يقدّر عدد سكان العراق بـ 28 مليون نسمة. ما لا يقل عن أربعة ملايين منهم غادروا البلاد، بفعل الفوضى الأمنية. وعدد مماثل أو أكثر من النازحين، يتوزّع في المدن والقرى والصحارى. إلى ذلك، لا يقل عدد الألغام المزروعة في أرض الرافدين عن 25 مليون لغم أرضي. عدد الألغام يقارب عدد السكان الإجمالي، لكنه بالتأكيد أكبر من عدد الباقين في البلاد أو في بيوتهم.
عدد الألغام المرتفع مثلما تقدره الجهات الدولية، يفسر ارتفاع عداد الأشخاص المعوّقين في البلاد. ونشير في هذا التقديم إلى ما بين 80 و100 ألف حالة بتر للأطراف السفلى، إذ ما بين 75 و80% من مصابي الحروب هم ضحايا الألغام المنتشرة في طول البلاد وعرضها. وهؤلاء هم من حصيلة نحو أربعة عقود من الحروب المتواصلة مع فترات هدوء قصيرة وعارضة. منذ ثمانينيات القرن الماضي، والعراق يغرق في حروب، إن لم تكن مع الخارج ففي الداخل. أما الحصيلة، فملايين القتلى وملايين المعوّقين من الجرحى.
قبل أن نتحدث عن الأرقام المتوافرة، لا بد من أن نتناول السياسات الحكومية حيال هذه الفئة. من يتابع الصحف العراقية يدرك ملياً كم أنّ الاتهامات المتبادلة بين الحكومة ومجلس النواب قاسية. أقل تهمة تتحدث عن الفساد والهدر وسرقة المال العام. ملايين الدولارات تختفي من الموازنة العامة، ولا قطع حساب كي يتبين أين صُرفت هذه الأموال. والحصيلة أن الكل يتهم الكل، بعدم تقديم الدعم لهذه الشريحة التي تحتاج الى أبسط الحقوق.
يفترض بوزارة الصحة أن تتولى مسؤولية العلاج والتأهيل وتأسيس المراكز المتخصصة لهذه الفئة ولسواها بطبيعة الحال، لكن المراكز القائمة تفتقر إلى الإمكانات، والمشاريع التي تهتم بالمعوق، من الجوانب البدنية والنفسية، متوقفة في الأغلب. كذلك، فإن عمليات التحصين التي تتطلب حملات عامة محدودة الفاعلية، وغيابها يقود حكماً إلى مزيد من الإعاقات. ويُذكر نزيف الكوادر الطبية الذي يأتي نتيجة المتفجرات اليومية التي لا توفر حياً أو مدينة، ومعها الفوضى والصراعات المذهبية التي قادت وتقود إلى إفراغ البلاد من الكفاءات التي هي بأمس الحاجة إليها. أما وزارة التربية، فهي أعجز عن تأمين المقعد الدراسي للأصحاء، فكيف حيال المعوّقين؟ ونحن نتحدث عن بلد يحتاج إلى بناء عشرة آلاف مدرسة لاستيعاب أطفاله. عليه، يصبح ملايين الأطفال خارج الصفوف سواء أكانوا معوقين أو لا. الوزارات الخدماتية الأخرى ليست أفضل حالاً من الصحة والتربية. وما يقال عن الوزارات والحكومة والمجلس لجهة التجاهل أو العجز عن مساندة هذه الفئة، يقال مثله وأكثر عن الأحزاب والكتل السياسية التي تتقاذف بالشتائم من دون أن تتذكر فئة يهمها الحصول على ما يساعدها على البقاء على قيد الحياة، على الرغم من المرارة التي تعيشها.
قبل ثلاثة أعوام، انضمت الحكومة العراقية إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتبعاً لذلك أصدرت قانوناً حمل الرقم 38/ 2013. يُذكر أنّ مواد القانون تتعارض مع الاتفاقية، خصوصاً لجهة تأسيس هيئة متخصصة مستقلة عن هيمنة الحكومة. لكن الأخطر هو أنّ القانون حتى بصيغته المشوهة، ظل حبراً على ورق ولم يتقدّم المعوّقون قيد أنملة في الحصول على أبسط حقوقهم.
*أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية
اقرأ أيضاً: معوّقو لبنان... طائفة المنبوذين