28 يناير 2024
أكبر من زوبعة في "ديوان"
لعلها أقلّ من "زوبعةٍ في الديوان الملكي" أو "بيت الأردنيين"، كما درجت تسميته، غير أن التغييرات التي طاولت أخيرا رأس هرمه، وتعيين بديل له، تؤشّر إلى أن القضية أكبر من ذلك؛ لأن البديل نفسه أثار هو الآخر "زوبعةً" تجاوزت حدود الديوان.
أثارت قضية أخرى زوبعة كبيرة أيضًا، وكان بطلها، بحسب الأنباء الراشحة، أحد ضباط الحرس العاملين في الديوان الملكي الذين يرافقون الملك في جولاته على المدن والقرى. بدأت الواقعة، في إحدى تلك الجولات، حين كان يتفقد الملك مناطق في جنوبي المملكة، وكان من بين الجماهير المحتشدة امرأة تكافح لتسليم الملك ورقةً تلتمس فيها مساعدتها في بعض شؤونها، فما كان من هذا الضابط إلا أن تطوّع بتسلم الورقة، ووعدها بمتابعة قضيتها، ليتبيّن لاحقًا، أن له "مآرب أخرى"، حيث بدأ بالتحرّش بهذه المرأة، والتضييق عليها، مستندًا إلى طبيعة وظيفته في "الديوان الملكي" التي ارتأى أنها تتيح له نوعًا من "التنمّر" على خلق الله بلا مساءلة.
وفي إحدى مطاردات الضابط لها، لجأت المرأة إلى بيت أحد أبناء العشائر الكبيرة في الأردن، وكان الضابط نفسه، أيضًا، من عشيرةٍ أخرى معروفة، فما كان من الأول، بحكم العادات العشائرية، إلا أن دافع عن هذه المرأة وتشاجر مع الضابط المتنمّر، ما جعل الثاني يكيد لهذا الرجل، ويستفرد به في أحد شوارع العاصمة، فيعتدي عليه مع أبناء من عشيرته، ويوسعونه ضربًا ويتركونه مضرجًا بدمائه في الشارع، فأثار المشهد غضب الشارع الأردني، بعد أن تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن الذروة الدرامية للحدث جاءت حين تحركت عشيرة المضروب للثأر من عشيرة المعتدي، فنفذت هجومًا على إحدى مناطقها، وحطمت وهشمت وأطلقت الرصاص، وطالبت بالقصاص.
وفي "زوبعةٍ" قبلها، عمد موظف آخر في الديوان، هو نجل رئيس وزراء أسبق، إلى "التنمّر" على سائق باص على إحدى الطرق الخارجية، بسبب أولويات سيْر، وتسبب بتوقيفه ظلمًا في أحد مخافر الشرطة، ولم تهدأ الزوبعة، إلا بعد أن ظهرت الحقيقة، وأقيل المسؤول الديواني من منصبه.
ربما كانتا محض حادثتين فرديتين، غير أنهما استوقفتا الأردنيين كثيرًا؛ لأنهما صدرتا عن شخصين في ما يفترض أنه "بيت الأردنيين"، كونه يمثل ملاذهم الأخير كلما سدّت الحكومات والمسؤولون أبوابهم في وجوه الناس، فيلجأون إليه. ولذا بدأ يساورهم قلقٌ مشروعٌ حياله، وراح بعضهم يتساءل عن منهجية اختيار المرشّحين للعمل في هذا "البيت"، وهل يتم التدقيق، فعلًا، في خصالهم قبل خلفياتهم العشائرية ومناصب آبائهم، إذ المفروض في هذا البيت أن يضم من يمتلكون الحس الإنساني والشعور مع الناس، قبل أي مؤهلٍ آخر، لا من يستمدون من هذا الموقع حصانات التجبّر والتكبّر و"التنمّر" على العباد.
