منذ لجأت إلى مخيّم دير البلح في قطاع غزة، تُناضل سعدة علي محمد صالحة للعيش، من دون أن تفقد الأمل في العودة إلى المكان الذي ولدت فيه. هذه المرأة التي ولدت في عام 1928، كانت قد لجأت وزوجها إلى المخيّم هرباً من القصف. وباتت تمثّل ذاكرة وطنيّة للاجئين في مخيّم دير البلح، وقد شاركت في العمل الإنساني والوطني فيه.
شهدت الاحتلال الإنكليزي لفلسطين، حين كانت تعيش مع عائلتها في بلدة سلمة في يافا. وتذكر أنه في شهر إبريل/ نيسان من عام 1936، حين بدأت الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال الانكليزي وضد الهجرة اليهودية، توفي والدها. بعدها، تزوجت وانتقلت للعيش مع زوجها في قرية بربرة.
في عام النكبة، كانت حاملاً في شهرها التاسع، وقد أنجبت طفلها الأول أثناء هربها تحت القصف. وبعد أيام، توفي بسبب قلة الرعاية. دفنته بنفسها، وانتقلت للعيش مع زوجها في مخيم دير البلح. وكان زوجها قد أصيب نتيجة المعارك، ما اضطرها إلى الانخراط في الحياة العملية. بداية، كانت تنقل الرمال من منطقة المواصي في جنوب مدينة خانيونس، قبل أن تبدأ العمل في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وبقيت لمدة 14 عاماً. لكن حياتها تغيرت بعدما استشهد ابنها مفيد في عام 1967، لتنشط في الثورة الفلسطينيّة.
بدأت تساعد الثوار في نقل الأسلحة من جنوب القطاع إلى وسطه وشماله. كانت تحمل الأسلحة في سلة خضار على رأسها، وقد نجت مرات عدة من حواجز التفتيش. في عام 1970، سجنت مدة 45 يوماً، من دون أن تفصح عن أسماء الثوار. وبعدما توفي زوجها المريض، سجنت مرة أخرى لمدة عام وستة أشهر بتهمة مساعدة الثوار، ومكثت في زنزانة مدّة ثلاثة أشهر وقد أنكرت كل التهم. عذبوا ابنها وليد أمامها، علّها تعترف، إلا أنها رفضت وانقضّت على الجندي. وبعد الإفراج عنها في عام 1972، خسرت وظيفتها في "الأونروا".
بعدها، عملت في مدرسة دير البلح الحكوميّة لمدة عشرة أعوام، من دون أن تتخلّى عن دعم الثوّار. في عام 1982، اعتقلت مرة ثالثة لمدة عام ونصف العام، بعدما ادّعى الاحتلال أن أحد الثوّار اعترف بدورها في نقل أسلحة. وبعد خروجها من السجن، عملت في المستشفى الانكليزي في غزة، والذي يعرف حالياً بالمستشفى المعمداني، في مجال العلاج الطبيعي لمدة 25 عاماً. كان يفترض أن تتقاعد في عام 2003، لكنّ حبّ الناس والمرضى لها جعل إدارة المستشفى تمدّد عملها خمسة أعوام إضافية، لتتقاعد في عام 2008.
اليوم، تعيش وسط مخيم دير البلح. يقصدها كثيرون لإحياء بعض الذكريات، وتحرص على الحفاظ على ارتداء الثياب المطرزة.