تعيش العديد من العائلات الجزائرية القاطنة في مبان مهددة بالانهيار هاجس الموت في ظل عدم قدرتها على تركها من جهة، وعدم وفاء الحكومة بوعودها من جهة أخرى
في بعض الشوارع القديمة في العاصمة الجزائريّة، يمكن أن ينهار جزءٌ من المباني فوق رؤوس المارة في أي لحظة، بسبب قدمها من جهة وانعدام الصيانة من جهة أخرى. صحيح أن الحكومة أنفقت مبالغ مالية كبيرة بهدف الترميم، إلا أن كثيرين يتهمون المسؤولين بالفساد في ظل تكرار حوادث انهيار المباني، التي تعود بمعظمها إلى فترتي العهد العثماني والاستعمار الفرنسي.
آواخر العام الماضي، استيقظ سكان حي القصبة العتيق، وسط العاصمة الجزائرية، على وقع سقوط مبنى فوق رؤوس قاطنيه، وهي الحادثة الرابعة في 2020، وأشار الأهالي إلى أنّ مصالح الدفاع المدني نجحت في إنقاذ ثمانية أشخاص من تحت الأنقاض. ولم يبق من المبنى سوى جدران مُتهالكة، علماً أن المبنى كان مصنفاً كأحد المباني الخطرة. إلا أن السكان، وبسبب ضيق الحال وعدم وجود بديل بعدما ضاقت السبل بهم في الحصول على سكن بديل، اختاروا البقاء فيه.
وفي الحيّ مبان كثيرة مهددة بالسقوط لم يغادرها قاطنوها. في تقريرها الأخير، كشفت بلدية القصبة أن نحو 80 في المائة من النسيج العمراني لمدينة القصبة القديمة معرض للانهيار، وأكثر من 1300 مبنى مصنفة ضمن الخانة الحمراء، ما يستدعي ترحيل القاطنين فيها بهدف إنقاذهم من الموت. وكانت سلطات ولاية الجزائر قد عمدت إلى ترحيل 320 عائلة من هذا الحي خلال السنتين الأخيرتين، ووضعت برنامجاً آخر لترحيل أكثر من 100 عائلة أخرى إلى مساكن جديدة خلال العام المقبل. كما تسعى إلى ترميم عدد من البيوت القديمة التي تعرف بالدويرات، ويعود بناؤها إلى العهد العثماني، وذلك في إطار مشروع الحكومة الجزائرية لترميم الأحياء العتيقة.
يسكن نور الدين بختي في شارع طرابلس في حي حسين داي في مبنى مهدد بالانهيار، ويخشى من سقوط المبنى الذي يعيش فيه مع أفراد عائلته بعدما طال انتظارهم للحصول على شقة في إطارالسكن الاجتماعي المدعوم من الحكومة كما وعدوا منذ 13 عاماً. يقول لـ"العربي الجديد": "البقاء في هذا المبنى الموجود بمحاذاة سكة الترامواي خطر كبير. وفي الغالب، نحن في انتظار موت محتم". يضيف أن "السلطات لم تجد حلولاً لترحيلنا من هذه المباني".
ويضمّ حي حسين داي أكثر من 1435 مبنى، بعضها مصنفة في الخانة البرتقالية (الأقل تضرراً)، والأخرى مصنّفة في الخانة الحمراء (الخطِرة جداً). كما يضم حيّ بلكور العتيق القريب منه عدداً كبيراً من المباني التي انهارت أجزاء منها أو أنها مهددة بالانهيار. وتسببت الأمطار المتساقطة قبل فترة في هرب سبع عائلات والعيش في العراء بعدما أوشك المبنى الذي تقيم فيه على الانهيار. وتعيش الوضع نفسه عشرات العائلات.
في شارع طنجة الشعبي، وسط العاصمة الجزائرية، وقبالة مقري البرلمان ومجلس الأمة (الغرفة الأولى للبرلمان)، حيث المطاعم الشعبية، توجد الكثير من المباني الآيلة للسقوط، والتي سارعت السلطات إلى وضع دعامات حديدية وخشبية لتفادي انهيارها وحماية سكانها. صحيح أنه تمّ ترحيل بعض السكان، لكن الخطر ما زال قائماً على المارة ورواد المطاعم. وتتحمّل الدولة مسؤولية عدم صيانة المباني القديمة، بالإضافة إلى سكانها الذين أقاموا فيها سنوات طويلة من دون العمل على صيانتها.
ويقول المتخصص في القطاع العمراني عبد الغني لوصيف، لـ"العربي الجديد": "ثقافة الصيانة غائبة كثيراً على مستوى الأحياء السكنية في الجزائر، وهناك جزء من المسؤولية تتحمله السلطات. لكن هناك جزءا آخر من المسؤولية يتحمله السكان". يضيف: "شاهدت خلال عملي كيف حوّل السكان الطابق الأرضي للمباني إلى مكب للنفايات أو أماكن لوضع الأثاث القديم. وفي بعض المباني، ومع توسّع عدد أفراد الأسرة، هناك من يلجأ إلى تشييد بناء فوضوي على أسطح المباني، وهو ما حدث لعشرات المباني في قلب العاصمة الجزائرية، أو استغلال الفضاء الصغير في الطوابق الأرضية، من دون الانتباه إلى المنشآت".
وفي الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت الهيئة الوطنية للرقابة التقنية الكشف على أكثر من 380 ألف مبنى في غضون العشرين عاماً الأخيرة، شملت كبرى المدن كالعاصمة الجزائرية ومدن عنابة وقسنطينة وسكيكدة، شرقي الجزائر، ووهران وسيدي بلعباس وتلمسان، غربي الجزائر، والبليدة والمدية، قرب العاصمة، في إطار عمليات ترميم الأبنية القديمة التي أطلقتها السلطات.
وتشمل مهام الهيئة مساعدة مكاتب الدراسات لأجل إيجاد حلول ترميم بنيوية ومقاومة للطوارئ الطبيعية، مثل الزلازل. كما تدرس هذه اللجنة إعداد دفتر شروط متعلق بأشغال الترميم، من شأنه فرض أعمال تحترم البيئة، بغية السماح للهيئة الوطنية للرقابة التقنية بالحصول على مزيد من الصلاحيات وجلب مهارتها في الميدان.
وفي العادة، تشمل عملية الترميم واجهات وسلالم وأقبية العمارات القديمة، وتجري طبقاً لقانون صدر عام 2004 المتعلق بالتهيئة والتعمير، وتهدف إلى الإبقاء على معالم عاصمة الجزائر والمدن الكبرى الأخرى، مثل وهران وقسنطينة وسكيكدة وعنابة.