حمّلت الحرب في سورية المرأة هموماً أخرى وأوزاراً أيضاً، ومع كل ما حملته الحرب في أجوائها من نسف لكلّ طرق حياتنا؛ لم تستطع أن تطيح العادات والتقاليد البالية التي عفا عنها الزمن، ولمّا نتجرّأ أن نعفو عنها بعد.
كنت أدرك أنّ حقيبتها تضم أشياء كثيرة ستفاجئني بها تباعاً، وبما يناسب تطوّري العمري، كما تقول، وكنت أتلهف لأن أكبر، وأرمق حقيبتها السوداء اللامعة والقصيرة اليد، والتي لم تغيّرها أمي، وفاء لها، ولأنّها لم تكون تهوى التغيير.
أستميحك العذر، أيّها الثلج الذي لم تعد نفسي تنتظره، ولا روحي تعانق نقاءه، ففي القلب متسع كبير للألم والوجع والسواد فقط، وعذراً فيروز؛ لم يضع شادي فقط، فقد ضعنا جميعاً، وبقي الثلج.
امتدّت آثار الأزمة، ليشعر معها السوري إنّها شملت العالم بأسره، ففي كلّ يوم نسمع عن أحداث مرعبة، يُشار من خلالها بأصابع الاتهام أولاً للسوريين، أينما وقعت تلك الأحداث، وكيفما كان حجمها وشكلها، فهم المغضوب عليهم، وهم الضالون!
نتعطّش لقراءة أخبارٍ تطمئننا أنّ هناك من يفكر بطريقة صحيحة، ويترجم أفكاره على أرض الواقع، فالآثام الكبرى التي ارتكبت بحق سورية من أبنائها، لن يكفرها فضحها، أو الكتابة عنها فقط؛ وإنما تجاوزها بخطوات أكثر قرباً من المواطن، وأكثر فائدة له.
الاندماج مع الحضارات الأخرى حقٌ ضروري، بل وواجب، وهو لا يلغي شخصيتك، ولا يلبسك ثوباً فضفاضاً؛ وإنما يمنحك رحلة طريفة وجديدة لذاتك عبر قارات ستمنحك الكثير من العطاءات التي إن عرفت كيف تقيّمها.
خساراتنا تزداد، والخناق يضيق أكثر فأكثر، وخارج جسدك أنت محكومٌ بما يسمح لك بالتحرّك خلاله، وداخل فكرك أنت منغلق ومنكفئ على أفكار تحيا وتموت دون أن ترى النور لأنّها تتلاشى قبل أن تظهر.
تبدو محطات حياة المواطن السوري، وكأنها وقفت عند محطة واحدة هي الانتظار المتخم باللامبالاة لانتهاء الحرب، فحتى الظروف الصعبة، والمآسي التي أصبحت من قوت حياته باتت رفيقة درب اعتاد عليها، بل وروّض نفسه على عدم التفكير بانتهائها.
القابض على سوريته اليوم كالقابض على جمرة؛ وتتأرجح الأفكار متكئة على المصالح الشخصية، والمواقف المتسرّعة، والمبنية على أساس التعصّب حيناً، والثأر البغيض حيناً آخر، لم نعد نذكر من ماضي الأمة إلا سلبياتها، ولم نعد نغتنم من الحاضر إلا تدميره.
لسنا قادرين على تحميل الفن أكثر مما يحتمل، فدور الفن طرح الأحكام المعيارية التي تصف ما يجب أن يكون، وليس ماهو كائنٌ بالفعل؛ وهذايدفعنا لتقديم الشكر للفنان ناصر القصبي، لجرأته بإسماع العالم صوته، في وقت تخاذل فيه الشعوب والحكومات أيضا.