28 يناير 2024
ما قبل الغيبوبة
أيها المكابر، كان ينبغي أن تعرف، أنت الذي يستعمرك شعورٌ دائم بأن عمرك ليس أكثر من وجبة قصيرة، عليك أن تلتهمها، قبل أن يغلق العالم أبوابه، بأن مصيرًا مثل هذا ينتظرك، أعني أن يبسطوك على سريرٍ طبي، ويصبح جسدك مباحًا لحفنة ممرّضين وأطباء، يشدون وثاقه بالأنابيب وأسلاك الكهرباء، ويفتعلون قلقًا زائفًا، كلما أصدر جهاز موجات القلب دويًّا، وأرسل مصباحه الصغير وميضه الأحمر، مشيرًا إلى تسارع عنيف في النبض.
دعهم وقلقهم، والأحرى بك أن تقلق أنت على قلبك الذي تستهلكه بإفراطٍ، لا يعرف محطةً لالتقاط الأنفاس، فمعضلتك كانت، ولم تزل، في هذا "التسارع"، كأنك في سباقٍ مفتوح النهايات، تودّ لو تعُبَّ العالم بجرعة واحدة.
على أن ما يبعث بعض العزاء في قلبك المنهك، أنك دخلت المستشفى من باب غرفة "الطوارئ"، الذي اعتدت عليه أيها "الطارئ"، أليس كل ما حولك "طارئًا" في نهاية المطاف، كحال كل مواطن عربي، يولد على عجلٍ، ويعيش على "خجلٍ"، ويموت بلا "زعل"؟ ألم تكن حياتك كلها "طارئةً"، لا يمكن إدراجها تحت عناوين الثبات والاستقرار والتنبؤ بخطوط بداياتها ونهاياتها ألبتة؟ حتى أوطانك العربية التي كان يفترض أن تكون جذرك الراسخ في التراب ليست إلا أوطانًا طارئة، قابلة للمحو والتعديل والتغيير، في أي لحظةٍ يشاؤها "جرّاحون" آخرون. على هذا النحو، كانت سماؤك طارئة، وترابك طارئًا، وحقوقك طارئة، ولا ثبات إلا للطغاة، فهم وحدهم "غير الطارئين" على أوطانهم؛ لأنهم يمتلكون شرعية الحكم والبطش، ومفاتيح الجنة والنار، وطرد شعوبهم الطارئة كلها أو إبادتها، إن فكرت يومًا بالتمرّد على "غرفة الطوارئ".
خذلك قلبك، هذه المرة، لأن "تسارعه" لم يعد يضاهي سرعة أحلامك، وما أكثر أحلامك أيها الحالم، فلم تترك له فسحةً لاستراحة محارب، أو عاشق، أو شاعر، أو كاتب، أو معارض، أو وحدوي،.. أو ما شئت، من كلّ تلك السباقات التي تخوضها من دون توقف.
هذه المرة، كان الوقوف إجباريًّا، أوقفك قلبك، وأطلق إشارة التحذير الأولى بأنه سيقف، إن لم تتوقف، وتعيد النظر بما تبقى لك من جسدٍ التهمته المسافات، فخضعت مضطرًّا، وللمرة الأولى في حياتك، لـ"سُلطةٍ" طبية، قوامها مستبدّون، يقيّدونك بسلاسل الأنابيب، ويُملون عليك تعليماتٍ وأنظمةً وقوانين، يزعمون أنها تصب "في مصلحتك"، فيقفز إلى ذهنك طغاة آخرون، كانوا يكرّرون القيود ذاتها، ويزعمون، أيضًا، أنها تصب "في مصلحتك"، فيغيم بصرك، وتختلط عليك "القيود"، وتحاول نزعها، مجدّدًا، لكن الوميض الأحمر اللعين من جهاز موجات القلب ينبعث ثانيةً، فتضطر لإعادة رأسك إلى حديد السرير الأبيض، وتتذكّر معه حديد كوة زنزانة سابقة، لم تكن تراها إلا كلما اصطدم رأسك بها.
وما بين ثنائية الصحو والغيبوبة، تشفق على حيرة الأطباء، أحيانًا، وهم يحاولون تشخيص تسارع قلبك، فيخفقون؛ لأنهم عاجزون عن فهم طبيعة السباقات التي تخوضها مع عمرك، ولو جرّب أحدهم سباقًا واحدًا منها؛ لأدرك ما يعنيه سباقك لأجل حريةٍ لم تظفر بها بعد، أو امرأة تخوض من أجلها سباقًا مع قطيع غزلانٍ، ولو عرفوا أن علاقتك مع الطمأنينة مقطوعة، منذ اللحظة التي طلّقت فيها "كنز القناعة"، لأعادوا النظر في كل تقاريرهم الطبية التي حرّروها بشأن وضعك الصحي.
لو كانوا فحصوك بمجهر الوردة، لأدهشتهم اكتشافاتٌ ربما شكّلت فتوحاتٍ طبية، عن "متلازماتٍ" تستبدّ بجسدك "المتسارع"، ولربما استبدلوا بنود تقريرهم بأسبابٍ أخرى من قبيل: "أدخل المذكور إلى غرفة الطوارئ، وبعد الفحص الدقيق تبين أنه مدمنٌ على متلازمة الحرية، متلازمة الحب، متلازمة القلق، متلازمة الحلم، متلازمة الوطن الخالي من الاستبداد، متلازمة الأمة العربية الواحدة، متلازمة الربيع القادم حتفَ أنف الطغاة".
