تحاول المدارس الفرنسية الخاصة أن تقدم تعليماً أفضل من الحكومية. لا تقتصر المحاولة على الانتهاء من المقررات في وقتها، وندرة غياب المعلمين، بل تمتد إلى التدريس الرقمي المنتشر أكثر
قررت أسرة رشيد الوردي أن تسجل ابنيها في مدرسة فرنسية خاصة، بعدما اكتشفت أنّ التعليم الخاص أفضل من الحكومي من عدة نواحٍ أبرزها "دخول العصر الحديث". طُلب منها، هذه السنة، دفع مبلغ 19 يورو سنوياً (كان 9 يورو في السنة الماضية)، من أجل الحصول على نسخة رقمية للمقررات المدرسية، يمكن للتلميذين أن يراجعاها في منزلهما. لكن هل يعني هذا أنّ طريق الرقمنة سالك وسهل في المدارس الفرنسية؟
في الواقع، ما زال الطريق طويلاً إلى تحقيق الحلم الذي دافع عنه أحد السياسيين الفرنسيين في حملة انتخابية سابقة، والمتمثل في منح جهاز لوحي (تابلت) لكلّ تلميذ في المدارس الحكومية. ما زالت الكلفة عالية، والأموال غير متوافرة، أو أنّ القرار السياسي ما زال ينتظر التنفيذ، على الرغم من انتشار التعريف المتفائل لـ"السبورة الإلكترونية" باعتبارها "محفظة الغد" التي لن يحتاج التلميذ إلى كتب معها.
لا شك في رغبة الحكومة الفرنسية في تعزيز رقمنة البرامج الدراسية، ولو أنّ الطريق ما زال شاقاً، وتحتاج إلى تجارب عديدة، حتى يتسنى تعميمها على الصعيد الوطني. ومن هنا يجب النظر إلى الخطة الرقمية للحكومة الفرنسية التي ترمي إلى تجهيز المدارس الإعدادية بأجهزة تابلت أو أجهزة كومبيوتر محمول (لابتوب). وفي الدخول المدرسي لسنة 2016، جرى تجهيز 50 في المائة من المدارس الإعدادية في ثلاث مناطق في الضاحية الباريسية هي سين سان دوني، وسين إي مارن، وفال دي مارن، بالتابلت واللابتوب، مقابل 25 في المائة على الصعيد الوطني. وكانت الأهداف متعددة، منها ما يراد به الانفتاح على مناطق التعليم الصعبة في فرنسا، التي غالباً ما يرفض المعلمون العمل فيها، وأيضاً محاولة معالجة "الفجوة الرقمية" التي يحذر منها السياسيون الفرنسيون في كلّ استحقاق سياسي، ليس فقط في الداخل الفرنسي، بل أيضاً على المستوى الأوروبي، إذ لا تعتبر فرنسا رائدة في المجال الرقمي.
اقــرأ أيضاً
على الرغم من أنّ الكتاب الإلكتروني لم ينتشر بعد، بدرجة تجعل منه منافسا شديداً وحاسماً للكتاب الورقي، إذ إنّ الأخير ما زال السائد، وهو المطلوب من كلّ تلميذ توفيره، فتحت بعض المدارس خزانة صغيرة لكلّ تلميذ يترك فيها كتبه الورقية، ولا يحملها معه كلّ يوم، في محفظة من البيت وإليه، وهي محفظة لا تتوقف عن التضخم، بشكل دفع الكثير من أهل التلاميذ والأطباء إلى التحذير من تأثير ثقلها على صحة التلميذ، الذي يحمل أحياناً ما بين 10 و30 في المائة من وزن جسده.
يُسمح في هذه المدارس، أحياناً، بأن يوجد كتاب ورقي لكلّ تلميذين، إلاّ أنّ الكتاب الرقمي بدأ في التسلل عبر بوابات ونوافذ ملتوية. وهو ما يمكن تلمّسه من خلال ضمّ كلّ الأقسام المدرسية شاشات يعرض من خلالها المدرّسون نصوصهم الرقمية، من حين إلى آخر. لكنّ هذه الشاشات لا تكون فعالة إلاّ في أقسام تضم أفواجاً قليلة من التلاميذ. ويأتي تعميم سبورات الحائط الرقمية في الثانويات، كما يقول قدور زويلاي، وهو معلم للغة العربية في إحدى ثانويات باريس "من أجل خلق تفاعل أكبر بين المعلم والتلاميذ".
تجدر الإشارة إلى اختلاف أنواع الكتاب الرقمي، فهو قد يكون مجرد كتاب مرقمن (جامد كالكتاب الورقي) أو ثري بأدوات الفيديو، وأخيرا، هناك الكتاب التفاعلي.
