يُغالبه النعاس ويُخمد البرد حيويته ونشاطه، ولكن صيحات النداء المتكررة تحاصره بإلحاح للنهوض فهناك "يوم دراسي جديد"، يرفع الغطاء وهو مغمض العينين يود لو يُخَبِّئ نومه العميق أسفل وسادته ليسترده سهلاً حين يعود من المدرسة، يتجه هائماً إلى حيث ترك ملابسه التي خلعها بالأمس القريب، يرتديها –ذاتها- مجدداً، صيحات تالية تنبهه لارتداء المزيد من الملابس التي تحميه من برد الشتاء وأمطاره..
الآن وصل الصياح إلى السماء وبلغ الإلحاح المدى: "أسرع لقد حان وقت النزول"! مع دوامة العمل المتواصل التي تُفرض على الطلاب بمجرد بدء العام الدراسي وعلى مداره بين المدرسة والدروس الخصوصية، ربما يمثل ذلك سيناريو الصباح للكثير منهم، وفيه ينزل الطفل من بيته دون حتى أن يتناول فطوره، مع الحركة والنشاط تبدأ معدته في العواء، فيهرع لالتهام كل ما يتاح أمامه "أي شيء وفي أي وقت"!، وبخلاف عبارات التقريع التي ينالها من معلميه بمنع الأكل أثناء الحصص الدراسية، يُصر الطفل الجائع على اختلاس بعض اللقيمات التي تسد رمقه وربما تُسري عنه بعض رتابة اليوم الدراسي، حتى يأتي وقت "الفسحة" الذي يحدد في منتصف اليوم الدراسي غالباً.
الآن وصل الصياح إلى السماء وبلغ الإلحاح المدى: "أسرع لقد حان وقت النزول"! مع دوامة العمل المتواصل التي تُفرض على الطلاب بمجرد بدء العام الدراسي وعلى مداره بين المدرسة والدروس الخصوصية، ربما يمثل ذلك سيناريو الصباح للكثير منهم، وفيه ينزل الطفل من بيته دون حتى أن يتناول فطوره، مع الحركة والنشاط تبدأ معدته في العواء، فيهرع لالتهام كل ما يتاح أمامه "أي شيء وفي أي وقت"!، وبخلاف عبارات التقريع التي ينالها من معلميه بمنع الأكل أثناء الحصص الدراسية، يُصر الطفل الجائع على اختلاس بعض اللقيمات التي تسد رمقه وربما تُسري عنه بعض رتابة اليوم الدراسي، حتى يأتي وقت "الفسحة" الذي يحدد في منتصف اليوم الدراسي غالباً.
سوء التغذية
ينتج عن ذلك -"التهام أي شيء في أي وقت"!- ما يعرف بسوء التغذية، بحسب منظمة الصحة العالمية WHO فإن عدم الحصول على أطعمة ذات قيمة غذائية عالية، وخاصة في السياق الحالي من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، هو سبب شائع من أسباب سوء التغذية، يضاف إليه كذلك ممارسات التغذية السيئة، مثل تقديم الأطعمة الخاطئة وعدم التأكد من أن الطفل يحصل على ما يكفي من الطعام المغذي".
فيما يمكن تقسيم سوء التغذية عموماً لنوعين (الأول يخص الإسراف في التغذية Over nutrition- والثاني يرتبط بنقص التغذية Under nutrition). في مصر، حسب بعض الإحصاءات الواردة في الموجز التحليلي "الأطفال في مصر 2015" الصادر عن اليونيسيف. يعاني حوالي 71.4 في المئة من الأطفال في الفئة العمرية بين 5 – 19 عاماً من بعض الزيادة في الوزن، يزيد عليهم حوالي 20 في المئة من نفس الفئة العمرية يعانون الزيادة المفرطة في الوزن "السمنة"، بينما تصل نسبة الأطفال -في نفس الفئة العمرية- الذين يعانون من فقر الدم إلى 38.4 في المئة.
