دراما البيئة الشامية: تكرار سنوي لا بدّ منه
باتت أعمال البيئة الشامية وجبة رمضانية دسمة في كل موسم، حيث تتجه أهم القنوات العربية لعرضها على شاشاتها لِما لها من جمهور واسع الشريحة على امتداد الوطن العربي. وربما أول من قام بهذه الأعمال في التسعينيات هو المخرج بسام الملا، من خلال مسلسل "أيام شامية" الذي كتبه أكرم شريم ولعب بطولته عباس النوري، وبسام كوسا، ورفيق سبيعي، وخالد تاجا، وهالة شوكت، وهدى شعراوي، وناجي جبر، وغيرهم من النجوم السوريين. ومع أن العمل كان مؤلفاً من أربع عشرة حلقة فقط، إلا أنه نال استحسان الجمهور بشكل كبير، وما زال يُعاد على القنوات السورية حتى اليوم. وبعدها، اتجه الملا لهذه الأعمال وكرّسها على الشاشة؛ فكان مسلسل "الخوالي" الذي شكل حديث الشارع السوري، وتلاه "ليالي الصالحية" الذي حقق أيضاً نجاحاً كبيراً، ومن بعدها بدأ مسلسل "باب الحارة" واستمر تسعة أجزاء، وانحدر المستوى الذي قدمه الملا سابقاً. واتجهت شركات إنتاج أخرى لإنتاج هكذا نوع من الأعمال، بعضها نجح مثل "الدبور" (جزأين)، و"بيت جدي" (جزأين)، و"وردة شامية"، وغيرها من الأعمال التي لاقت صدىً جيداً، لكن بقي بسام الملا المؤسس الأساسي لهذه الأعمال وشيخ الكار لها.
في رمضان الحالي، تطالعنا ثلاثة أعمال سورية تنتمي لفئة "فانتازيا البيئة الشامية"، وتلقفها الجمهور بطرق مختلفة، فبعضها نال إشادات، والآخر كان عادياً.
بروكار
أول هذه الأعمال مسلسل "بروكار" الذي عُرِضَ في رمضان على عدة قنوات سورية وعربية، وهو من إخراج محمد زهير رجب وتأليف سمير هزيم. ويدخل العمل في حارة "البروكار"، وهي حارة شامية مفترضة، وذلك في فترة ما قبل الاستقلال عام 1942. وقد قدّمَ العمل قصة تقليدية عن زعامة الحارة ومجموعة أحداث ومشاكل تدور فيها، فضلاً عن تكاتف السكان بمختلف أديانهم وشرائحهم الاجتماعية في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ووجود مجموعة ثوّار يناضلون، والأساليب التي يتّبعها المسلسل في طرح القصة لم يجلب أي جديد على دراما البيئة الشامية، أو يفترض حلولاً درامية منطقية مختلفة. لعلّ أكثر ما يلفت النظر في العمل هو توجيه الأنظار لازدهار العلم والتعليم في سورية والجامعات، كما عالج المسلسل قضية تخلي المرأة السورية عن ارتداء "الملاية" السوداء التي كانت زياً عثمانياً تقليدياً. لكن الانقلاب الذي حصل في شكل النساء في المسلسل قبل وبعد "الملاية" غير منطقي، ولم يكن تدريجياً، بل اتجهن فوراً للباس العادي بحجاب أو بدون حجاب. وكان طرح الموضوع فجاً وغير متناسب، ولم يكن في سياق درامي منطقي، كما تدور عدة حلقات في قضية واحدة وهي معرفة من قتل الجندي الفرنسي من النساء، حيث تُتَّهم "بثينة" التي تقوم بدورها زينة بارافي بالقضية، ويبحث الجنود عنها لعدة حلقات وكأن لا حدثَ آخر يمكن إضافته! لكن يحضر الأداء الجيد لزينة ويزن خليل، بالإضافة للفنانة القديرة نادين خوري وثنائية معن عبد الحق ووائل زيدان.
