في السنوات الأخيرة زاد عدد الجرائم في تونس وتنوعت ما بين قتل وسلب واغتصاب واحتيال، وهو ما يدفع مسؤولين أمنيين وخبراء اجتماعيين إلى التحذير من أزمة تمرّ بها البلاد وتتسبب في غضب شعبي عارم مع كلّ كشف عن جريمة جديدة
يعيش الشارع التونسي على وقع صدمة جديدة بعد اغتصاب وتعنيف وقتل عجوز تُدعى سالمة (86 عاماً) في محافظة القيروان وسط غرب تونس. يوم الأحد 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي جرى التعرف على القاتل وهو شاب عشريني جار للضحية، لكنّ كثيراً من التونسيين مع ذلك، أطلقوا صرخة فزع تنديداً بالجريمة وغيرها من الجرائم التي قد تهدد أمنهم.
قتلت سالمة، التي تقطن بمفردها في بيت متواضع بعد وفاة زوجها، وخلّفت جريمة الاغتصاب والقتل بتلك الوحشية أسى عميقاً لدى جيرانها وحتى لدى عموم التونسيين ممن وصفوا المعتدي بالوحش الآدمي، واللا إنسان، مطالبين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بتطبيق أقصى العقوبات بحقه.
لا تعتبر هذه القضية بالرغم من بشاعتها فريدة في تونس. فيومياً تسجل جرائم قتل واغتصاب وعنف وسلب ما جعل المواطنين التونسيين وحتى النواب يحذرون من ارتفاع منسوب الجريمة في تونس. كذلك، يحذر خبراء من تنامي الجريمة وتأثير ذلك على المستويات التربوية والاجتماعية في البلاد، خصوصاً أنّ تلك الزيادة في عدد الجرائم تساهم في تغيير النظرة إلى الجريمة في المجتمع إلى نظرة متساهلة تستخف بالجريمة وتعتاد على تكرارها، وهو ما يؤدي إلى استفحال الجريمة واختراقها ثقافة المجتمع في حدّ ذاتها.
اقــرأ أيضاً
بحسب التقرير السنوى لمؤشر الجريمة العالمي الذي نشره موقع موسوعة قاعدة البيانات "ناميبو" فقد احتلت تونس المرتبة 10 عربياً و53 دولياً من مجموع 125 دولة في ارتفاع نسبة الجريمة للعام 2017، وتشمل الجريمة القتل والسطو والسرقة والاغتصاب.
في هذا الإطار، عثرت الوحدات الأمنية أخيراً على فتاة داخل كيس بلاستيكي موثوقة اليدين، مخنوقة وسط غطاء نوم في مكب فضلات في المروج، الضاحية الجنوبية لتونس، وقد تمكنت الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بإدارة الشرطة العدلية يوم الجمعة 24 نوفمبر من القبض على مرتكب الجريمة وهو كهل يبلغ من العمر 40 عاماً بحسب بيان للداخلية.
وأشارت إحصاءات وزارة الداخلية، إلى وجود 2700 قضية عنف في كامل مناطق البلاد خلال سنة 2017، منها 908 قضايا مصنفة ضمن العنف الشديد. وارتفع عدد حالات التوقيف المتعلقة بالجريمة مقارنة بعام 2016، إذ جرى ضبط 177 شخصاً عام 2016 و186 شخصاً عام 2017. وكشفت الداخلية أنّ القضايا الإجرامية بلغت 107 آلاف قضية لعام 2017 مقابل 99 ألف قضية فقط عام 2016. وبلغت قضايا السرقات خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 2017 أكثر من 100 ألف و700 قضية.
يؤكد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني وليد حكيمة لـ"العربي الجديد" أنّ "الحرب على الجريمة والعنف متواصلة ومتصاعدة وهي حرب بلا هوادة ولن تتوقف تماماً مثل الحرب على الإرهاب". ويشير إلى أنّ "القيادة العليا في وزارة الداخلية أعطت تعليماتها بتكثيف الحملات الأمنية في الأماكن العامة ووسائل النقل والمؤسسات التربوية لوضع حد لكلّ أصناف الجريمة والقتل والاغتصاب والسرقة والعنف".
يلفت حكيمة إلى أنّ الجريمة موجودة في أغلب البلدان، وأنّ النجاحات الأمنية في تونس ساهمت في القبض على الجناة والمعتدين وفي فرض الأمن، إلى جانب الدور الوقائي للحدّ من الجرائم الذي يتمثل بالانتشار الأمني على الأرض، مبيناً أنّ وزارة الداخلية لا يمكنها بمفردها مقاومة هذه الحالات بل لا بدّ من تضافر جميع جهود منظمات ومكونات المجتمع المدني والإعلاميين مع الوزارة في هذا السبيل. يضيف حكيمة أنّ جرائم المال والشيكات وعمليات السطو المسلح والعنف الشديد تحصل نتيجة الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي، فإنّ الحلول تكون أيضاً بمقاربة اقتصادية، واجتماعية وثقافية.
