ونادراَ ما تتصدر النساء القوائم الانتخابية في الجزائر، وذلك راجع لبعض الحواجز الاجتماعية والنفسية والقبلية خاصة في الولايات الداخلية، التي مازالت تتحكم في المشاركة السياسية للمرأة، وتمنع من تكثيف الحضور السياسي لها كفاعل سياسي واجتماعي مؤثر، لكن التحولات العميقة التي شهدها المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة، فرضت توسع المشاركة السياسية للمرأة، وزيادة أنشطتها الاجتماعية واندفاعها للعمل واقتحام مجالات متعددة، إذ تمثل النساء أكثر من 57 من العاملين في قطاع التربية و53 في المائة من العاملين بقطاع الصحة، كما يمثلن الجزء الغالب في الهيئة الناخبة في الجزائر.
وإزاء بطء وتيرة التفاعل الاجتماعي مع تطوير الاندماج السياسي للمرأة، حاولت السلطة في الجزائر فرض تصور وآلية قانونية عبر نظام المحاصصة، وهذ ما يجعل المرأة الجزائرية، مهما بلغت من مسؤوليات، أسيرة دوائر صنع القرار، تشعر دائما بأن موقعها في الحقل السياسي مجرد وظيفة مدفوعة الأجر، أكثر منها قناعة سياسية ومجتمعية.
وبغض النظر عن القانون الذي يفرض على الأحزاب السياسية تضمين نساء في قوائم المرشحين، بالنسبة للبلديات التي يفوق عدد سكانها 20 ألف نسمة، وهو ما فرض على مجمل الأحزاب السياسية، بما فيها الحداثية والتقدمية، وضع نساء في قوائم المرشحين ولو في الدرجات الدنيا من القائمة، تحاول بعض الأحزاب السياسية خلال الانتخابات البلدية المقررة في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ملامسة حدود الحداثة السياسية، وتقديم نساء على رأس القوائم الانتخابية.
"حركة مجتمع السلم" في الجزائر، التي تمثل الحزب الإسلامي الأكبر، حاولت تجاوز جملة التعقيدات الاجتماعية، وكسر الصورة النمطية لموقف الإسلاميين من المرأة وجعلها في صدارة بعض القوائم، كقائمة بلدية شيقارة بولاية ميلة شرقي الجزائر.
ويعتقد قياديون في الحزب أنّ " الحركة من خلال جعل المرأة على رأس القائمة الانتخابية، تريد أن تعطي نموذجًا للتمثيل السياسي لها وترقيتها بعيدا عن المزايدة بالمساواة بين الجنسين".
بدوره، قدّم حزب التحالف الجمهوري ببلدية بوسعادة جنوبي الجزائر مرشحة على رأس القائمة الانتخابية.
لكن هذه الخطوات لا تبدو كافية لحشد موقف مجتمعي من الحضور السياسي للمرأة، خاصة في المناطق الداخلية التي تجد فيها الأحزاب نفسها صعوبة في إيجاد نساء ترغبن في الترشح.
وفي هذا السياق يعتبر المرشح السابق للبرلمان والإعلامي رياض بوخدشة، أنّ "المرأة الجزائرية وبالأخص في المجتمعات المحلية أو ما يعرف بالجزائر العميقة لاتزال تنظر إلى العمل السياسي بعين الريبة"، ويبرر رياض ذلك بكون السلطة وضعت العمل السياسي بين أيدٍ غير نظيفة وجعلت من النشاط السياسي وحتى الجمعوي لصيق سلوكات تتعارض وتقاليد المرأة الجزائرية التي هي بطبعها محافظة لا تجد نفسها إلا وسط بيئة محافظة، بينما السياسة عادة تمارس بلا أخلاق ولا آداب، فالمصلحة والغايات تبرر الوسائل".
وفي ولاية الجلفة التي تعد من أكثر الولايات محافظة في الجزائر، هناك نساء تجاوزن كل المعتقدات الاجتماعية والتابوهات التي يضعها المجتمع، ونزلن إلى حلبة السياسية بفعل قدرتهن على المنافسة بالفكرة والبرامج.
وتعتقد السيدة هبري فطيمة، المرشحة عن حزب الجبهة الوطنية الجزائرية في ولاية الجلفة، أنّ ترشحها في هذا الموعد الانتخابي المرتقب لم يكن من منطلق المحاصصة التي يخولها القانون وإنما رغبة جدية منها للمشاركة المجتمعية العميقة.
وتقول لـ "العربي الجديد": "لم أنوِ خوض الغمار لاستيفاء قائمة كاسم يضاف للائحة بسطوة القوانين، لكن سبب ترشحي هو التأكيد على حق المرأة في الخدمة والمسؤولية إلى جانب الرجل، ومن هذا المنطلق استجمعت من واقعي بالمجتمع الجلفاوي طاقة للمضي قدما، وخدمة ولايتي".
وتعتبر المرشحة فطيمة أن وجودها ضمن قائمة المرشحين يجعلها "تجاوز سلعة الوعود الفضفاضة وبهرجة البرامج الحبرية، لتركز على الهمة وحدها التي تؤهلها لتمثيل النساء على أكمل وجه بالنظر لما تتوفر عليه من مؤهلات".
ويرى الباحث مروان الطيب بشيري أنّ "موضوع إشراك المرأة في المجالس المنتخبة والعمل السياسي في الجلفة باعتبارها منطقة داخلية تحكمه نظرة مجتمعية ضيقة في طريقها إلى الزوال، كما أن الهيمنة الذكورية في المجتمعات المغلقة بدأت تقل بفعل الحضور المتنامي للمرأة في مختلف المجالات".
ويوضح بشيري أن "معيار الحشد العمراني في البلديات الشمالية أثبت أن المشاركة السياسية للمرأة أصبحت ظاهرة صحية في الوعي الجمعي بشكل جدير بالتثمين، أما في المناطق الأقل كثافة فمازالت النظرة تقتصر على تجاوز فكرة إشراك المرأة إلا بالاستسلام لسطوة القوانين التي تفرض إشراكها حسب ما هو محدد في التشريعات الجاري العمل بها".
ويعتبر مراقبون أن الجزائر قد تحتاج إلى مزيد من الوقت لتتجاوز بعض العوائق الاجتماعية أمام علاقة الممارسة السياسية للمرأة، لكن تطور مختلف التجارب القائمة حتى الآن والآليات القانونية التي خصصت نسبة 30 في المائة من مقاعد البرلمان للنساء، قد تفتح الباب واسعا أمام سقوط مزيد من هذه المعوقات.