حرملك
وعلى ضفة أخرى، يتابع مسلسل "حرملك" تتمة قصته في الجزء الثاني من العمل. التشتت يبدو حاضراً في هذا الجزء، فقد كان المسلسل بعيداً عن التشويق والقصة المحبوكة في أول أجزائه. ورغم وجود عدد كبير من النجوم السوريين فيه، ومتابعته من قِبَل الكثيرين، لكن بقي العمل ضعيفاً وتائهاً، وكأنه عرض مسرحي لنجوم الصف الأول من دون قصة متماسكة، وفي الجزء الثاني يحضر الضعف أكثر من خلال لصق مشاهد مصوّرة من الجزء الأول ووضعها في الجزء الثاني ولعدة حلقات، كما يختفي أشخاص ويظهر آخرون بتسلسل غير منطقي. لا توازن واضحا في الشخصيات، ولا ضبط موزونا في الأحداث، ويأتي ذلك نتيجة انسحاب عدد من النجوم من العمل بسبب خلافات مع الشركة المنتِجة، ما جعلهم لا يكملون مشاهدهم، فمثلاً تختفي شخصية جمال سليمان من دون تمهيد مسبق، تُقتَل شخصية "قمر" التي قامت بدورها النجمة سلافة معمار، كما أُنهِيَت شخصية وفاء موصللي التي أبدعت بأدائها في الجزء الأول، وكذلك أُنهِيَت شخصية نادين خوري من دون مبرر مقنع، ما جعل العمل خافت الإيقاع، ويبقى أحمد الأحمد صاحب الدور الأهم في المسلسل، في حين يقدم باسم ياخور وسامر المصري وقيس الشيخ نجيب أداءً تقليدياً ومبالغاً فيه ببعض الأحيان. وباقي النجوم يتوزعون أدوارهم وحواراتهم بشكل بارد إجمالاً لأن النص لم يكن مشبعاً أساساً.
سوق الحرير
يعود بسام الملا هذا العام بعد خروجه من "باب الحارة" بمسلسل جديد بعنوان "سوق الحرير"، تَقَرَّرَ منذ بدايته أن يكون ثلاثة أجزاء قابلة للتمديد. ورغم أن العمل يضم أهم نجوم سورية، كبسام كوسا، وسلوم حداد، وكاريس بشار، وقمر خلف، ونادين تحسين بيك، إلا أن المسلسل خلا من التفاصيل العميقة أو الحكاية المشوِّقة، فهو يدور في دائرة مفرَغة ولا يقدّم جديداً يُذكَر على صعيد القصة أو السيناريو، لكن يرفع أداء الفنانين فيه من سويّة النص، ويقدّم بعض الحوارات النسائية المتمردة التي تقدم صورة مختلفة عن المرأة السورية. إنما كان الاستهلاك حاضراً من خلال قصة عمران المتزوج من أربع نساء، وهي حدوتة دائمة في عدة أعمال شامية. لا حلول درامية منطقية في العمل، حيث يستند في أغلبه إلى مصادفات غير مقنِعة. ربما كان الشيء المميز هذه المرة هو ابتعاد الأخوين مؤمن وبسام الملا مخرجَي المسلسل عن فترة الاحتلال العثماني أو الفرنسي، حيث تدور الأحداث في الخمسينيات في إطار اجتماعي بعيداً عن السياسة وتقلباتها في ذاك الوقت.
يتّجه "سوق الحرير" للمرأة المتعلمة، وتبيان أهمية العلم والثقافة في المجتمع السوري، بالإضافة للتحرر الذي بدأ يظهر تدريجياً في ذاك الوقت سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي أو الفكري، ما يجعل من العمل متقدماً خطوة للأمام عن مسلسل "باب الحارة" الذي دخل في متاهات مزعجة وتشوّه صورة المجتمع السوري الحقيقي، وتكرّس التخلف. لكن يبدو أنه وفي هذا المسلسل هناك خطة واضحة من الملا لإعادة توجيه الأنظار لدمشق الحقيقية بعيداً عن تزييف بعض المسلسلات الشامية المليئة بتعنيف المرأة والذكورية المفرطة والجهل، لكن تكمن المشكلة في قرار تقديم ثلاثة أجزاء من المسلسل، ما يجعلنا نعود ونتوه في دائرة المطمطة في الأحداث والتغير الذي قد يطرأ على النص بشكل سلبي. ويبقى السؤال في ما إذا كان "سوق الحرير" سيستطيع أن يحل محل "باب الحارة" الذي حقق انتشاراً عربياً واسعاً وهل سيكون العمل قادراً على شد المشاهد ليحقق استمرارية طويلة في ما بعد، خصوصاً أن الحكاية تدور في دائرة دوّارة.
