الدراما والبرامج التلفزيونية العراقية تحت الرقابة بحجة "السلم الأهلي"
بالتزامن مع موجة الجدل التي أثارتها أعمال درامية عراقية خلال شهر رمضان الحالي، فضلاً عن البرامج الحوارية مع سياسيين وفنانين ومشاهير محليين، قالت لجنة برلمانية معنية بشؤون الثقافة والإعلام إنها تراقب الأعمال التلفزيونية والبرامج، وستتخذ الإجراءات اللازمة ضد "من يثير مواضيع تهدد السلم الأهلي" في البلاد، ما اعتبره مراقبون محاولة تقييد جديدة من قبل السلطة وأحزابها.
وتزخر قائمة الأعمال الدرامية العراقية هذا العام بعدد من المسلسلات المحلية التي تعالج قضايا التظاهرات والفساد المالي والتدين السياسي والطائفية وجرائم تنظيم "داعش"، والمليشيات المسلحة والفقر والبطالة، فضلاً عن العنف ضد النساء وغيرها من القضايا التي تهم الشارع العراقي، وأبرزها مسلسل "بنج عام"، و"كما مات وطن"، و"ولاية بطيخ".
وقالت لجنة الثقافة والسياحة البرلمانية في بيان لها إن "نقابة الفنانين العراقيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب ونقابة الصحافيين العراقيين وجميع وسائل الإعلام مدعوة إلى إرساء مبدأ التعايش السلمي الحقيقي الذي يعزز روح المواطنة الحقيقية في البرامج التي تبث على شاشات التلفزة والإذاعات المحلية، والابتعاد عن كل ما يثير النعرات الطائفية والقومية والمذهبية ونبذ التطرف بجميع أشكاله".
وشددت على "ضرورة احترام جميع المكونات العراقية ومراعاة الذوق العام والمرتكزات الأخلاقية للمجتمع العراقي وفقاً لأحكام الدستور النافذ"، مبينة أن من مسؤوليتها "مراقبة أداء الثقافة بجميع مفاصلها في البلاد، وفقاً للنظام الداخلي للبرلمان"، وأنها "ستعمل على تشكيل لجنة مع الجهات المعنية لمتابعة البرامج التلفزيونية والمسلسلات وجميع ما يعرض في وسائل الإعلام، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق من ينتهك الأمن المجتمعي والأهلي بإثارة المواضيع الحساسة التي تخص المعتقدات والأديان والأعراق".
ودعت اللجنة "هيئة الإعلام والاتصالات" إلى "أخذ دورها الحقيقي باعتبارها الجهة التنفيذية المختصة بهذا الأمر".
لكن أعضاء في نقابة الفنانين العراقيين أكدوا أن التحرك يأتي لإجبار المؤسسات الفنية الإعلامية على الانصياع لرؤية الدولة وأحزاب السلطة. وقال عضو النقابة، حسن الفتلاوي، إن "حراك لجنة الثقافة سياسي بحت، إذ إنها كحال أغلب اللجان البرلمانية مسيرة من قبل بعض الأحزاب والجهات المتنفذة في البلد التي تريد فرض أجنداتها السياسية على مفاصل الحياة كافة"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "حراك اللجنة يأتي في ظل عدم وجود حدود للمفاهيم التي تحدث عنها (روح المواطنة، والتعايش السلمي، وإثارة النعرات) التي يجعل منها مفاهيم فضفاضة تتحمل تفسيرات عدة وتنطبق على أي عمل فني لا يرضي تلك الجهات، ما يعني أن تلك المفاهيم ستتحول إلى تهم كتهمة سابقة صبّت في مصلحة السلطة والأحزاب الحاكمة وفقاً لتفسيراتها الخاصة بمصالحها هي".
وتساءل: "هل متابعة ونشر معاناة المتظاهرين واستهدافهم وقتلهم يتنافيان مع مبدأ التعايش السلمي؟ أم نقل معاناة النازحين يستهدف التعايش السلمي؟ أو الحديث عن أعمال العنف لـ(داعش)، ونشاطات المليشيات والفصائل المسلحة العاملة في العراق وإثارة ملفات المخطوفين والحديث عن الانتهاكات هو استهداف للتعايش السلمي؟"، مؤكداً أن "الحراك يهدف إلى وضع الفن والصحافة في البلاد تحت سلطة السياسة وأحزابها، وهو تسخير للقانون ضد كل من يخالف توجهات تلك الأحزاب". وأكد أن "هذا التوجه في حال التعاطي معه بشكل كامل، فإنه سيشل العمل الفني والصحافي في البلاد، وسيتجه بالبلاد نحو الفن والإعلام الحكومي والحزبي فقط".
ويؤكد صحافيون عراقيون أن حرية العمل وحرية التعبير حقوق كفلها الدستور، وأن الحراك الأخير هو تحايل حزبي وسياسي على الحقوق الدستورية. وقال الصحافي العراقي، أحمد العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "أحزاب السلطة لم يكفها كل ما تتخذه من إجراءات ضد المؤسسات الإعلامية، من خلال غلق عدد من المؤسسات وسحب تراخيص عملها، وتحديد شروط للعمل، حتى راحت باتجاه تسخير القانون لمعاقبة كل من يخرج عن توجهاتها".
وأكد أن "هذا التحرك مخالف للدستور ومخالف لحرية التعبير، لكن الخطير في العراق أن القانون لا يطبق على الأحزاب المتنفذة التي تنتهك كل شيء، بل يطبق على كل من يخالف توجهاتهم، ويخرج عنها"، داعياً نقابتي الصحافيين والفنانين إلى "الوقوف في وجه هذا الحراك ومنعه".