01 أكتوبر 2022
عن "وزن" الجماهير
ما الفرق بين دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي المصريين إلى خفض أوزانهم ودعوات شبيهة صعدت في بريطانيا وأميركا والمكسيك وغيرها؟ ابتداءً لا خلاف على أهمية القضية، ليس من الرفاهية أو مدعاة للسخرية القول إن مصر تقع في مرتبة متقدمة جدا في كل تصنيفات السمنة في العالم، ما يضعها أيضاً في ترتيب متقدم للإصابة بالأمراض غير السارية، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكر.
لكن، وعلى الرغم من اتفاقنا على أهمية القضية، وأيضاً على إيجابية أن تُقدم الدولة، بتعاون دولي، على المسح الصحي الشامل (حملة 100 مليون صحة). وبإطارها يتم علاج فيروس سي مجاناً، وتشخيص الأمراض غير السارية، إلا أنه تظل لدينا فروق جوهرية مع السياسات الدولية.
الملمح الأول هو إلى من يتوجه اللوم؟ كان السيسي يخاطب الشعب على مستوى المسؤولية الفردية، المصريون (هؤلاء المقصرون المهملون) هم من لا يهتمون بزيادة أوزانهم، ولذلك عليهم ممارسة الرياضة كأنه يخاطب شعباً من الكسالى. بينما سبب السمنة في مصر هو في سوء نوع الغذاء، لا في كثرته، فالفقراء هم من لا يجد بديلاً عن استهلاك الدهون المشبعة، وسد حاجتهم بأكبر قدر من النشويات الرخيصة. وللمفارقة، ارتبط المطبخ المصري تاريخياً بالنشويات كارتباط عامة الفلاحين المصريين تاريخياً بالفقر. ولهذا كان الخبز الطعام المصري الرئيسي. كما تنتشر في مصر أكلات مثل الكشري، والذي هو أنواع مختلفة من النشويات لا أكثر، وأحياناً يأكلون الكشري بالخبز!
في المقابل كلما ارتفعت قيمة الغذاء الصحية، خصوصا إذا تحدثنا عن الخضروات والفواكه الطازجة، ارتفع سعره. وباختلاف النظرة لسبب المشكلة تختلف النظرة لحلها، كان الحل الذي طرحه وزير التعليم، طارق شوقي، على سبيل المثال، هو أن لا يستخدم المواطن المترو لكامل المسافة التي يقطعها مستبدلاً استخدامه بالمشي. كما أبرز الرئيس السيسي حلاً آخر، أن يكف الإعلام عن استضافة أي ضيف ذي وزن زائد، في سياق متسق مع قناعته الواضحة بأن كل شيء يمكن حله باستخدام الإعلام الذي يراه كليّ القدرة، أيا كان الواقع.
في المقابل، تعرف الدول الديمقراطية أن المسؤولية حكومية بالأساس، سواء في السياسات العامة التي ترفع الحالة الاقتصادية والتعليمية للمواطنين، فيمكن لهم شراء الأطعمة الصحية، أو في السياسات الموجهة خصيصاً لمكافحة السمنة. على سبيل المثال، أطلقت المدارس في بريطانيا حملة "ميل يومي" منذ العام 2006، حيث يجري التلاميذ ميلاً في الهواء الطلق. كما خضعت وجبات المدارس لعدة مراحل من التحسين، بناءً على الاشتراطات الصحية، حيث شملت الشروط الصادرة عام 2014 أن تحتوي الوجبة يومياً نوعاً على الأقل من الخضروات أو السلطة، على أن تشمل ثلاثة أنواع مختلفة من الفاكهة والخضروات في كل أسبوع، إلى جانب خفض السكريات والمخبوزات والمأكولات المحمّرة والعصائر التي أصبح حجمها الأقصى لا يزيد عن 150 مليغراماً فقط، بينما يتم تقديم اللبن خفيف الدسم يومياً. وأخيرا، ناقشت هيئة الصحة العامة البريطانية محدّدات التدخل الحكومي لإجبار مصنعي البيتزا للأطفال على تغيير مكوناتها أو حجمها، لتقليل السعرات الحرارية بدلاً من الدعوة الطوعية السابقة.
يحدث هذا في بلدٍ يتمتع سكانه بالفعل بمساحات شاسعة من الحدائق المجانية، والنوادي المحلية الرخيصة، ويسمح مستواهم الاقتصادي بشراء الطعام الصحي، فضلاً عن حمايتهم بأنظمة متعدّدة للأمان الاجتماعي.
في غياب هذه الجوانب، يصبح الحديث عن أجساد المواطنين مدعاة للشك، لا الترحيب، فالدول السلطوية تسيطر على الأجساد، كأخص خصوصيات الإنسان التي يمكن تطويعه بتطويعها، وشهدنا تاريخياً تجارب لا تبدأ من حملات النازية ضد السمنة، ولا تنتهي بإجبار صدام حسين وزراءه على الظهور على التلفاز الحكومي بينما يمارسون الرياضة!