على صعيد المجتمع الفرنسي يواصل الكتاب الرقمي ترسيخ مكانته، إذ حقق سنة 2017 أرباحاً تجاوزت 98 مليون يورو، وهو ما شكّل زيادة 9 في المائة قياساً بالسنة التي سبقتها. وما يعزز مكانة هذا النوع من الكتب، هو أنّ قراءها يقرأون أيضاً الكتاب المطبوع. وتشير التقديرات إلى أنّ المتوفرين على قارئ الكتب الرقمية "ليزوز" يقتنون، في المتوسط، 14 كتاباً، سنوياً، منها 8 كتب رقمية، وهم، بالتالي، من أكبر مستهلكي الكتب. وقد بدأت دور النشر الفرنسية في الاستفادة من الأدوات الرقمية ومحاولة التأقلم معه.
في إطار هذه المواجهة بين الكتاب المطبوع، بكلّ تاريخه الطويل، وبين الوافد الجديد، المتردد، أحياناً، يحاول أنصار الأخير استعراض ميزاته، وعلى رأسها ارتفاع كلفة المؤلفات المدرسية التقليدية، مالياً وأيضاً تأثيرها على البيئة. من هنا فإنّ بعض المؤلفات المدرسية في مستوى المدارس الثانوية تصل إلى 80 يورو، وأحياناً إلى 150 يورو في الجامعة. ويستطيع الكتاب الرقمي، بسهولة، أن يقدم ثمناً مخفضاً، ربما يتدنى إلى النصف أو أقلّ.
اقــرأ أيضاً
كذلك، فإنّ الكتب الرقمية لا تأخذ حيزاً مكانياً واسعاً كالكتب الورقية، فقارئ الكتب الرقمية "كيندل" الذي تنتجه "أمازون" يمكن أن يضم 1100 كتاب رقمي، مع العلم أنّه لا يزن أكثر من 206 غرامات. كذلك، فإنّ القارئ يستطيع تحميل هذه الكتب، مجاناً إلى جهاز آخر، في حال تعطله.
بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الكتاب الرقمي أن يتباهى بأنّه أكثر مرونة، مقارنة مع مطبوعات مدرسية، لا تخلو، أحياناً، من أخطاء أو مفاهيم جرى فيها بعض التطور بعد نشرها، وبالتالي فهي غير دقيقة. وبذلك، فإنّ آفاق وإمكانات الكتاب الرقمي، بالرغم من كلّ التحديات، كبيرة جداً.
قررت أسرة رشيد الوردي أن تسجل ابنيها في مدرسة فرنسية خاصة، بعدما اكتشفت أنّ التعليم الخاص أفضل من الحكومي من عدة نواحٍ أبرزها "دخول العصر الحديث". طُلب منها، هذه السنة، دفع مبلغ 19 يورو سنوياً (كان 9 يورو في السنة الماضية)، من أجل الحصول على نسخة رقمية للمقررات المدرسية، يمكن للتلميذين أن يراجعاها في منزلهما. لكن هل يعني هذا أنّ طريق الرقمنة سالك وسهل في المدارس الفرنسية؟
في الواقع، ما زال الطريق طويلاً إلى تحقيق الحلم الذي دافع عنه أحد السياسيين الفرنسيين في حملة انتخابية سابقة، والمتمثل في منح جهاز لوحي (تابلت) لكلّ تلميذ في المدارس الحكومية. ما زالت الكلفة عالية، والأموال غير متوافرة، أو أنّ القرار السياسي ما زال ينتظر التنفيذ، على الرغم من انتشار التعريف المتفائل لـ"السبورة الإلكترونية" باعتبارها "محفظة الغد" التي لن يحتاج التلميذ إلى كتب معها.
لا شك في رغبة الحكومة الفرنسية في تعزيز رقمنة البرامج الدراسية، ولو أنّ الطريق ما زال شاقاً، وتحتاج إلى تجارب عديدة، حتى يتسنى تعميمها على الصعيد الوطني. ومن هنا يجب النظر إلى الخطة الرقمية للحكومة الفرنسية التي ترمي إلى تجهيز المدارس الإعدادية بأجهزة تابلت أو أجهزة كومبيوتر محمول (لابتوب). وفي الدخول المدرسي لسنة 2016، جرى تجهيز 50 في المائة من المدارس الإعدادية في ثلاث مناطق في الضاحية الباريسية هي سين سان دوني، وسين إي مارن، وفال دي مارن، بالتابلت واللابتوب، مقابل 25 في المائة على الصعيد الوطني. وكانت الأهداف متعددة، منها ما يراد به الانفتاح على مناطق التعليم الصعبة في فرنسا، التي غالباً ما يرفض المعلمون العمل فيها، وأيضاً محاولة معالجة "الفجوة الرقمية" التي يحذر منها السياسيون الفرنسيون في كلّ استحقاق سياسي، ليس فقط في الداخل الفرنسي، بل أيضاً على المستوى الأوروبي، إذ لا تعتبر فرنسا رائدة في المجال الرقمي.
