يبدو أنّ العدّ التنازليّ قد بدأ أو أنّه يوشك على البدء. قريباً جداً، يطلّ عام جديد. قريباً جداً، سوف نجد أنفسنا مضطرّين إلى تقييم عامنا الذي يأفل ووداعه. قريباً جداً، سوف نجد أنفسنا مضطرّين إلى وضع قائمة بتوقّعاتنا الجديدة للعام الذي ينطلق بعد أيّام.
قريباً جداً. لا بدّ من أن يكون الأمر كذلك، وإلّا فإنّنا سوف نجد أنفسنا وقد تأخّرنا مرّة أخرى. ما بين تقييم عامنا الذي يأفل ووضع قائمة بتوقّعاتنا الجديدة للعام الذي يليه، قد نجد أنفسنا متعثّرين مرّة أخرى في كلتا المهمّتَين. يداهمنا الوقت. دائماً ما يفعل. ويفوتنا.
ندنو من محطّة جديدة. كأنّما حياتنا سلسلة من محطّات تتعدّد ويحكمها عدّ تنازليّ دائم. كأنّما نحن في حاجة إلى تحديد محطّات ومزيد من المحطّات، كأنّما نحن في حاجة إلى عدّ تنازليّ، حتى لا نشعر بأنّنا "مكانك راوح". نحن في حاجة إلى نوع من حدّ بين شيء وآخر - أيّ شيء وأيّ آخر - حتى لا نشعر بأنّنا هامدون. نحن في حاجة إلى حدّ ما نجتازه - أو نتوهّم أنّنا فاعلون - حتى نشعر بأنّنا أحياء. الحدّ هنا هو ذلك الحدّ الزمنيّ الذي يُخيّل إلينا أنّنا نتحكّم به كيفما شئنا، بيد أنّه هو الذي يحكمنا.
تسعة وخمسون يوماً وينطلق عام جديد. كأنّما في الأمس، ودّعنا عاماً واستقبلنا آخر. يداهمنا الوقت. دائماً ما يفعل. تسعة وخمسون يوماً سوف تنقضي بلمح البصر، لا شكّ في ذلك. لغاية تاريخنا هذا، ثلاثمائة وسبعة أيّام انقضت بلمح البصر. وقبلها، ثلاثمائة وخمسة وستّون يوماً. وقبلها آلاف الأيّام والأيّام.
ونحاول ألّا نعدّ الأيّام، تلك التي انقضت على أقلّ تقدير. ربّما، من المفضّل إهمال عدّها. عدم إدراك ما نفوّته أمر حسن، في بعض الأحيان. نفوّت الكثير - فرصاً وغيرها - ونحن مدركون. فلنجعل الزمن استثناءً. فلنغضّ الطرف عنه. بذلك، قد نهوّن على أنفسنا الخسارة، قد نهوّن على أنفسنا الخسائر. قد نوهم أنفسنا بأنّ الوقت ما زال حليفنا. بذلك، قد نوفّق في تقييم عامنا الذي يأفل وفي وضع قائمة بتوقّعاتنا الجديدة للعام الذي يليه.
لنغضّ الطرف عن الزمن الذي انقضى، ولنركّز على الآتي. تسعة وخمسون يوماً وينطلق عام جديد. زمن لا بأس به حتى نقيّم عامنا الذي يأفل، ونضع قائمة بتوقّعاتنا الجديدة لعامنا الذي يليه. تبدو الأيّام التسعة والخمسون كافية لإنجاز المهمّتَين. لا بدّ من فعل ذلك، وإلّا وجدنا أنفسنا متعثّرين مرّة أخرى في كلتَيهما. لا بدّ من فعل ذلك، في محاولة جديدة.