28 يناير 2024
والضدُّ يُظهرُ سوءَه الضدُّ
أغبط فلقتيّ شبه الجزيرة الكورية على نعمة التقسيم التي جعلت منهما "حُسنًا يُظهرُ حسنَه الضدُّ"، على نحوٍ يجعل نصير كل فلقةٍ منهما يجد في الفلقة الضدّ ما يلبي ولعه بالفلقة التي يعشقها.
وفي المقابل، أتأسّى على حال "الفلقات" العربية التي شاءت لها أقدار "سايكس بيكو" أن تكون متماثلةً كحبوب العدس، لا يُظهر ضدُّها غير سوئها المضاعف.
أما مناسبة الكلام، فهو المظاهرات الشعبية العارمة التي اندلعت، أخيراً، في كوريا الجنوبية ضد رئيستها بارك غوين التي طالبتها بالتنحّي عن منصبها، بتهم الفساد، فما كان من الأخيرة غير الإذعان بهدوء، وإعلانها الاستعداد للنزول عند الرغبة الشعبية، من دون أن تفكّر لحظة بإبادة الشعب والوطن، كما فعل غيرها من زعماء عرب، جعلوا أوطانهم ملكيةً شخصية، وشعوبهم عبيدًا في محمياتهم.
غير أن حُسن كوريا الجنوبية لا يتوقف عند رئيستها المطواعة لرغبة شعبها، بل يتمثل بأنها واحدة من البلدان الآسيوية التي غدت واحةً من الحريات التي تضاهي واحات العالم الأول في أوروبا، على الرغم من عمرها القصير، وهي الحرية التي أتاحت لها، من التقدّم والتحديث، ما يجعلها في مصاف العالم الصناعي المتطور، ويزيد من حسنها "فلقتها" الأخرى، كوريا الشمالية، التي تعاني أسوأ صنوف الاستبداد، وحكم الفرد "الواحد الأحد"، إلى الحد الذي يتم فيه التدخل الحكومي حتى بقصّات الشعر، ومنع الإنترنت، وتحديد قنوات التلفاز المصرح بمشاهدتها، فضلاً عن قوائم محظوراتٍ لا ترضى بها حظائر الدجاج.
غير أن المولعين بفلقة كوريا الشمالية يجدون أيضأ مسوّغاتٍ كثيرة تبرّر ولعهم، فتراهم يتغنون بدولةٍ أنجزت الكثير في مضمار الصناعات العسكرية التي وصلت إلى الأسلحة النووية، والأهم، في نظرهم، أنه يكفي مجدًا لكوريا الشمالية ما تمثله من قلق دائم للولايات المتحدة الأميركية، ربيبة الإمبريالية العالمية، ويزيد حسنها في أعينهم ما يرونه من تبعيةٍ مفرطةٍ للضدّ الآخر، كوريا الجنوبية، للولايات المتحدة.
على هذا النحو، يولع كل طرفٍ بفلقتي شبه الجزيرة الكورية، ويسوقون من المسوّغات ما يعزّز وجهات نظرهم.
أما على جانب "فلقاتنا" نحن، فلم نزل أسرى "الفَلَقة" ذاتها التي حشرت فيها أقدامنا منذ مطلع تقسيمات "سايكس بيكو"، كما أسلفت، وتتلقى أقدامنا العصيّ ذاتها من مختلف الأنظمة المتماثلة، بيسارها ويمينها ووسطها، من دون أن يُظهرَ ضدٌّ حسنَ ضدِّ آخر، بل كلهم في الاستبداد سواء.
كنا نتمنى، لو عطف علينا ثنائيّا التقسيم، سايكس وبيكو، على اعتبار أنهما كان يمثلان "فلقتين" عالميتين، مطلع القرن الماضي، فيجعلان من بلادنا فلقاتٍ تماثل شبه الجزيرة الكورية، كأن تكون هناك "سورية الشمالية" و"سورية الجنوبية"، مثلاً، واحدة يحكمها مستبدّ، والأخرى يحكمها ديمقراطيّ، وتترك حرية الاختيار للشعب السوري، في أي "الفلقتين" يعيش. لكن أقدار هذا الشعب المسكين شاءت أن يظلّ مشدودًا بــ"الفلقة" الواحدة إلى نظام مستبد واحد. وعلى غراره أيضًا حظيت الشعوب العربية الأخرى بـ"الفلقة" ذاتها، فلم تكن هناك فلقة شمالية، وأخرى جنوبية، في عموم البلدان العربية، باستثناء اليمن الذي عاش تجربة الفلقتين ردحًا من الزمن، مع فارق أن النظامين، اليساري واليميني، اللذيْن حكما البلدين، لم يُظهر حسنُ أيٍّ منهما الضدّ الآخر، لأن من كان يحكم فعليًّا هو القبيلة، وإن ارتدت الفلقة اليمنى عباءةً بنيّة، واليسرى عباءة حمراء.
المطلوب الآن قليلٌ من التفاؤل، ونحن على أبواب تقسيماتٍ جديدة للوطن العربي، يشرف عليها ثنائيان جديدان، هما روسيا وأميركا، وأقترح أن نبدأ بعقد سلسلة مفاوضاتٍ معهما، لكي يجعلا التقسيم الجديد على غرار "الكوريّتين"، فنحن أحقّ منهما، ما دمنا نتمتع بتاريخٍ أطول من التقسيم، فتكون لنا "فلْقتان"، أيضاً، تشدّ الأولى قدمنا اليمنى، والأخرى اليسرى، لعلّ وعسى أن تتحقق نبوءة شاعرنا الحديث: "والضدُّ يُظهرُ سوءَه الضدُّ".