اقــرأ أيضاً
إن أعمال البيئة الشامية صارت كملح الطعام في كل رمضان وباتت ضرورة لعدة قنوات كمطلب تسويقي أساسي، لكن يبقى البحث جاريا عن قيمة مضافة لهذه الأعمال بما تقدّمه للجمهور من قصص وحكايات وهوية بصرية وخَط درامي متصاعد يعمل على جذب المشاهد ويحقق عنصر التشويق والسرد الممتع والعفوية في الأداء كما حصل في عدة أعمال سابقة ما زال تأثيرها حاضراً في قلوب الجمهور حتى اليوم.
في رمضان الحالي، تطالعنا ثلاثة أعمال سورية تنتمي لفئة "فانتازيا البيئة الشامية"، وتلقفها الجمهور بطرق مختلفة، فبعضها نال إشادات، والآخر كان عادياً.
بروكار
أول هذه الأعمال مسلسل "بروكار" الذي عُرِضَ في رمضان على عدة قنوات سورية وعربية، وهو من إخراج محمد زهير رجب وتأليف سمير هزيم. ويدخل العمل في حارة "البروكار"، وهي حارة شامية مفترضة، وذلك في فترة ما قبل الاستقلال عام 1942. وقد قدّمَ العمل قصة تقليدية عن زعامة الحارة ومجموعة أحداث ومشاكل تدور فيها، فضلاً عن تكاتف السكان بمختلف أديانهم وشرائحهم الاجتماعية في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ووجود مجموعة ثوّار يناضلون، والأساليب التي يتّبعها المسلسل في طرح القصة لم يجلب أي جديد على دراما البيئة الشامية، أو يفترض حلولاً درامية منطقية مختلفة. لعلّ أكثر ما يلفت النظر في العمل هو توجيه الأنظار لازدهار العلم والتعليم في سورية والجامعات، كما عالج المسلسل قضية تخلي المرأة السورية عن ارتداء "الملاية" السوداء التي كانت زياً عثمانياً تقليدياً. لكن الانقلاب الذي حصل في شكل النساء في المسلسل قبل وبعد "الملاية" غير منطقي، ولم يكن تدريجياً، بل اتجهن فوراً للباس العادي بحجاب أو بدون حجاب. وكان طرح الموضوع فجاً وغير متناسب، ولم يكن في سياق درامي منطقي، كما تدور عدة حلقات في قضية واحدة وهي معرفة من قتل الجندي الفرنسي من النساء، حيث تُتَّهم "بثينة" التي تقوم بدورها زينة بارافي بالقضية، ويبحث الجنود عنها لعدة حلقات وكأن لا حدثَ آخر يمكن إضافته! لكن يحضر الأداء الجيد لزينة ويزن خليل، بالإضافة للفنانة القديرة نادين خوري وثنائية معن عبد الحق ووائل زيدان.
حرملك
وعلى ضفة أخرى، يتابع مسلسل "حرملك" تتمة قصته في الجزء الثاني من العمل. التشتت يبدو حاضراً في هذا الجزء، فقد كان المسلسل بعيداً عن التشويق والقصة المحبوكة في أول أجزائه. ورغم وجود عدد كبير من النجوم السوريين فيه، ومتابعته من قِبَل الكثيرين، لكن بقي العمل ضعيفاً وتائهاً، وكأنه عرض مسرحي لنجوم الصف الأول من دون قصة متماسكة، وفي الجزء الثاني يحضر الضعف أكثر من خلال لصق مشاهد مصوّرة من الجزء الأول ووضعها في الجزء الثاني ولعدة حلقات، كما يختفي أشخاص ويظهر آخرون بتسلسل غير منطقي. لا توازن واضحا في الشخصيات، ولا ضبط موزونا في الأحداث، ويأتي ذلك نتيجة انسحاب عدد من النجوم من العمل بسبب خلافات مع الشركة المنتِجة، ما جعلهم لا يكملون مشاهدهم، فمثلاً تختفي شخصية جمال سليمان من دون تمهيد مسبق، تُقتَل شخصية "قمر" التي قامت بدورها النجمة سلافة معمار، كما أُنهِيَت شخصية وفاء موصللي التي أبدعت بأدائها في الجزء الأول، وكذلك أُنهِيَت شخصية نادين خوري من دون مبرر مقنع، ما جعل العمل خافت الإيقاع، ويبقى أحمد الأحمد صاحب الدور الأهم في المسلسل، في حين يقدم باسم ياخور وسامر المصري وقيس الشيخ نجيب أداءً تقليدياً ومبالغاً فيه ببعض الأحيان. وباقي النجوم يتوزعون أدوارهم وحواراتهم بشكل بارد إجمالاً لأن النص لم يكن مشبعاً أساساً.