ينبغي أن يقال، بصراحة، إن ثمة فسادًا في مواقع عليا في الأردن، فقد حوكم مديرا مخابرات سابقان بتهم فساد ضخمة، أي أنهما كانا مؤتمنيْن على أدقّ الأجهزة الرسمية حساسيةً، ويفترض فيه أن يكون مسؤولا، في جزء من اختصاصه، عن مكافحة الفساد، كما شملت قائمة الفساد متنفذين كبارًا آخرين، منهم من هو معروفٌ بقربه من مؤسسة العرش، مثل وليد الكردي الذي يقال إنه فرّ إلى الخارج بملايين الدولارات. وأخيرا وصلت القائمة قبل أيام إلى مديرٍ سابق لضريبة الدخل. وفي كل تلك الحالات، كانت المعضلة الرئيسية ذلك الاحتماء الذي يمارسه الفاسدون والمتنمّرون بمؤسسة العرش، بالمبالغة في ادعاءات الولاء للملك، للتغطية على أفعالهم، وهي حالةٌ تنطبق، أيضًا، على صغار المتنمّرين من أبناء العشائر وغيرهم؛ إذ يكفي أن يهتف الواحد منهم بحياة الملك، قبل أن يغلق شارعًا أو يقتحم جامعة بالسيوف والخناجر، وكأن الاختباء خلف صورة الملك، أو الهتاف له، مسوغ لهذه الجرائم. أما الذين يأنفون من كيل عبارات التعظيم والتفخيم، فيجدون أنفسهم، دومًا، في خانة التشكيك بولائهم وانتمائهم، فيما أغلبيتهم أشدّ انتماء للوطن من غيرهم.
تتجاوز الزوبعة الجديدة حدود "الديوان الملكي"؛ إذ يأمل الأردنيون أن يعاد النظر في أسس التفريق بين الانتماء الحقيقي و"التهريج" الماكر بادّعائه للنهب والاستبداد بالخلق، كما يطمحون لإعادة ترتيب "بيتهم"، والتخلص من الشوائب التي زينت للملك أن "الشعب بخير"، و"البلد مستقر"، و"لا شيء يدعو للقلق". ولربما كان للهبة الشعبية أخيرا حسناتها في إثارة زوابع كثيرة ضربت كل الفناجين الراكدة على امتداد الوطن.
أثارت قضية أخرى زوبعة كبيرة أيضًا، وكان بطلها، بحسب الأنباء الراشحة، أحد ضباط الحرس العاملين في الديوان الملكي الذين يرافقون الملك في جولاته على المدن والقرى. بدأت الواقعة، في إحدى تلك الجولات، حين كان يتفقد الملك مناطق في جنوبي المملكة، وكان من بين الجماهير المحتشدة امرأة تكافح لتسليم الملك ورقةً تلتمس فيها مساعدتها في بعض شؤونها، فما كان من هذا الضابط إلا أن تطوّع بتسلم الورقة، ووعدها بمتابعة قضيتها، ليتبيّن لاحقًا، أن له "مآرب أخرى"، حيث بدأ بالتحرّش بهذه المرأة، والتضييق عليها، مستندًا إلى طبيعة وظيفته في "الديوان الملكي" التي ارتأى أنها تتيح له نوعًا من "التنمّر" على خلق الله بلا مساءلة.
وفي إحدى مطاردات الضابط لها، لجأت المرأة إلى بيت أحد أبناء العشائر الكبيرة في الأردن، وكان الضابط نفسه، أيضًا، من عشيرةٍ أخرى معروفة، فما كان من الأول، بحكم العادات العشائرية، إلا أن دافع عن هذه المرأة وتشاجر مع الضابط المتنمّر، ما جعل الثاني يكيد لهذا الرجل، ويستفرد به في أحد شوارع العاصمة، فيعتدي عليه مع أبناء من عشيرته، ويوسعونه ضربًا ويتركونه مضرجًا بدمائه في الشارع، فأثار المشهد غضب الشارع الأردني، بعد أن تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن الذروة الدرامية للحدث جاءت حين تحركت عشيرة المضروب للثأر من عشيرة المعتدي، فنفذت هجومًا على إحدى مناطقها، وحطمت وهشمت وأطلقت الرصاص، وطالبت بالقصاص.