المفارقة هنا أن الأنظمة التي تحترم "وزن" الجماهير المعنوي، كرأي عام وتصويت في الصناديق، هي التي تتحمل مسؤوليتها تجاه أوزان أجسادهم أيضاً.
لكن، وعلى الرغم من اتفاقنا على أهمية القضية، وأيضاً على إيجابية أن تُقدم الدولة، بتعاون دولي، على المسح الصحي الشامل (حملة 100 مليون صحة). وبإطارها يتم علاج فيروس سي مجاناً، وتشخيص الأمراض غير السارية، إلا أنه تظل لدينا فروق جوهرية مع السياسات الدولية.
الملمح الأول هو إلى من يتوجه اللوم؟ كان السيسي يخاطب الشعب على مستوى المسؤولية الفردية، المصريون (هؤلاء المقصرون المهملون) هم من لا يهتمون بزيادة أوزانهم، ولذلك عليهم ممارسة الرياضة كأنه يخاطب شعباً من الكسالى. بينما سبب السمنة في مصر هو في سوء نوع الغذاء، لا في كثرته، فالفقراء هم من لا يجد بديلاً عن استهلاك الدهون المشبعة، وسد حاجتهم بأكبر قدر من النشويات الرخيصة. وللمفارقة، ارتبط المطبخ المصري تاريخياً بالنشويات كارتباط عامة الفلاحين المصريين تاريخياً بالفقر. ولهذا كان الخبز الطعام المصري الرئيسي. كما تنتشر في مصر أكلات مثل الكشري، والذي هو أنواع مختلفة من النشويات لا أكثر، وأحياناً يأكلون الكشري بالخبز!
في المقابل كلما ارتفعت قيمة الغذاء الصحية، خصوصا إذا تحدثنا عن الخضروات والفواكه الطازجة، ارتفع سعره. وباختلاف النظرة لسبب المشكلة تختلف النظرة لحلها، كان الحل الذي طرحه وزير التعليم، طارق شوقي، على سبيل المثال، هو أن لا يستخدم المواطن المترو لكامل المسافة التي يقطعها مستبدلاً استخدامه بالمشي. كما أبرز الرئيس السيسي حلاً آخر، أن يكف الإعلام عن استضافة أي ضيف ذي وزن زائد، في سياق متسق مع قناعته الواضحة بأن كل شيء يمكن حله باستخدام الإعلام الذي يراه كليّ القدرة، أيا كان الواقع.
في المقابل، تعرف الدول الديمقراطية أن المسؤولية حكومية بالأساس، سواء في السياسات العامة التي ترفع الحالة الاقتصادية والتعليمية للمواطنين، فيمكن لهم شراء الأطعمة الصحية، أو في السياسات الموجهة خصيصاً لمكافحة السمنة. على سبيل المثال، أطلقت المدارس في بريطانيا حملة "ميل يومي" منذ العام 2006، حيث يجري التلاميذ ميلاً في الهواء الطلق. كما خضعت وجبات المدارس لعدة مراحل من التحسين، بناءً على الاشتراطات الصحية، حيث شملت الشروط الصادرة عام 2014 أن تحتوي الوجبة يومياً نوعاً على الأقل من الخضروات أو السلطة، على أن تشمل ثلاثة أنواع مختلفة من الفاكهة والخضروات في كل أسبوع، إلى جانب خفض السكريات والمخبوزات والمأكولات المحمّرة والعصائر التي أصبح حجمها الأقصى لا يزيد عن 150 مليغراماً فقط، بينما يتم تقديم اللبن خفيف الدسم يومياً. وأخيرا، ناقشت هيئة الصحة العامة البريطانية محدّدات التدخل الحكومي لإجبار مصنعي البيتزا للأطفال على تغيير مكوناتها أو حجمها، لتقليل السعرات الحرارية بدلاً من الدعوة الطوعية السابقة.
يحدث هذا في بلدٍ يتمتع سكانه بالفعل بمساحات شاسعة من الحدائق المجانية، والنوادي المحلية الرخيصة، ويسمح مستواهم الاقتصادي بشراء الطعام الصحي، فضلاً عن حمايتهم بأنظمة متعدّدة للأمان الاجتماعي.
في غياب هذه الجوانب، يصبح الحديث عن أجساد المواطنين مدعاة للشك، لا الترحيب، فالدول السلطوية تسيطر على الأجساد، كأخص خصوصيات الإنسان التي يمكن تطويعه بتطويعها، وشهدنا تاريخياً تجارب لا تبدأ من حملات النازية ضد السمنة، ولا تنتهي بإجبار صدام حسين وزراءه على الظهور على التلفاز الحكومي بينما يمارسون الرياضة!
المفارقة هنا أن الأنظمة التي تحترم "وزن" الجماهير المعنوي، كرأي عام وتصويت في الصناديق، هي التي تتحمل مسؤوليتها تجاه أوزان أجسادهم أيضاً.