيعي"، لتحكي عن خسارة حيوانات المتحف الحية، ومن بينها ما يندر وجوده الآن في بيئته الطبيعية. وقالت: "خسرنا التمساح الذي أحضرناه بيضة، وفقس في المتحف في تجربة علمية مهمة"، وعدّدت الثعابين والعقارب السامة التي تم جمعها بصعوبة بالغة في مشروع مشترك مع مركز أبحاث الكائنات السامة، لتوطين إنتاج الأمصال بالسودان. إلا أنها لم تأت على ذكر سمير الذي يبقى في غرفته بالمتحف لأيام بعيداً عن أسرته، ظنّاً منها أنه قد ينجو بجلده ويغادر. لكنه لم يفعل، وفشلت كل محاولات إخراجه. فالقنّاصة في المباني حول المتحف يترصدون كل صاحب قدمين على الإسفلت، أو بين الأشجار القديمة في شارع الجامعة، والشوارع الجانبية. كما أنه لم يكن لينجو بنفسه، فقد أصر على أن ينقل معه بعض الحيوانات.
طالت الأيام لتنفد مؤونة الحيوانات، فأطلق سراحها لتبحث عن قوتها، لكن بعضها عاد تحت وطأة القصف، ليبدأ نفوقها، ويتمكن الجوع من سمير نفسه فاضطر لأكل بعضها، ليصبح أول طبيب بيطري يأكل سلحفاة في متحف المدينة، كما ذكر صديقه الذي تمكّن مع آخرين من الوصول إليه بعد خمسين يوماً من الحرب ليجدوه ممدداً في حوض الفورملين، بعدما دوّن كل ما جرى، مختتماً بـ"إذا شعرت بأنها النهاية، لا يمكنني أن أدفن نفسي، لكن بإمكاني أن أحافظ على جسدي من التحلّل والتعفن".
(متخصص في شؤون البيئة)