أسواق دول المغرب العربي في رمضان: عرض وفير وقدرة شرائية متراجعة

13 ابريل 2021
ضعف المبيعات رغم كثرة المعروض من السلع (Getty)
+ الخط -

تشابهت دول المغرب العربي في وفرة المعروض السلعي في الأسواق وضعف القدرة الشرائية للمواطن، وسط ارتفاع حاد في أسعار السلع الغذائية. تكرر المشهد في كل من المغرب وتونس وليبيا والجزائر.

تونس

في تونس، لا تعرف الأسعار هدوءاً، إذ سجلت طفرات متتالية تسارعت وتيرتها مع دخول شهر رمضان، رغم وعود رسمية بمحاصرة الغلاء عبر مراقبة التجّار، وضخ كميات كبيرة من الخضروات والفواكه في الأسواق، خلال الأيام الأولى من شهر الصيام.
التذمر من غلاء الأسعار هاجس يتقاسمه التونسيون بمختلف طبقاتهم الاجتماعية رغم وفرة المعروض وتنوعه، بحسب تأكيد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، سليم سعد الله، لـ"العربي الجديد".

يقول سعد الله إنّ عمليات الرصد التي تقوم بها المنظمة أثبتت توفّر معروض مهم من مختلف المواد الغذائية الطازجة والمصنعة، لكن وفرة العرض لم يرافقها انخفاض في الأسعار وفق قوانين العرض والطلب التي تحتكم إليها الأسواق.

يضيف أنّ المنظمة ستطلق عملية توعية واسعة من أجل ترشيد الاستهلاك في الأيام الأولى التي تشهد فيها الأسواق ضغطاً مكثفاً، ولا يستبعد الدعوة إلى مقاطعة بعض السلع ذات الثمن المرتفع.

وأشار في سياق متصل إلى أنّه جرى الاتفاق مع منظمة المزارعين لفتح أكثر من 30 نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك، بهدف توفير معروض من الخضروات والفواكه بأثمان معدّلة، وتقليص هوامش ربح المضاربين.
وزير التجارة وتنمية الصادرات، محمد بوسعيد، قال إنّ لجنة مراقبة الأسعار ستنعقد دوريّاً لمراقبة حركة الأسواق، مؤكداً وفرة الإنتاج المحلّي، وبأسعار في المتناول، خلال شهر رمضان.

ورغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة للتونسيين هذا العام، تعيش الأسواق والمركبات التجارية الكبرى حركة نشيطة، مؤكدة السلوك الاستهلاكي المتأصل في عادات التونسيين الذين يرتفع إنفاقهم في رمضان بأكثر من 30% ليبلغ نحو 1.5 مليار دينار (542 مليون دولار) على امتداد الشهر. ويستحوذ الغذاء على 35% من إجمالي إنفاق الأسر التونسية في مواسم الذروة (رمضان والصيف)، مقابل 26% بقية العام، حسب دراسات حكومية.

وتتركز زيادة الإنفاق، بحسب بيانات رسمية لمعهد الاستهلاك الحكومي، على شراء المعجنات والألبان والبيض والخبز والسكر، وهي المواد التي تستأثر بالقدر الأكبر من الدعم الحكومي، إذ يزيد استهلاك الخبز المدعّم بنسبة 13%، والألبان الطازجة 67%، والزيت النباتي المدعّم 15%. لكنّ الغلاء يغيّر من عادات التونسيين ويكبح جنوحهم نحو الإنفاق المبالغ فيه عادة في رمضان.

المغرب
حرصت السلطات العمومية في المغرب على توفير عرض كاف من السلع بمناسبة شهر رمضان، الذي يحل في سياق متسم بتراجع إيرادات العديد من الأسر، بسبب تداعيات الأزمة الصحية.
ويلاحظ رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ العرض في السوق وفير من جميع السلع التي يكثر الإقبال عليها قبل رمضان.
ويحلّ رمضان في ظلّ تأثر استهلاك الأسر بحالة عدم اليقين المرتبطة بالجائحة، والبطالة التي ارتفعت بسبب تعثر النشاط، حيث مست البطالة حوالي 12.7% من الساكنة النشيطة.
وإذا كان مستوى النشاط تراجع في العديد من القطاعات، بما كان له من تأثير على إيرادات العديد من الأسر، إلاّ أنّه مسّ بشكل خاص تلك العاملة في قطاعات السياحة والمقاهي والمطاعم والترفيه.

الأرشيف
التحديثات الحية

وسجل الخراطي، أنّ الأيام التي سبقت شهر رمضان، شهدت إقبالاً كبيراً على الشراء من قبل الأسر، ما يفضي إلى ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية، قبل أن تتراجع في الأسبوع الأول من الشهر الفضيل. وذهب إلى أنّ ذلك السلوك المتسم بالشراء بكثافة، لا يفضي فقط إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إنّما يعزز التبذير الذي يرتفع في شهر رمضان، علماً أنّ هدر الطعام يصل سنوياً في المملكة إلى 3 ملايين طن.
وارتفعت أسعار الطماطم قبل شهر رمضان، إذ وصلت إلى نحو 0.70 درهم (الدولار يساوي نحو 9 دراهم)، وهو ما يفسر بتراجع العرض جراء حرص المنتجين على التصدير وتدخل الوسطاء في السوق.

وتلاحظ المندوبية السامية للتخطيط (حكومية) أنّ إنفاق الأسر على المواد الغذائية يرتفع في رمضان، حيث يهم ذلك المنتجات الغنية بالبروتين الحيواني والنباتي، إذ يساهم ذلك الإنفاق في ارتفاع كلفة المعيشة في ذلك الشهر.