على الرغم من أنّ الكتاب الإلكتروني لم ينتشر بعد، بدرجة تجعل منه منافسا شديداً وحاسماً للكتاب الورقي، إذ إنّ الأخير ما زال السائد، وهو المطلوب من كلّ تلميذ توفيره، فتحت بعض المدارس خزانة صغيرة لكلّ تلميذ يترك فيها كتبه الورقية، ولا يحملها معه كلّ يوم، في محفظة من البيت وإليه، وهي محفظة لا تتوقف عن التضخم، بشكل دفع الكثير من أهل التلاميذ والأطباء إلى التحذير من تأثير ثقلها على صحة التلميذ، الذي يحمل أحياناً ما بين 10 و30 في المائة من وزن جسده.
يُسمح في هذه المدارس، أحياناً، بأن يوجد كتاب ورقي لكلّ تلميذين، إلاّ أنّ الكتاب الرقمي بدأ في التسلل عبر بوابات ونوافذ ملتوية. وهو ما يمكن تلمّسه من خلال ضمّ كلّ الأقسام المدرسية شاشات يعرض من خلالها المدرّسون نصوصهم الرقمية، من حين إلى آخر. لكنّ هذه الشاشات لا تكون فعالة إلاّ في أقسام تضم أفواجاً قليلة من التلاميذ. ويأتي تعميم سبورات الحائط الرقمية في الثانويات، كما يقول قدور زويلاي، وهو معلم للغة العربية في إحدى ثانويات باريس "من أجل خلق تفاعل أكبر بين المعلم والتلاميذ".
تجدر الإشارة إلى اختلاف أنواع الكتاب الرقمي، فهو قد يكون مجرد كتاب مرقمن (جامد كالكتاب الورقي) أو ثري بأدوات الفيديو، وأخيرا، هناك الكتاب التفاعلي.
على صعيد المجتمع الفرنسي يواصل الكتاب الرقمي ترسيخ مكانته، إذ حقق سنة 2017 أرباحاً تجاوزت 98 مليون يورو، وهو ما شكّل زيادة 9 في المائة قياساً بالسنة التي سبقتها. وما يعزز مكانة هذا النوع من الكتب، هو أنّ قراءها يقرأون أيضاً الكتاب المطبوع. وتشير التقديرات إلى أنّ المتوفرين على قارئ الكتب الرقمية "ليزوز" يقتنون، في المتوسط، 14 كتاباً، سنوياً، منها 8 كتب رقمية، وهم، بالتالي، من أكبر مستهلكي الكتب. وقد بدأت دور النشر الفرنسية في الاستفادة من الأدوات الرقمية ومحاولة التأقلم معه.
في إطار هذه المواجهة بين الكتاب المطبوع، بكلّ تاريخه الطويل، وبين الوافد الجديد، المتردد، أحياناً، يحاول أنصار الأخير استعراض ميزاته، وعلى رأسها ارتفاع كلفة المؤلفات المدرسية التقليدية، مالياً وأيضاً تأثيرها على البيئة. من هنا فإنّ بعض المؤلفات المدرسية في مستوى المدارس الثانوية تصل إلى 80 يورو، وأحياناً إلى 150 يورو في الجامعة. ويستطيع الكتاب الرقمي، بسهولة، أن يقدم ثمناً مخفضاً، ربما يتدنى إلى النصف أو أقلّ.
كذلك، فإنّ الكتب الرقمية لا تأخذ حيزاً مكانياً واسعاً كالكتب الورقية، فقارئ الكتب الرقمية "كيندل" الذي تنتجه "أمازون" يمكن أن يضم 1100 كتاب رقمي، مع العلم أنّه لا يزن أكثر من 206 غرامات. كذلك، فإنّ القارئ يستطيع تحميل هذه الكتب، مجاناً إلى جهاز آخر، في حال تعطله.
بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الكتاب الرقمي أن يتباهى بأنّه أكثر مرونة، مقارنة مع مطبوعات مدرسية، لا تخلو، أحياناً، من أخطاء أو مفاهيم جرى فيها بعض التطور بعد نشرها، وبالتالي فهي غير دقيقة. وبذلك، فإنّ آفاق وإمكانات الكتاب الرقمي، بالرغم من كلّ التحديات، كبيرة جداً.