وبحسب ما تفيد به الدراسات فإن لسوء التغذية تأثيرات أكيدة ومتعددة على القدرات التحصيلية والإدراكية للأطفال، حيث تتأثر الأخيرة سلباً بأمراض الضعف العام الناتجة عن سوء التغذية، وهو ما يترجم إلى تأخر دراسي ورسوب صفي وتسرب من المدرسة وفي النهاية إمداد السوق بمخرج تعليمي قليل الكفاءة وضعيف المهارات، يظل عبئاً على سوق العمل! لذلك تقدر التكلفة الاقتصادية المترتبة على سوء التغذية في مصر حوالي 1.1 بليون جنيه مصري، وفقاً للأرقام الواردة في تقرير (تكلفة سوء التغذية: ضرورة تدخل السياسات) الصادر في يوليو 2016 عن الجلوبال بانيل Global Panel وهكذا يتلاحم سوء التغذية مع تشوش السياسات التعليمية وضآلة المخصصات المالية للتعليم وتجاهل التأهيل الجاد والمستمر للمعلمين، لتقف جميعاً، كمهددات سرطانية تتمدد بلا رادع، وراء تدني كفاءة مخرجات النظام التعليمي في مصر.
التغذية المدرسية
من المتفق عليه، أن للمدرسة دورا هاما سواء لجهة التوعية بالعادات الغذائية السليمة أو لجهة دعم إمداد الطلاب ببعض الوجبات الغذائية أثناء اليوم الدراسي وهو ما يعد أحد السبل العالمية للدعم غير المباشر للأسر الفقيرة، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة FAO "إن تقديم الوجبات والأغذية الخفيفة الصحية في المدارس يحسّن صحة التلاميذ ورفاهم التغذوي، ما يمكّنهم من النمو بصورة سليمة والتعلّم على نحو جيد. كما تساعد برامج التغذية المدرسية في المجتمعات التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في محاربة سوء التغذية، وتساعد كذلك في إبقاء الأطفال على مقاعد الدرس".
في مصر، توجد منظومتان للتغذية المدرسية، الأولى تخص وزارة التربية والتعليم والثانية تتبع الأزهر، تستهدف الأولى إعانة التلاميذ "الفقراء"، لذلك فهي تتلقى بعض الدعم من القطاع الخاص وبعض الجهات الأجنبية، بينما تستهدف الثانية إمداد كل التلاميذ بوجبات "صحية"، وهي تفتقر لأى إمدادات خارجية، لذلك يعتبر الخبراء أن التعاون بين المنظومتين والاتفاق على هدف واضح ومحدد جراء تطبيق برامج التغذية المدرسية من شأنه أن يعظم فرص الاستفادة منها ويعزز فرص تطويرها.
على سبيل المثال "يجب تحديد الهدف من التغذية المدرسية سواء دعم الأسر الفقيرة أو تحسين الحالة الصحية للتلاميذ أو رفع معدلات الحضور، فإذا استقر الهدف على دعم الفقراء فلابد من إيجاد آلية واضحة تضمن استهداف التلاميذ الفقراء، حيث أن استهداف التلاميذ بالمدارس الموجودة بالمناطق النائية والفقيرة لا يضمن بالضرورة استهداف التلاميذ الفقراء" ذلك بحسب ما ورد في تقرير "منظومة التغذية المدرسية في مصر 2014" الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
ورغم ارتفاع معدلات تغطية التغذية المدرسية - بحسب الإحصاءات الرسمية- في مختلف المحافظات بمصر سواء على مستوى أعداد المدارس التي تصلها أو لجهة كفايتها طوال أيام العام الدراسي، فإن بعض حالات التسمم الغذائي ترافقها بين الحين والآخر، نظراً لضعف رقابي يسمح بتوزيع وجبات منتهية الصلاحية على التلاميذ، تساهم في فقد الثقة -إلى حدٍ ما- فيها من جهتي الأطفال وأسرهم.
التربية الغذائية
يتفق عدد من المنظمات العالمية المعنية بالصحة والتغذية على ضرورة أن تلعب المدرسة دوراً في تعليم الطلاب حول الأنظمة الغذائية السليمة، من خلال تنظيم أنشطة تعليمية لا يقتصر دورها على تلقينهم بالمعلومات التغذوية السليمة، وإنما تحفيزهم للتطلع الإيجابي لأنظمة الغذاء الصحية، بحيث يتكون لديهم وعي حقيقي بأهمية تناول أطعمة جيدة وإدراك توابع ذلك على صحة الأفراد. تعزيزاً لذلك الدور تقترح بعض المنظمات (CDC) أن يتفادى المعلمون مكافأة طلابهم بالحلوى والسكريات، ربما بدلاً من ذلك يمكنهم مكافأتهم بفترات راحة أطول، نزهة قصيرة مع المدير أو المدرس، بعض الملصقات أو الكتب.
وهكذا يتطور شكل المدرسة ودورها يوماً بعد يوم في كل بقاع العالم، حتى صار منوطاً بها أن تكون مكاناً يستكشف منه الطفل الحياة ككل.