بينما ينتظر أزواج مغاربة أن يُرزقوا بأطفال، يُحرم بعضهم من ذلك. يكمل الأولون انتظارهم، ويلجأ آخرون إلى أساليب مختلفة للحصول على الذرية، من العلاج الطبي، وصولاً إلى الشعوذة والسحر.
تفيد آخر الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، بخصوص حالات العقم، أنّ ما بين 10 و15 في المائة من الأزواج في المغرب يعانون من العقم. ويتساوى الرجال والنساء في العقم، بنسبة 50 في المائة لكلّ من الطرفين، فيما تُجرى ما بين 400 و500 محاولة لعلاج العقم في السنة الواحدة.
فوزية ش.، زوجة أربعينية، تعاني من العقم منذ سنوات طويلة. يقول زوجها لـ "العربي الجديد" إنّهما تزوجا بعد علاقة عاطفية. وكانا يُمنّيان النفس بأن يملأ حياتهما الأطفال، كبقية أفراد أسرتيهما وجيرانهما. يتابع: "مرت السنة الأولى، ولم يحصل حمل لدى زوجتي، فقلنا لا بأس، قد يحصل في السنة الثانية، لكن ذلك لم يقع أيضا، ثم جاءت السنة الثالثة، وهنا بدأت الشكوك تساورنا فلجأنا للأطباء مراراً ليؤكدوا وجود مشكلة طبية استمرت 14 عاماً".
يقول الزوج: "بعد ذلك حصلت المعجزة، وحملت زوجتي من دون أيّ سبب ظاهر. وعمتنا الفرحة. لكنّ النعمة تحوّلت إلى نقمة، عندما أصيبت زوجتي بخلل عقلي بعد أن وضعت بسنوات قليلة". ويتابع أنّ السنوات الطويلة التي عاشها برفقة زوجته، بلا طفل، كانت أفضل وأهنأ من حياته مع الطفل. ويوضح أنّ زوجته لا ينفع معها العلاج النفسي. يضيف: "ربما صدمت من كونها حملت بعد 14 عاماً من العقم".
اقرأ أيضاً: مغربيّات يتحدّين تقاليد المجتمع... ويعملن لإعانة أسرهن
زوجات أخريات يعانين من مشاكل أخرى، تتمثل خصوصاً في تعاطي الزوج السلبي معهن كونهن لم يحملن. ويمتد الأمر إلى الأسرة والمجتمع ككل.
سلوى، شابة تزوجت قبل 6 سنوات ولم تحمل بعد. سمعت الكثير من الانتقادات عن صبرها على عدم وجود طفل في حياتها، قبل أن تتطوّر الانتقادات إلى التعيير بـ "العقم". تقول لـ "العربي الجديد" إنها سمعت أكثر من مرة نساء ينتقصن من قيمتها كزوجة، إما بشكل غير مباشر عندما يحتفين بأطفالهن بصفة مبالغة أمامها، من دون مراعاة لمشاعرها، أو بطريقة مباشرة بتعييرها بأنه "لو كان هناك خير فيها، لما منع الله عنها الولد".
من جهتها، تزوجت عيدية منذ سبع سنوات قبل أن يُطلقها زوجها بسبب عقمها. تقول: "الحبّ الذي تزوجنا على أساسه تحوّل إلى فتور بعد سنوات قليلة من زواجنا، لعدم قدرتي على منحه الطفل المنتظر. وهو ما جعله يعنّفني بسبب أو من دونه".
تتابع عيدية أنّ حماتها دخلت على الخط، وانتقصت من قيمتها كزوجة، وباتت تقدم لها المثل بزوجات أبنائها الآخرين، الذين رزقهم الله أطفالاً، إلى أن طُلّقت ووجدت "الراحة النفسية"، كما تقول. أما طليقها فتزوج مرة أخرى بأمل الحصول على ولد.
بعض النساء يجدن الحلّ لمشكلتهن، أو ربما يحسبن ذلك. يلجأن إلى مشعوذين ودجّالين، أو أضرحة منتشرة في المغرب، تخصصت منذ القدم في "علاج المصابات بالعقم".
ويقدّم عدد ممن يسمون أنفسهم شيوخاً خدماتٍ للنساء المصابات بالعقم في المغرب. من هؤلاء، الشيخ مخلص النوري، الذي يزعم علاج العقم بسبع تمرات يمنحها للمرأة المشتكية "فينصلح حالها، وتحمل بالولد المنتظر". وهو ما تزعمه كذلك حكيمة، التي تلجأ إليها مصابات بالعقم في أحد الأحياء الشعبية بالرباط.
كما توجد في المغرب أضرحة باتت "متخصصة" في علاج النساء المصابات بالعقم. وتضع الكثيرات ثقتهن في هذه الأضرحة التي تؤمّها مئات النساء، ومنها ضريح يدعى "مولاي بوشعيب السارية". وتتسم طقوس الراغبات في القضاء على العقم في هذا الضريح بكثير من الغرابة، فكل يوم إثنين يتم تنظيم حفلات "زار"، وتنطلق طبول على إيقاع كناوة (مزيج موسيقي عربي- أمازيغي- أفريقي)، فتتمايل الأجساد النسائية إلى أن تتساقط من فرط الاندماج مع الجو. ثم يتبرّكن بدماء الذبائح، التي يأتي بها سدنة الضريح، بحثا عن "الفَرَج".
ومن الأضرحة الأخرى، التي صارت "متخصصة" في علاج العقم لدى النساء، ضريح "سيدي ميمون" في شرق المغرب. تذهب إليه المرأة المصابة بالعقم، وتفتح حزامها داخل الضريح، وتضعه هناك ليلة كاملة، بنيّة التبّرك ببركات الولي الراقد، الذي يعتقد بعض الناس أنه سبب منح الذرية للمصابات بالعقم.
ويفسّر المعالج النفسي، محمد قجدار، لـ "العربي الجديد"، إقبال المصابات بالعقم على هذه الأضرحة، وحصول الحمل في عدد من الحالات، بأنّ الأمر "يتعلق فقط بتنفيس المرأة عن همومها، عندما تأتي معتقدة بوجود الحل لدى صاحب الضريح. فيلعب هذا العامل دوراً علاجياً لا شعورياً يزيل الضغوط المتراكمة عليها".
اقرأ أيضاً: نساء المغرب.. عمل الليل بين الهمّ الاجتماعيّ والمساواة