وفي المقابل، أتأسّى على حال "الفلقات" العربية التي شاءت لها أقدار "سايكس بيكو" أن تكون متماثلةً كحبوب العدس، لا يُظهر ضدُّها غير سوئها المضاعف.
أما مناسبة الكلام، فهو المظاهرات الشعبية العارمة التي اندلعت، أخيراً، في كوريا الجنوبية ضد رئيستها بارك غوين التي طالبتها بالتنحّي عن منصبها، بتهم الفساد، فما كان من الأخيرة غير الإذعان بهدوء، وإعلانها الاستعداد للنزول عند الرغبة الشعبية، من دون أن تفكّر لحظة بإبادة الشعب والوطن، كما فعل غيرها من زعماء عرب، جعلوا أوطانهم ملكيةً شخصية، وشعوبهم عبيدًا في محمياتهم.
غير أن حُسن كوريا الجنوبية لا يتوقف عند رئيستها المطواعة لرغبة شعبها، بل يتمثل بأنها واحدة من البلدان الآسيوية التي غدت واحةً من الحريات التي تضاهي واحات العالم الأول في أوروبا، على الرغم من عمرها القصير، وهي الحرية التي أتاحت لها، من التقدّم والتحديث، ما يجعلها في مصاف العالم الصناعي المتطور، ويزيد من حسنها "فلقتها" الأخرى، كوريا الشمالية، التي تعاني أسوأ صنوف الاستبداد، وحكم الفرد "الواحد الأحد"، إلى الحد الذي يتم فيه التدخل الحكومي حتى بقصّات الشعر، ومنع الإنترنت، وتحديد قنوات التلفاز المصرح بمشاهدتها، فضلاً عن قوائم محظوراتٍ لا ترضى بها حظائر الدجاج.
غير أن المولعين بفلقة كوريا الشمالية يجدون أيضأ مسوّغاتٍ كثيرة تبرّر ولعهم، فتراهم يتغنون بدولةٍ أنجزت الكثير في مضمار الصناعات العسكرية التي وصلت إلى الأسلحة النووية، والأهم، في نظرهم، أنه يكفي مجدًا لكوريا الشمالية ما تمثله من قلق دائم للولايات المتحدة الأميركية، ربيبة الإمبريالية العالمية، ويزيد حسنها في أعينهم ما يرونه من تبعيةٍ مفرطةٍ للضدّ الآخر، كوريا الجنوبية، للولايات المتحدة.
على هذا النحو، يولع كل طرفٍ بفلقتي شبه الجزيرة الكورية، ويسوقون من المسوّغات ما يعزّز وجهات نظرهم.
أما على جانب "فلقاتنا" نحن، فلم نزل أسرى "الفَلَقة" ذاتها التي حشرت فيها أقدامنا منذ مطلع تقسيمات "سايكس بيكو"، كما أسلفت، وتتلقى أقدامنا العصيّ ذاتها من مختلف الأنظمة المتماثلة، بيسارها ويمينها ووسطها، من دون أن يُظهرَ ضدٌّ حسنَ ضدِّ آخر، بل كلهم في الاستبداد سواء.
كنا نتمنى، لو عطف علينا ثنائيّا التقسيم، سايكس وبيكو، على اعتبار أنهما كان يمثلان "فلقتين" عالميتين، مطلع القرن الماضي، فيجعلان من بلادنا فلقاتٍ تماثل شبه الجزيرة الكورية، كأن تكون هناك "سورية الشمالية" و"سورية الجنوبية"، مثلاً، واحدة يحكمها مستبدّ، والأخرى يحكمها ديمقراطيّ، وتترك حرية الاختيار للشعب السوري، في أي "الفلقتين" يعيش. لكن أقدار هذا الشعب المسكين شاءت أن يظلّ مشدودًا بــ"الفلقة" الواحدة إلى نظام مستبد واحد. وعلى غراره أيضًا حظيت الشعوب العربية الأخرى بـ"الفلقة" ذاتها، فلم تكن هناك فلقة شمالية، وأخرى جنوبية، في عموم البلدان العربية، باستثناء اليمن الذي عاش تجربة الفلقتين ردحًا من الزمن، مع فارق أن النظامين، اليساري واليميني، اللذيْن حكما البلدين، لم يُظهر حسنُ أيٍّ منهما الضدّ الآخر، لأن من كان يحكم فعليًّا هو القبيلة، وإن ارتدت الفلقة اليمنى عباءةً بنيّة، واليسرى عباءة حمراء.
المطلوب الآن قليلٌ من التفاؤل، ونحن على أبواب تقسيماتٍ جديدة للوطن العربي، يشرف عليها ثنائيان جديدان، هما روسيا وأميركا، وأقترح أن نبدأ بعقد سلسلة مفاوضاتٍ معهما، لكي يجعلا التقسيم الجديد على غرار "الكوريّتين"، فنحن أحقّ منهما، ما دمنا نتمتع بتاريخٍ أطول من التقسيم، فتكون لنا "فلْقتان"، أيضاً، تشدّ الأولى قدمنا اليمنى، والأخرى اليسرى، لعلّ وعسى أن تتحقق نبوءة شاعرنا الحديث: "والضدُّ يُظهرُ سوءَه الضدُّ".