سوق الحرير
يعود بسام الملا هذا العام بعد خروجه من "باب الحارة" بمسلسل جديد بعنوان "سوق الحرير"، تَقَرَّرَ منذ بدايته أن يكون ثلاثة أجزاء قابلة للتمديد. ورغم أن العمل يضم أهم نجوم سورية، كبسام كوسا، وسلوم حداد، وكاريس بشار، وقمر خلف، ونادين تحسين بيك، إلا أن المسلسل خلا من التفاصيل العميقة أو الحكاية المشوِّقة، فهو يدور في دائرة مفرَغة ولا يقدّم جديداً يُذكَر على صعيد القصة أو السيناريو، لكن يرفع أداء الفنانين فيه من سويّة النص، ويقدّم بعض الحوارات النسائية المتمردة التي تقدم صورة مختلفة عن المرأة السورية. إنما كان الاستهلاك حاضراً من خلال قصة عمران المتزوج من أربع نساء، وهي حدوتة دائمة في عدة أعمال شامية. لا حلول درامية منطقية في العمل، حيث يستند في أغلبه إلى مصادفات غير مقنِعة. ربما كان الشيء المميز هذه المرة هو ابتعاد الأخوين مؤمن وبسام الملا مخرجَي المسلسل عن فترة الاحتلال العثماني أو الفرنسي، حيث تدور الأحداث في الخمسينيات في إطار اجتماعي بعيداً عن السياسة وتقلباتها في ذاك الوقت.
يتّجه "سوق الحرير" للمرأة المتعلمة، وتبيان أهمية العلم والثقافة في المجتمع السوري، بالإضافة للتحرر الذي بدأ يظهر تدريجياً في ذاك الوقت سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي أو الفكري، ما يجعل من العمل متقدماً خطوة للأمام عن مسلسل "باب الحارة" الذي دخل في متاهات مزعجة وتشوّه صورة المجتمع السوري الحقيقي، وتكرّس التخلف. لكن يبدو أنه وفي هذا المسلسل هناك خطة واضحة من الملا لإعادة توجيه الأنظار لدمشق الحقيقية بعيداً عن تزييف بعض المسلسلات الشامية المليئة بتعنيف المرأة والذكورية المفرطة والجهل، لكن تكمن المشكلة في قرار تقديم ثلاثة أجزاء من المسلسل، ما يجعلنا نعود ونتوه في دائرة المطمطة في الأحداث والتغير الذي قد يطرأ على النص بشكل سلبي. ويبقى السؤال في ما إذا كان "سوق الحرير" سيستطيع أن يحل محل "باب الحارة" الذي حقق انتشاراً عربياً واسعاً وهل سيكون العمل قادراً على شد المشاهد ليحقق استمرارية طويلة في ما بعد، خصوصاً أن الحكاية تدور في دائرة دوّارة.
إن أعمال البيئة الشامية صارت كملح الطعام في كل رمضان وباتت ضرورة لعدة قنوات كمطلب تسويقي أساسي، لكن يبقى البحث جاريا عن قيمة مضافة لهذه الأعمال بما تقدّمه للجمهور من قصص وحكايات وهوية بصرية وخَط درامي متصاعد يعمل على جذب المشاهد ويحقق عنصر التشويق والسرد الممتع والعفوية في الأداء كما حصل في عدة أعمال سابقة ما زال تأثيرها حاضراً في قلوب الجمهور حتى اليوم.
المساهمون
المزيد في منوعات