لكنهم لم يفعلوا، ولربما كان حريًّا بك، أيها المقيد بالأنابيب، أن تستجيب لغيبوبةٍ واحدة في حياتك، كي تتوازن مع عالم "غائب"، فكلهم في "غيبوبة"، أيها الأبله، ومن العبث أن تبقى مستيقظًا وحدك.
دعهم وقلقهم، والأحرى بك أن تقلق أنت على قلبك الذي تستهلكه بإفراطٍ، لا يعرف محطةً لالتقاط الأنفاس، فمعضلتك كانت، ولم تزل، في هذا "التسارع"، كأنك في سباقٍ مفتوح النهايات، تودّ لو تعُبَّ العالم بجرعة واحدة.
على أن ما يبعث بعض العزاء في قلبك المنهك، أنك دخلت المستشفى من باب غرفة "الطوارئ"، الذي اعتدت عليه أيها "الطارئ"، أليس كل ما حولك "طارئًا" في نهاية المطاف، كحال كل مواطن عربي، يولد على عجلٍ، ويعيش على "خجلٍ"، ويموت بلا "زعل"؟ ألم تكن حياتك كلها "طارئةً"، لا يمكن إدراجها تحت عناوين الثبات والاستقرار والتنبؤ بخطوط بداياتها ونهاياتها ألبتة؟ حتى أوطانك العربية التي كان يفترض أن تكون جذرك الراسخ في التراب ليست إلا أوطانًا طارئة، قابلة للمحو والتعديل والتغيير، في أي لحظةٍ يشاؤها "جرّاحون" آخرون. على هذا النحو، كانت سماؤك طارئة، وترابك طارئًا، وحقوقك طارئة، ولا ثبات إلا للطغاة، فهم وحدهم "غير الطارئين" على أوطانهم؛ لأنهم يمتلكون شرعية الحكم والبطش، ومفاتيح الجنة والنار، وطرد شعوبهم الطارئة كلها أو إبادتها، إن فكرت يومًا بالتمرّد على "غرفة الطوارئ".
خذلك قلبك، هذه المرة، لأن "تسارعه" لم يعد يضاهي سرعة أحلامك، وما أكثر أحلامك أيها الحالم، فلم تترك له فسحةً لاستراحة محارب، أو عاشق، أو شاعر، أو كاتب، أو معارض، أو وحدوي،.. أو ما شئت، من كلّ تلك السباقات التي تخوضها من دون توقف.
هذه المرة، كان الوقوف إجباريًّا، أوقفك قلبك، وأطلق إشارة التحذير الأولى بأنه سيقف، إن لم تتوقف، وتعيد النظر بما تبقى لك من جسدٍ التهمته المسافات، فخضعت مضطرًّا، وللمرة الأولى في حياتك، لـ"سُلطةٍ" طبية، قوامها مستبدّون، يقيّدونك بسلاسل الأنابيب، ويُملون عليك تعليماتٍ وأنظمةً وقوانين، يزعمون أنها تصب "في مصلحتك"، فيقفز إلى ذهنك طغاة آخرون، كانوا يكرّرون القيود ذاتها، ويزعمون، أيضًا، أنها تصب "في مصلحتك"، فيغيم بصرك، وتختلط عليك "القيود"، وتحاول نزعها، مجدّدًا، لكن الوميض الأحمر اللعين من جهاز موجات القلب ينبعث ثانيةً، فتضطر لإعادة رأسك إلى حديد السرير الأبيض، وتتذكّر معه حديد كوة زنزانة سابقة، لم تكن تراها إلا كلما اصطدم رأسك بها.
وما بين ثنائية الصحو والغيبوبة، تشفق على حيرة الأطباء، أحيانًا، وهم يحاولون تشخيص تسارع قلبك، فيخفقون؛ لأنهم عاجزون عن فهم طبيعة السباقات التي تخوضها مع عمرك، ولو جرّب أحدهم سباقًا واحدًا منها؛ لأدرك ما يعنيه سباقك لأجل حريةٍ لم تظفر بها بعد، أو امرأة تخوض من أجلها سباقًا مع قطيع غزلانٍ، ولو عرفوا أن علاقتك مع الطمأنينة مقطوعة، منذ اللحظة التي طلّقت فيها "كنز القناعة"، لأعادوا النظر في كل تقاريرهم الطبية التي حرّروها بشأن وضعك الصحي.
لو كانوا فحصوك بمجهر الوردة، لأدهشتهم اكتشافاتٌ ربما شكّلت فتوحاتٍ طبية، عن "متلازماتٍ" تستبدّ بجسدك "المتسارع"، ولربما استبدلوا بنود تقريرهم بأسبابٍ أخرى من قبيل: "أدخل المذكور إلى غرفة الطوارئ، وبعد الفحص الدقيق تبين أنه مدمنٌ على متلازمة الحرية، متلازمة الحب، متلازمة القلق، متلازمة الحلم، متلازمة الوطن الخالي من الاستبداد، متلازمة الأمة العربية الواحدة، متلازمة الربيع القادم حتفَ أنف الطغاة".
لكنهم لم يفعلوا، ولربما كان حريًّا بك، أيها المقيد بالأنابيب، أن تستجيب لغيبوبةٍ واحدة في حياتك، كي تتوازن مع عالم "غائب"، فكلهم في "غيبوبة"، أيها الأبله، ومن العبث أن تبقى مستيقظًا وحدك.