وفي "زوبعةٍ" قبلها، عمد موظف آخر في الديوان، هو نجل رئيس وزراء أسبق، إلى "التنمّر" على سائق باص على إحدى الطرق الخارجية، بسبب أولويات سيْر، وتسبب بتوقيفه ظلمًا في أحد مخافر الشرطة، ولم تهدأ الزوبعة، إلا بعد أن ظهرت الحقيقة، وأقيل المسؤول الديواني من منصبه.
ربما كانتا محض حادثتين فرديتين، غير أنهما استوقفتا الأردنيين كثيرًا؛ لأنهما صدرتا عن شخصين في ما يفترض أنه "بيت الأردنيين"، كونه يمثل ملاذهم الأخير كلما سدّت الحكومات والمسؤولون أبوابهم في وجوه الناس، فيلجأون إليه. ولذا بدأ يساورهم قلقٌ مشروعٌ حياله، وراح بعضهم يتساءل عن منهجية اختيار المرشّحين للعمل في هذا "البيت"، وهل يتم التدقيق، فعلًا، في خصالهم قبل خلفياتهم العشائرية ومناصب آبائهم، إذ المفروض في هذا البيت أن يضم من يمتلكون الحس الإنساني والشعور مع الناس، قبل أي مؤهلٍ آخر، لا من يستمدون من هذا الموقع حصانات التجبّر والتكبّر و"التنمّر" على العباد.
ينبغي أن يقال، بصراحة، إن ثمة فسادًا في مواقع عليا في الأردن، فقد حوكم مديرا مخابرات سابقان بتهم فساد ضخمة، أي أنهما كانا مؤتمنيْن على أدقّ الأجهزة الرسمية حساسيةً، ويفترض فيه أن يكون مسؤولا، في جزء من اختصاصه، عن مكافحة الفساد، كما شملت قائمة الفساد متنفذين كبارًا آخرين، منهم من هو معروفٌ بقربه من مؤسسة العرش، مثل وليد الكردي الذي يقال إنه فرّ إلى الخارج بملايين الدولارات. وأخيرا وصلت القائمة قبل أيام إلى مديرٍ سابق لضريبة الدخل. وفي كل تلك الحالات، كانت المعضلة الرئيسية ذلك الاحتماء الذي يمارسه الفاسدون والمتنمّرون بمؤسسة العرش، بالمبالغة في ادعاءات الولاء للملك، للتغطية على أفعالهم، وهي حالةٌ تنطبق، أيضًا، على صغار المتنمّرين من أبناء العشائر وغيرهم؛ إذ يكفي أن يهتف الواحد منهم بحياة الملك، قبل أن يغلق شارعًا أو يقتحم جامعة بالسيوف والخناجر، وكأن الاختباء خلف صورة الملك، أو الهتاف له، مسوغ لهذه الجرائم. أما الذين يأنفون من كيل عبارات التعظيم والتفخيم، فيجدون أنفسهم، دومًا، في خانة التشكيك بولائهم وانتمائهم، فيما أغلبيتهم أشدّ انتماء للوطن من غيرهم.
تتجاوز الزوبعة الجديدة حدود "الديوان الملكي"؛ إذ يأمل الأردنيون أن يعاد النظر في أسس التفريق بين الانتماء الحقيقي و"التهريج" الماكر بادّعائه للنهب والاستبداد بالخلق، كما يطمحون لإعادة ترتيب "بيتهم"، والتخلص من الشوائب التي زينت للملك أن "الشعب بخير"، و"البلد مستقر"، و"لا شيء يدعو للقلق". ولربما كان للهبة الشعبية أخيرا حسناتها في إثارة زوابع كثيرة ضربت كل الفناجين الراكدة على امتداد الوطن.