من جهته، يقول المتخصص في علم اجتماع الجريمة سامي نصر لـ"العربي الجديد" إنّ نسبة نمو الجريمة في تونس كانت قبل عام 2011 في حدود 5 في المائة أي أكثر بحوالى 3 مرات عن نسبة نمو السكان في تونس، وهو معدل يقترب من المعدل العالمي في الجريمة، معتبراً أنّ نسبة نمو الجريمة وصلت في السنوات الأخيرة إلى نحو 6.8 في المائة أي أكثر بـ6 مرات من نسبة نمو السكان.
يشير إلى أنّ الخطير ليس معدلات الجريمة فقط بل نوعية الجرائم المسجلة، ومنها الجرائم العنيفة التي ارتفعت بنسبة 70 في المائة. وهذه الجرائم، بحسب نصر، تنقسم الى جرائم ضدّ الممتلكات كالملك العام، وجرائم تجاه الذات مثل الانتحار والمخدرات، وجرائم ضد الآخرين. يوضح أنّ العنف قد يتطور "من مجرد سلوك منعزل إلى ظاهرة اجتماعية ثم يصل إلى ثقافة"، والخطير اليوم هو تحول العنف إلى ثقافة كما يقول. ويشير إلى أنّ أغلب الخطابات اليومية وحتى اللغة العامية التونسية أصبحت تتضمن الكثير من العنف، وبالتالي فقد حان الوقت لإيجاد الحلول المناسبة و"البحث عن معالجة جذرية للظاهرة".
بدوره، يقول المحامي منير بن صالحة إنّ ارتفاع نسبة الجريمة في تونس لا يعود الى غياب الردع فالقانون التونسي يتضمن ما يكفي من الفصول الردعية ويعاقب بالسجن وبعقوبات شديدة تصل إلى الإعدام في بعض الجرائم، بل يعود إلى الشعور السائد لدى كثيرين بأنّ القانون لا يطبق، وأنّ في الإمكان الإفلات من العقاب، وبالتالي يوحي أنّ السلطة ضعيفة. يضيف أنّ وجود مثل هذا الشعور لدى العموم يخلق نوعاً من الاستهتار بالجريمة التي أصبحت ترتكب بكلّ سهولة وبساطة، مبيناً أنّ "هناك جرائم بشعة ترتكب لأسباب بسيطة، فأحياناً تزهق سيجارة روح إنسان، ومن أجل مبلغ مالي بسيط قد يقتل شخص، وبهدف سلب هاتف جوال قد تغتصب النساء".
يوضح بن صالحة أنّ انتشار المخدرات والممنوعات ساهما أيضاً في ارتفاع نسبة الجريمة، وبالتالي، لا بدّ من التفكير في إصلاح عميق نفسي واجتماعي وقانوني للجريمة والعنف في تونس. كما يدعو أيضاً إلى ضرورة إصلاح السجون التونسية التي تعاني من الاكتظاظ وقد لا تؤدي دائماً إلى الإصلاح بل قد تساهم في تكوين المجرمين.
اقــرأ أيضاً
يعيش الشارع التونسي على وقع صدمة جديدة بعد اغتصاب وتعنيف وقتل عجوز تُدعى سالمة (86 عاماً) في محافظة القيروان وسط غرب تونس. يوم الأحد 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي جرى التعرف على القاتل وهو شاب عشريني جار للضحية، لكنّ كثيراً من التونسيين مع ذلك، أطلقوا صرخة فزع تنديداً بالجريمة وغيرها من الجرائم التي قد تهدد أمنهم.
قتلت سالمة، التي تقطن بمفردها في بيت متواضع بعد وفاة زوجها، وخلّفت جريمة الاغتصاب والقتل بتلك الوحشية أسى عميقاً لدى جيرانها وحتى لدى عموم التونسيين ممن وصفوا المعتدي بالوحش الآدمي، واللا إنسان، مطالبين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بتطبيق أقصى العقوبات بحقه.
لا تعتبر هذه القضية بالرغم من بشاعتها فريدة في تونس. فيومياً تسجل جرائم قتل واغتصاب وعنف وسلب ما جعل المواطنين التونسيين وحتى النواب يحذرون من ارتفاع منسوب الجريمة في تونس. كذلك، يحذر خبراء من تنامي الجريمة وتأثير ذلك على المستويات التربوية والاجتماعية في البلاد، خصوصاً أنّ تلك الزيادة في عدد الجرائم تساهم في تغيير النظرة إلى الجريمة في المجتمع إلى نظرة متساهلة تستخف بالجريمة وتعتاد على تكرارها، وهو ما يؤدي إلى استفحال الجريمة واختراقها ثقافة المجتمع في حدّ ذاتها.
في هذا الإطار، عثرت الوحدات الأمنية أخيراً على فتاة داخل كيس بلاستيكي موثوقة اليدين، مخنوقة وسط غطاء نوم في مكب فضلات في المروج، الضاحية الجنوبية لتونس، وقد تمكنت الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بإدارة الشرطة العدلية يوم الجمعة 24 نوفمبر من القبض على مرتكب الجريمة وهو كهل يبلغ من العمر 40 عاماً بحسب بيان للداخلية.
