"رغم أن المنطقة بدأت تستعيد الحياة، لا تزال لحظات زلزال المغرب راسخة في أذهان السكان الذين يعيشون في ظل صعوبات يومية كثيرة". بهذه الكلمات يُلخص الناشط المدني والصحافي مولاي المهدي غرابلية الوضع الميداني السائد بعد شهرين من زلزال 8 سبتمبر/ أيلول الماضي، في إقليم تارودانت الذي اعتبر الثاني الأكثر تضرراً بالزلزال بعد إقليم الحوز على صعيد عدد الضحايا وحجم الدمار. ويقول لـ"العربي الجديد": "بذلت السلطات جهوداً جبارة لاحتضان كل المناطق المتضررة وإحصاء الخسائر المادية بهدف تعويض الأضرار، لكن الأضرار النفسية تبقى النقطة الأهم بعدما غيّر الزلزال مجرى حياة عدد من المتضررين، وبينهم أشخاص انتقلوا من عتبة الفقر إلى عتبة أسوأ، ما يجعلهم يغوصون في الأفكار السلبية".
وبالتزامن مع عمليات تأمين احتياجات المتضررين وتقديم المساعدات الاجتماعية والطبية للمنكوبين، كان لافتاً التركيز على فك عزلة المناطق المتضررة من خلال فتح الطرقات المقطوعة، وتوسيع المسالك، في خطوة استباقية أملتها مخاوف وتحذيرات من مواجهة الناجين كوارث جديدة مع اقتراب موسم الأمطار الذي قد يتسبب في سيول وانجرافات للتربة، وانخفاض في درجات الحرارة.
يقول رئيس جمعية "تلوتيمت للتنمية الشاملة" بإقليم شيشاوة، مصطفى أوريك، لـ"العربي الجديد": "ما عاشه السكان ليل 8 سبتمبر لا يزال حاضراً في أذهانهم ويثير مخاوفهم، وبمجرد ملاحظتهم حدوث أي حركة غير عادية أو سماعهم صوتاً غير مألوف يفرون إلى خارج الخيام. وبعد مرور شهرين على الواقعة، لا يزال الصوت الذي رافق الزلزال يسكن في الأذهان".
وعلى امتداد الشهرين الماضيين، ألقت الهزات الارتدادية بظلالها على الناجين من الزلزال الذي وُصف بأنه الأقوى في تاريخ المغرب منذ قرن، واستهدف خصوصاً أقاليم الحوز ومراكش وورزازات وشيشاوة وأزيلال، في حين يستمر آلاف المتضررين في اختبار تجربة الحياة الجديدة في الخيام.
وفي وقت بدأ فيه عدد منهم يعتادون على النمط الجديد للحياة بسبب إيمانهم بأن عملية إعادة الإعمار قد تستغرق وقتاً غير قليل، يشتكي آخرون من نمط العيش الذي فرض عليهم خاصة في ظل الظروف المناخية الصعبة مع اقتراب فصل الشتاء.
وتقدّر الحكومة بأن 2.8 مليون مواطن تضرروا من الزلزال الذي دمّر أكثر من 59 ألف منزل، منها 20 ألفاً بالكامل. وهي وضعت برنامج طوارئ لإعادة إيواء المنكوبين بالزلزال، والتكفل بالأسر الأكثر تضرراً عبر منح كل منها مساعدات مالية طارئة بقيمة 30 ألف درهم مغربي (3000 دولار)، و140 ألف درهم (13.500 دولار) كتعويض للمساكن التي انهارت بالكامل، و80 ألف درهم (7700 دولار) لتغطية أعمال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئياً.
وأعلنت الحكومة إطلاق ورش ضخمة لإعادة إعمار القرى التي دمرها الزلزال، بميزانية مقدارها 120 مليار درهم (11.7 مليار دولار) على مدى خمس سنوات، والتي تستهدف 4.2 ملايين شخص.
ويقول كاتب عام جمعية "تكنارين للتنمية والتضامن"، مصطفى أجيار، لـ"العربي الجديد": "يحاول السكان التأقلم مع الوضع الجديد، وينتظرون انتهاء معاناتهم عبر العودة إلى حياتهم الطبيعية ومنازلهم، فالعيش في الخيام صعب خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء، باعتبار أن الخيام لن تستطيع مواجهة الأمطار والثلوج المتوقعة".
يضيف: "تغيّر نمط حياة الناس، وانقلب رأساً على عقب. في السابق كانوا يعانون من العيش في منطقة جبلية نائية وصعبة، ثم ضاعف الزلزال المعاناة. واليوم يطرحون أسئلة عدة حول كيفية إعادة البناء، وهل ستتكفل بها الدولة أو المتضررون، ويبقى الهم الشاغل للسكان بناء بيوتهم".
والثلاثاء الماضي، بدأت الحكومة في صرف الدفعة الأولى من الدعم الخاص بإعادة بناء المنازل التي انهارت بالكامل أو في شكل جزئي لحساب الأسر المتضررة جراء الزلزال.
وستستفيد الأسر المتضررة من المواكبة التقنية التي ستوفرها المصالح المختصة لبدء عمليات البناء ومتابعتها، خصوصاً على صعيد الحصول على تصاميم تراعي خصوصية المنطقة ومعاييرها.
ويسأل أجيار: "ما المعيار الذي ستطبقه الحكومة لصرف الدفعة الأولى من مبالغ إعادة بناء المنازل، فهناك أشخاص هدمت منازلهم وشردوا يصنّفون بأنهم معنيون مباشرة بالأضرار التي ألحقها الزلزال، في حين استفاد آخرون لم تتضرر منازلهم، ويقطنون في أماكن بعيدة عن بؤرة الزلزال". يُتابع: "يريد الناس فقط تطبيق مضمون البيان الملكي الذي استعجل إعادة الإيواء على الأرض".