بدت لي الجملة كأنها أحجية هاربة من كوابيسي: عطلة عيد عمال في وطن يغرق في البطالة.. المرض الذي يأكل عظام روح الطبقة التي من المفترض أن تكون "عمالا"، أليس هذا أمراً يدعو للتأمّل والضحك، تأمل القهر في أقصاه النفسي والوجودي؟
نحن أسرى الصور التي نوضع داخلها بحكم التوارث داخل مجتمعاتنا، صور داخل صور داخل صور، من أقل التفاصيل إلى أكبرها، وشيئاً فشيئاً تُحجب حرياتنا، تدخل السجن، سجن بلا أبواب لا مفاتيح، سجن أنت لست مقيّداً فيه، وفي الآن نفسه مقيّد.
يقول الواقع إنّه يوجد 4000 مقاتل تونسي في سورية فقط، والعدد قابل للزيادة، ويقول الواقع إنّ هؤلاء سفكوا الدماء واغتصبوا واعتدوا على الأرض والبشر، وهو ما يفرض العقاب، عقابهم وفق قوانين تلك الدول التي اغتصبوها وسفكوا دمها.
نعم، انتصرت حلب، انتصرت وهي تعرّي كلّ الوحوش الذين لبسوا ثوب إنسان بريء منهم. انتصرت، لأنّها منحت الإنسانية وجهها الحقيقي، منحتها القدرة على سحق كل الذين يركبونها من دون وجه حق.
يعيش التونسي اليوم تضارباً واضحاً بين ما كان يتأمله من الثورة وواقعه، المشكلات الاجتماعية في ارتفاع مستمر، وهو لا يرى أي باب فُتح لمحاولة الإصلاح، ولعل الملف الأكثر إحراجاً هو التشغيل، وكان العنوان الأبرز للثورة التونسية (شغل، حرية، كرامة وطنية).
أي كائن سيصبح عليه هذا الطفل الذي جعلنا من لغته الأولى لغة مسدسات ورشاشات وعربات عسكرية عملاقة؟ أي ثقافة زرعنا داخل ذاكرته البكر، وأي ثمار سيقطف، وسنقطف؟
المرأة العربية المبدعة محاصرة، لا تكتب من دون استعمال الرمز أو التشفير، لنجد أن مواضيع كالجسد مثلا (وهنا لا أتحدث عن الجنس) الجسد باعتباره من عناصر الوجود الانساني، إذ يتم تناوله بكثير من المراعاة الاجتماعية والثقافية.
من يحملون صفة الإنسان والثورة والتوق للحرية هم أنفسهم من يحملون صفة المواطنين الذين نقول أسماءهم مقرونة بمعنى الوطن والتضحية، ولا شيء سوى ذلك، هؤلاء المنذورون للقضايا الجوهرية.
نحن أيضا نموت بسبب خيالنا الذي تحوّل وحوّل الحقيقة، وصرنا فئران تجارب لوحوشٍ تريد لوجودها أن يصير أسطورة أو يخلّدَ مستعينين بعقل اعتاد الهزيمة، لا قدرة لديه على دحضِ الأكذوبةِ والخرافة.