حذر خبراء ومختصون في شؤون الإعمار والترميم من أن المعوّقات التي تضعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمام أعمال الترميم لمصليات المسجد الأقصى الثلاثة تهدد بنحو خطير هذه المصليات بالتلف والانهيار، بالنظر إلى أنها مشيدة بمواد عضوية وليست بالخراسانات الحديدية والإسمنتية، مشيرين إلى ثلاثة أهداف للاحتلال وراء وضع العقبات.
وكشفت الأمطار الغزيرة التي هطلت أخيراً عن بعض هذه الأخطار، وخاصة مع استمرار الدلف في أسطح وسقوف مصليات: القبلي والمرواني وباب الرحمة، ما اضطر العاملين على شؤون هذه المصليات إلى وضع دلال خاصة لتجميع المياه المتسربة والتي تشبعت بها البسط والسجاجيد، فيما سجل سقوط قطع من فسيفساء الجدران الخارجية لمسجد الصخرة المشرفة.
ويشير نائب المدير العام لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس د. ناجح بكيرات، والخبير المختص بشؤون المسجد الأقصى في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المعيقات التي يضعها الاحتلال أمام أعمال الترميم باتت تلحق ضرراً فادحة بمنشآت ومصليات المسجد الأقصى، حيث باتت كل عملية ترميم أو صيانة مهما كانت صغيرة رهناً بموافقة شرطة الاحتلال والحصول على تصريح مسبق منها.
ويقول الشيخ بكيرات: "منذ عام 2001، أي بعد اقتحام رئيس وزراء الاحتلال أريئيل شارون حينها للمسجد الأقصى، بدأت سلطات الاحتلال تشوش على عمليات الترميم التي تقوم بها الأوقاف، بل وتمنعها كما حدث في منع الأوقاف من تبليط بوابات المصلى المرواني الشمالية، ثم أخذت هذه الإجراءات منحى جديداً باستهدافها صلاحيات الأوقاف في الترميم، بما في ذلك إخراج ما ينتج من الترميم من أتربة تتكدس اليوم جهة المصلى المرواني".
ويتابع بكيرات: "كما بدأت سلطات الاحتلال تمنع إدخال مواد الترميم حتى وصل الأمر بمنع الأوقاف من إدخال أي شيء إلا بإذن شرطة الاحتلال، قبل أن تشترط على الأوقاف مشاركة طواقم سلطة الآثار الإسرائيلية في أية عملية ترميم، الأمر الذي رفضته إدارة الأوقاف بالمطلق، لأن الأمر برمته متعلق بحصرية إدارة المكان بيد الأوقاف".
ووفق بكيرات، فإنه "إثر ذلك شددت سلطات الاحتلال من مراقبة أعمال الترميم، لدرجة أن تركيب لمبة كهرباء أو تصليح ماسورة مياه مكسورة لا يتم إلا بالحصول مسبقاً على إذن شرطة الاحتلال".
وفي تحليله لهدف الاحتلال من فرض هذه القيود، يقول بكيرات: "أعتقد أن الاحتلال يريد أن يحقق عدة غايات، منها إنهاء دور الأوقاف في الترميم والصيانة وإضعافه بشكل كبير جداً، وتعريض المسجد الأقصى للأخطار التي يواجهها حالياً، وهو يعلم أن المسجد الأقصى بكل ما فيه هو مبنى تاريخي أثري وهو معرض للتلف، حيث إنه مبني من مواد عضوية، وإن أي خلل بسبب تسرب المياه في هذه المباني سيزيد من تلفها، ما يعني أنه يعطي شهادة وفاة لهذه المصليات والمباني التاريخية، ما يهددها بالانهيار".
فيما غاية الاحتلال الثالثة، وفق بكيرات، بإجراءاته هذه، فرض سيادته الإدارية إلى جانب سيطرته الأمنية حالياً، حيث بات يتدخل في كل صغيرة وكبيرة من أعمال الترميم والصيانة التي تقوم بها لجنة الإعمار التابعة للأوقاف، واستهدافه لمديرها وطواقمها بالاعتقال، حتى أولئك الذين يقومون بترميم الفسيفساء، ما عطل الدور الفني للعاملين".
ويعتقد بكيرات أن الاحتلال بات اليوم يهدد بشكل كبير المسجد الأقصى ويمسك بخاصرته المؤلمة، ما يعرّض جميع مصلياته ومبانيه للانهيار، وخصوصاً مع استمرار الدلف الحالي للمياه وتسربها إلى داخل تلك المباني.
أما رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس وخطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري فيعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، استمرار الاحتلال في منع وعرقلة أعمال الترميم داخل المسجد وفي محيطه "محاولة مكشوفة لفرض سيادته على المسجد، وشل عمل لجنة الإعمار التابعة للوقف الإسلامي، وهو ما نرفضه وندينه بأشد العبارات".
ويضيف صبري أن "هذه الممارسات تُعَدّ تدخلاً في إدارة الأقصى وشؤونه وسحب البساط من صلاحية الأوقاف، وهذه ليست المرة الأولى التي تُعَرقل فيها عمليات الترميم، بل هم مستمرون في عدة إجراءات عدوانية بحق الأقصى من أجل فرض السيادة عليه".
فيما يقول رئيس قسم المخطوطات في المسجد الأقصى سابقاً رضوان عمرو، إن "الاحتلال من خلال ممارساته بحق الأقصى ومنعه أعمال الترميم إنما يهدف إلى إيجاد موطئ قدم له في المسجد الأقصى وسلطة إدارية وقانونية عليه، إضافة إلى إخضاعه لسلطة الآثار وقوانينها، ولقوانين التنظيم والبناء في بلدية الاحتلال، وهذا الأمر في غاية الخطورة".
ويتابع عمرو: "الاحتلال في كل أعمال الترميم يحاول فرض مراقب من سلطة الآثار ومن قسم الإنشاءات والأبنية الخطرة في بلديته، بهدف واضح، وهو جرّ الأقصى للاحتكام للقوانين والمحاكم الإسرائيلية، وقد بدا ذلك واضحاً في مسألة ترميم المصلى المرواني في الأعوام 1995 ــ 2000، إذ دخلت المحاكم الإسرائيلية بقوة في هذا الملف، وتلقت كثيراً من الشكاوى من جماعات الهيكل ومن طرف البلدية وسلطة الآثار بهدف انتزاع قرارات من هذه المحاكم تمنع أعمال الترميم وإدخال مواد البناء، بحجة أن هناك تدميراً يحدث للآثار جراء أعمال الترميم".