وأشارت إحصاءات وزارة الداخلية، إلى وجود 2700 قضية عنف في كامل مناطق البلاد خلال سنة 2017، منها 908 قضايا مصنفة ضمن العنف الشديد. وارتفع عدد حالات التوقيف المتعلقة بالجريمة مقارنة بعام 2016، إذ جرى ضبط 177 شخصاً عام 2016 و186 شخصاً عام 2017. وكشفت الداخلية أنّ القضايا الإجرامية بلغت 107 آلاف قضية لعام 2017 مقابل 99 ألف قضية فقط عام 2016. وبلغت قضايا السرقات خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 2017 أكثر من 100 ألف و700 قضية.
يؤكد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني وليد حكيمة لـ"العربي الجديد" أنّ "الحرب على الجريمة والعنف متواصلة ومتصاعدة وهي حرب بلا هوادة ولن تتوقف تماماً مثل الحرب على الإرهاب". ويشير إلى أنّ "القيادة العليا في وزارة الداخلية أعطت تعليماتها بتكثيف الحملات الأمنية في الأماكن العامة ووسائل النقل والمؤسسات التربوية لوضع حد لكلّ أصناف الجريمة والقتل والاغتصاب والسرقة والعنف".
يلفت حكيمة إلى أنّ الجريمة موجودة في أغلب البلدان، وأنّ النجاحات الأمنية في تونس ساهمت في القبض على الجناة والمعتدين وفي فرض الأمن، إلى جانب الدور الوقائي للحدّ من الجرائم الذي يتمثل بالانتشار الأمني على الأرض، مبيناً أنّ وزارة الداخلية لا يمكنها بمفردها مقاومة هذه الحالات بل لا بدّ من تضافر جميع جهود منظمات ومكونات المجتمع المدني والإعلاميين مع الوزارة في هذا السبيل. يضيف حكيمة أنّ جرائم المال والشيكات وعمليات السطو المسلح والعنف الشديد تحصل نتيجة الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي، فإنّ الحلول تكون أيضاً بمقاربة اقتصادية، واجتماعية وثقافية.
من جهته، يقول المتخصص في علم اجتماع الجريمة سامي نصر لـ"العربي الجديد" إنّ نسبة نمو الجريمة في تونس كانت قبل عام 2011 في حدود 5 في المائة أي أكثر بحوالى 3 مرات عن نسبة نمو السكان في تونس، وهو معدل يقترب من المعدل العالمي في الجريمة، معتبراً أنّ نسبة نمو الجريمة وصلت في السنوات الأخيرة إلى نحو 6.8 في المائة أي أكثر بـ6 مرات من نسبة نمو السكان.
يشير إلى أنّ الخطير ليس معدلات الجريمة فقط بل نوعية الجرائم المسجلة، ومنها الجرائم العنيفة التي ارتفعت بنسبة 70 في المائة. وهذه الجرائم، بحسب نصر، تنقسم الى جرائم ضدّ الممتلكات كالملك العام، وجرائم تجاه الذات مثل الانتحار والمخدرات، وجرائم ضد الآخرين. يوضح أنّ العنف قد يتطور "من مجرد سلوك منعزل إلى ظاهرة اجتماعية ثم يصل إلى ثقافة"، والخطير اليوم هو تحول العنف إلى ثقافة كما يقول. ويشير إلى أنّ أغلب الخطابات اليومية وحتى اللغة العامية التونسية أصبحت تتضمن الكثير من العنف، وبالتالي فقد حان الوقت لإيجاد الحلول المناسبة و"البحث عن معالجة جذرية للظاهرة".
بدوره، يقول المحامي منير بن صالحة إنّ ارتفاع نسبة الجريمة في تونس لا يعود الى غياب الردع فالقانون التونسي يتضمن ما يكفي من الفصول الردعية ويعاقب بالسجن وبعقوبات شديدة تصل إلى الإعدام في بعض الجرائم، بل يعود إلى الشعور السائد لدى كثيرين بأنّ القانون لا يطبق، وأنّ في الإمكان الإفلات من العقاب، وبالتالي يوحي أنّ السلطة ضعيفة. يضيف أنّ وجود مثل هذا الشعور لدى العموم يخلق نوعاً من الاستهتار بالجريمة التي أصبحت ترتكب بكلّ سهولة وبساطة، مبيناً أنّ "هناك جرائم بشعة ترتكب لأسباب بسيطة، فأحياناً تزهق سيجارة روح إنسان، ومن أجل مبلغ مالي بسيط قد يقتل شخص، وبهدف سلب هاتف جوال قد تغتصب النساء".
يوضح بن صالحة أنّ انتشار المخدرات والممنوعات ساهما أيضاً في ارتفاع نسبة الجريمة، وبالتالي، لا بدّ من التفكير في إصلاح عميق نفسي واجتماعي وقانوني للجريمة والعنف في تونس. كما يدعو أيضاً إلى ضرورة إصلاح السجون التونسية التي تعاني من الاكتظاظ وقد لا تؤدي دائماً إلى الإصلاح بل قد تساهم في تكوين المجرمين.