وتذهب المندوبية إلى أنّه من أجل مواجهة ارتفاع استهلاك السلع الغذائية في شهر رمضان، تعمد الأسر إلى تقليص موازنة السلع غير الغذائية، خصوصاً تلك المتصلة بالثقافة والترفيه والنقل والسكن والطاقة والتجهيزات المنزلية.

الجزائر
وقع السيناريو الذي يخشاه الجزائريون مع كلّ رمضان، فأسعار المواد واسعة الاستهلاك سجلت قفزات كبيرة، فاقت المائة بالمائة على بعض الأنواع، ويحدث ذلك رغم تطمينات الحكومة المتواصلة بإغراق السوق بالمواد لكبح جشع المضاربين.
في أسواق الجزائر العاصمة، شهدت أسعار الخضروات والفواكه واللحوم ارتفاعاً جنونياً في الأسبوع الأخير من شهر شعبان، إذ قفزت أسعار اللحوم الحمراء من 1300 دينار (10 دولارات) للكيلوغرام الواحد من لحم الخروف، إلى 1350 ديناراً (11.53 دولاراً)، ومن 250 ديناراً (2.1 دولار) للكيلوغرام الواحد من لحم الدجاج إلى 350 ديناراً (3 دولارات). وعلى نفس المنحى ارتفعت أسعار الخضروات.
"كلّ شيء زاد ثمنه إلاّ كرامة المواطن رخصت في الجزائر" يشتكي المواطن عبد الله تواتي، الذي التقته "العربي الجديد" في سوق "الحراش" الشعبي شرق العاصمة، والذي أضاف قائلاً: "هذا كثير، قالوا لنا إنّه لن تكون هناك زيادات في الأسعار والعكس هو الذي وقع، أصحاب الجيوب الصغيرة لن يستطيعوا شراء أيّ شيء".
التذمر نفسه كان في كلام رابح ربوش، وهو متقاعد، والذي يسأل في حديثه إلى "العربي الجديد": "أين هي الرقابة، كلّ شيء في السوق سعره مرتفع، الجزائري لم يعد يعرف ماذا يشتري ولا ماذا يأكل، والحكومة لا تهتم لحالنا".

إلى ذلك، يؤكد رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار، أنّ "الأسواق شهدت ارتفاعاً متوسطاً في الأسعار لارتفاع الطلب واستقرار العرض في أسواق الجملة، لا سيما بالنسبة للخضروات والفواكه".

ويضيف بولنوار لـ"العربي الجديد" أنّ "أسعار الخضروات والفواكه وكلّ أنواع السلع الاستهلاكية ستعرف تراجعاً ملحوظاً يزيد عن 50%، بداية من اليوم الرابع أو الخامس من الشهر الكريم، وذلك بسبب بداية تراجع مستوى الطلب والتزاحم على الأسواق".

ويعتبر بولنوار أنّ "أسواق الرحمة" التي قررت الحكومة فتحها، والتي ستكون من المنتج إلى المستهلك مباشرة، ليست كافية لكسر المضاربة.
وكانت الحكومة الجزائرية قد اتخذت جملة من القرارات تحسباً لشهر رمضان، إذ قررت إغراق الأسواق بالسلع وفتح غرف التخزين الخاصة بالخضروات والفواكه. كما قررت وزارة التجارة إلغاء الرسم الوقائي المؤقت المطبق على العديد من المنتجات المستوردة، حتى منتصف شهر رمضان.

ليبيا
يؤكد مواطنون في ليبيا لـ"العربي الجديد" أنّهم باتوا يكتفون بالسلع الأساسية مع دخول شهر رمضان في ظل تدهور قدرتهم الشرائية.
ولم تتمكن الأرملة الليبية سعيدة بن سليمان، من شراء السلع لشهر رمضان، قائلة لـ"العربي الجديد" إنّها تعيش "في حالة قلق متواصل، فلا سيولة بالمصارف ولا فرصة عمل يمكن الاعتماد عليها".

وتضيف أنّها أم لثلاثة أبناء تحت سن 18 سنة، فيما راتب زوجها لم يصرف مند مطلع العام، وتنتظر المبادرات الخيرية لتوفير الحدّ الأدنى من العيش الكريم، مضيفة أنّ الأسعار ارتفعت وهي لا تناسب الطبقة الأفقر.

ومن مدينة الرحيبات بالجبل الغربي، يؤكد المواطن عبد السلام عبعوب، لـ"العربي الجديد" أنّ "الأسعار زادت بمناسبة شهر رمضان، والحكومة تطلق وعوداً من دون تنفيذها".
بدوره، يؤكد رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك، أحمد الكردي، لـ"العربي الجديد" أنّ الأسواق منفلتة ولا معايير وضوابط ورقابة حكومية لضبطها.
وأطلق رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، مبادرة بقيمة 100 مليون دينار ليبي (22 مليون دولار) تستهدف 200 ألف أسرة تشمل الأسر المعوزة والنازحين، والأرامل والمطلقات، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
ودعت وزارة الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية، جميع رجال الأعمال، إلى ضرورة تخفيض الأسعار الأساسية خلال شهر رمضان. وأوضحت عبر بيان أنّ السلع التي يزداد الطلب عليها، وتشمل زيت الطعام، والدقيق، والبيض، والحليب، والأجبان، واللحوم، والمكرونة والبيض، ستمنح عدداً من المزايا للشركات التي تخفض أسعارها.