تتوالى الأزمات على مدينة طرابلس في شمال لبنان، فهي لا تلبث أن تستفيق من فاجعةٍ إنسانيّة حتى تدخل في مأساةٍ معيشيّة وحياتيّة يوميّة، آخرها تسجيل 49 حالة مؤكّدة، حتى اليوم الإثنين، بالتهاب الكبد الفيروسي A، المعروف بالصفيرة (Hepatitis A)، وذلك في المناطق الشعبية للمدينة.
وفي وقتٍ تنتظر فيه وزارة الصحة اللبنانيّة نتائج عيّنات المياه لتحديد ما إذا كان تلوّث المياه هو السبب، كشفت بلدية طرابلس لـ"العربي الجديد"، أنّ "انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة قرابة 10 أيام، وبالتالي توقّف مضخّات شبكة المياه العامّة، دفع سكان المناطق الشعبية إلى استهلاك مياه غير معروفة المصدر، ربما تكون ملوّثة".
وكانت الحالات قد توزّعت، وفق بيان لوزارة الصحة، أمس الأحد، "بين القبّة، خصوصاً ضهر المغر، وغيرها من الأحياء (التبانة، الميناء، البداوي وباب الرمل). وتمّ التواصل مع عددٍ منها لمعرفة الخصائص المرضية والوبائية ومحاولة تحديد كيفية التعرّض".
مرض "اليرقان "يفتك بأهالي "القبة" وبعض" قرى عكار.".حتى الآن "اربعون اصابة في القبة وثلاثون في عكار"!والسبب اختلاط ماء الشرب ب مياه الصرف الصحي.
— Abou Firas& Al Bayda (@AlBayda19) June 4, 2022
وفي اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أوضحت مديرة الوقاية الصحية في وزارة الصحة العامّة جويس حداد أنّ "فرق الترصد الوبائي ومديرية الوقاية الصحية في الوزارة وفرق الوزارة في طرابلس بالتنسيق مع مصلحة الصحة في الشمال، وضعوا ضمن أولويّتهم فحص مياه الشرب بأسرع وقتٍ ممكن، وأرسلوا صباح اليوم عيّناتٍ إلى المختبرات المختصّة. وقد بدأنا تحقيقاتنا، ونتابع أيضاً حالات المرضى ومدى تطوّرها، كي نتفادى العدوى السريعة، ولا سيّما أنّ (الصفيرة) سريعة الانتقال عبر المياه، وتكون أحياناً مميتة، خصوصاً أنّنا لا نعرف إذا كان المصابون من غير المواطنين قد أخذوا اللقاحات المضادة أم لا".
وقالت "في حال ثبت أنّ المياه هي السبب، سنوقف استهلاكها لحين معالجتها وتعقيمها. لكن الإصابات بالمبدأ تكون غالباً بسبب المياه، وأحياناً بسبب ريّ الخضار والفاكهة بمياه ملوّثة"، مؤكّدةً أنّهم لم يتبلّغوا عن حالاتٍ مماثلة في عكار (شمالاً).
بدوره، حمّل رئيس بلدية طرابلس رياض يمق المسؤولية للدولة ووزارة الطاقة وكلّ مسؤول في لبنان، قائلاً لـ"العربي الجديد": "تعاني طرابلس انقطاعاً في التيار الكهربائي منذ قرابة 10 أيام، ما تسبّب بتوقّف مضخّات مياه الشرب، فكان أن لجأ سكان المناطق الشعبية لمياهٍ بديلة غير معروفة المصدر كالصهاريج وسواها، ربما تكون ملوّثة".
وأضاف يمق "نحن كبلدية وزّعنا صهاريج مياه، لكن لا يمكننا أن نستوعب نحو 700 ألف نسمة في المدينة. ولم نصل لغاية اليوم لخطة طوارئ للمدينة، رغم كل المناشدات للرسميّين والمعنيّين، ولم يقف بجانبنا في كلّ المحن إلا بعض المواطنين الخيّرين".
وإذ وضع إمكانيّات البلدية بتصرّف مصلحة مياه الشمال، أعرب يمق عن خوفه من "نقصٍ في معقّمات المياه لدى المصلحة، وقد بدأنا كبلدية ودائرة صحة في محافظة الشمال بإجراء مسحٍ لمعرفة الأسباب"، مشيراً إلى أنّ "أكثر الحالات موجودة في ضهر المغر والبداوي والتبانة، غير أنّ نحو 5 حالات فقط من أصل 49 حالة مؤكّدة، استوجبت دخول مستشفى، ووضعها مستقر، أمّا الإصابات الباقية فقد عولجت في المنازل".
ولفت رئيس البلدية إلى أنّ "المناطق الشعبية كباب التبانة وغيرها، كانت تشهد عبر السنوات حالات إسهالٍ، بسبب تداخل مياه الآبار مع مياه الصرف الصحي، بحيث لا وجود لشبكة مياه حديثة في هذه المناطق. لكنّنا بصدد تنفيذ مشروعٍ لفصل مياه الشرب عن الصرف الصحي".
وكانت وزارة الصحة قد أوضحت في بيانها أنّ "التهاب الكبد الفيروسي الألفي ينتج من فيروس ينتقل الى الإنسان عبر تناول الأطعمة الملوّثة وغير المطهيّة جيّداً، أو شرب المياه أو المشروبات الملوّثة، وتمتد فترة الحضانة من 15 إلى 50 يوماً، ومن أبرز عوارضه: الحمى والشعور بالتعب والقيء والغثيان واصفرار البشرة (الصفيرة). لذا، تنصح الوزارة بعدم تناول الأطعمة غير المطهيّة، وعدم شرب مياه غير معروفة المصدر أو المشتبه في تلوّثها، إضافةً إلى الامتناع عن استعمال هذه المياه لغسل الخضار والفاكهة".
وحثّت الوزارة المواطنين على "مراعاة شروط النظافة الشخصية، من ناحية غسل اليدين جيّداً بعد استخدام المرحاض، وقبل تحضير الطعام أو تناوله باليدين، حيث يمكن انتقال الفيروس فمويّاً عندما تكون الأيدي ملوّثة ببراز يحمل الفيروس".